التعليم الرسمي والطلاب السوريون في لبنان
يقدم هذا المقال لمحة عامة عن البنية التربوية في لبنان وكيفية تعامل الهيئات المعنية مع الطلاب السوريين
To cite this paper: Walid Daou,"التعليم الرسمي والطلاب السوريون في لبنان", Civil Society Knowledge Centre, Lebanon Support, 2014-02-01 00:00:00. doi: 10.28943/CSKC.001.20002
[ONLINE]: https://civilsociety-centre.org/ar/node/20443وليد ضو*
تزايدت اعداد اللاجئين السوريين بفعل الحرب الدائرة في سوريا وخاصة بسبب الهجمات المتكررة التي يقوم بها النظام السوري على القرى والمدن السورية، ذلك بالاضافة الى الهجمات التي تشنها بعض المجموعات المعارضة على المدنيين، وبطبيعة الحال، تضاعفت اعداد التلامذة المهجّرين، هؤلاء إضافة إلى أزمة التهجير التي يعانون منها، تواجههم مشاكل عدة في لبنان الذي استضافهم، من بينها مسألة الحصول على مقعد دراسي لهم في المدارس الرسمية بالإضافة إلى موضوع التأقلم مع المنهج التربوي اللبناني وتحديداً مع اللغات الأجنبية. سنحاول من خلال هذا المقال اعطاء نظرة عامة حول واقع البنية التعليمية اللبنانية وكيفية تعاطي الاجهزة المعنية مع الطلاب السوريين.
بلغ عدد التلامذة السوريين المسجّلين في المدارس اللبنانية خلال العام الدراسي ٢٠١١-٢٠١٢، ٢٧ الف ومئتين وثلاثة واربعين (٢٧،٢٤٣) تلميذاً توزّعوا على المدارس الرسمية والخاصة المجانية وغير المجانية ومدارس الأونروا، وكانت حصة القطاع الرسمي منهم تعادل ال٦٩٪، اي ما يعادل ال ١٨،٩٣٥ تلميذاً (١). علماً بأن عدد التلامذة السوريين في المدارس اللبنانية كافة، خلال السنة الدراسية ٢٠١٠-٢٠١١، اي قبل الثورة السورية، بلغ ٢١،٦٤٢ تلميذاً (٦٧٪ منهم في التعليم الرسمي) (٢).
ومع ازدياد وتيرة الهجرة الى خارج الاراضي السورية، ازداد عدد الطلاب السوريين في لبنان الى ٣٧،١٧٧ تلميذاً في العام الدراسي ٢٠١٢-٢٠١٣، بينما وصل عددهم الى ٨٣ الفاً في العام الدراسي الحالي (٢٠١٣-٢٠١٤).
هذا التراكم في الأرقام يشير، بالاضافة الى تزايد حالات التهجير، الى رغبة لدى الأهالي والطلاب بعدم اضاعة سنوات دراسية.
ولكن، هل هذه الأرقام تشكل عبئاً فعلياً على المدارس الرسمية؟، من ناحية توفر مقاعد دراسية لتلامذة جدد؟
بالعودة إلى أرقام المركز التربوي عينه يتبيّن أن مجموع التلامذة في المدارس الرسمية خلال العام الدراسي ٢٠١١-٢٠١٢ بلغ ٢٧٦٥٥ تلميذا (٣)، أما خلال السنة الدراسية ٢٠٠٣-٢٠٠٤ فبلغ عددهم ٣٤٨١٤٤ تلميذا (٤) أي بتراجع مقداره ٧٢٤٩٨ تلميذا. من هنا، يمكن للتلامذة السوريين الحصول على مقاعد مضمونة ضمن المدارس الرسمية في لبنان، لكن، وبطبيعة الحال، المسألة هنا تتطلب، إضافة إلى حسن نية في التعاطي معهم، حُسن توزيع التلامذة السوريين على المدارس التي تعاني من نقص فادح بعدد التلامذة.
وبالعودة إلى إحصاءات التفتيش المركزي من خلال المفتشية العامة التربوية لعام ٢٠٠٧ (٥)، التي تشير إلى وجود ١٢٩٠ مدرسة وثانوية رسمية (مجموع المدارس الرسمية عامذاك بلغ ١٣٨٥ مدرسة) تضم شعباً غير قانونية، والأنظمة النافذة بحسب تقرير التفتيش عينه، تحدد عدد التلامذة للشعبة الواحدة في المرحلة الابتدائية بـ١٥ تلميذاً وفي المرحلة المتوسطة والثانوية بـ١٠ تلامذة.
علماً أن وزير التربية الأسبق حسن منيمنة كان قد أغلق عام ٢٠١٠ ٧٨ مدرسة عن طريق دمجهم بمدارس أخرى (٦).
أكثر من ذلك، يبلغ عدد التلامذة لكل معلم/ة في التعليم الرسمي ٧.٧ (٧)، وهذا المؤشر يؤكّد مرة أخرى على وجود نقص فادح في عدد التلامذة في القطاع العام، بالطبع هذا الرقم يخفي عدداً من المعلمين لا يمارسون التعليم تحت حجج مختلفة: منها سياسية أو مرضية أو الاثنين معا، وتقرير التفتيش المركزي لعام ٢٠١٠ (٨) كان واضحاً في هذه المسألة لناحية اقتراحه "بتقديم حوافز للمعلمين المرضى والمتقدمين في السن من أجل تشجيعهم على التقدم بطلبات إنهاء خدمتهم، قبل بلوغهم السن القانونية للتعاقد"، هذا من جهة، ومن جهة أخرى: "الالتزام الكامل بمبدأ النقل من فائض إلى حاجة في مناقلات المعلمين السنوية". بالطبع الحكومة لم تلتزم بتوصيتي التفتيش المركزي، فضلا ًعن غيرها من التوصيات، على الرغم من أن التوصية الأولى تأتي في سياق إعادة الحياة إلى مشروع التعاقد الوظيفي خاصة لناحية تخفيض الإنفاق العام على التعليم، بهدف تخفيض عجز الموازنة. وكأن العجز جاء بسبب رواتب المعلمين، وليس بسبب التدخل السياسي في سياسة التوظيف وفي توزيع المعلمين/ات على المدارس، لذا المسؤولية الأكبر تُلقى على النخبة السياسية بالدرجة الأولى، وعلى المعلمين/ات بالدرجة الثانية الذين واللواتي أرغمتهم/ن الظروف المادية الصعبة على اللجوء لهذا التدخل السياسي أو ذاك لحمايتهم/ن بسبب توقفهم/ن عن التعليم (المقصود هنا التوقّف المتعمّد عن العمل، وليس بالطبع من تعرّض لأمراض مستعصية).
في هذا الإطار أكّد بيان رابطة التعليم الأساسي على "حق الطالب السوري النازح في التعلم"، لكنّها رأت أن "مسؤولية ذلك لا يمكن أن تكون ملقاة على عاتق وزارة التربية المتقشفة"، واعتبرت أن المؤسسات الدولية هي معنية "بتوفير الدعم المالي الكافي للقيام بأعباء ما لا يقل عن مئة طالب سوري في لبنان" (٩). رابطة التعليم الأساسي لم تطالب في هذا البيان برفع ميزانية وزارة التربية، وهي تعلم أن المؤسسات الدولية تقدم أموالاً مشروطة بإجراء "إصلاحات" إدارية وترشيد الإنفاق العام وصولاً إلى الخصخصة.
وزير التربية لاقى رابطة التعليم الأساسي عند منتصف الطريق وأشار في ٢٥ تشرين الأول إلى أن "لبنان تبلغ رسميا من جهات دولية رصد مبالغ لتأمين تعليم النازحين" (١٠). أما على أرض الواقع، فكانت الأمور مختلفة، فعنونت جريدة النهار المقال الأساسي في صفحة تربية وشباب بالتالي: "إعادة رسوم التسجيل للتلامذة السوريين الجدد وإلغاء مقاعدهم في البقاع" (١١)، المقال عينه يشير إلى اعتقاد البعض أن "إجراء تعليق دراسة التلامذة السوريين الجدد في المدارس الرسمية هو نوع من الضغط على المنظمات الدولية للإيفاء بتعهداتها تجاه الدولة". هكذا يصبح التلامذة السوريون أداة ضغط للحصول على أموال من مؤسسات ومنظمات دولية، وبذلك مخالفة صريحة للمادة الثانية من القرار رقم ١١٢١/م/٢٠١٣ الذي أصدره وزير التربية في ٢١ أيلول ٢٠١٣، بالإضافة إلى مخالفة مجمل التعميم رقم ٢٤/م/٢٠١٣ الصادر أيضا عن وزير التربية في ١٠ أيلول من العام نفسه. حيث أن القرارين ينظمان عملية تسجيل التلامذة اللبنانيين والسوريين.
الأمور لا تقف عند هذا الحد، فالصحف عينها تتحدث عن لوائح انتظار، تسجّل عليها أسماء التلامذة السوريين، فعماد الزغبي أشار في مقاله (١٢) إلى وجود ٣٧٢٨٩ تلميذاً سورياً على لائحة الانتظار، القرار ١١٢١/م/٢٠١٣ - الصادر في شهر ٢١ أيلول عام ٢٠١٣- لا يتحدث عن لوائح انتظار إنما يطلب من إدارات المدارس إعداد لوائح اسمية بالتلامذة الوافدين من سوريا الذين لم يلتحقوا في المدارس العام الماضي، والراغبين الالتحاق بالتعليم الرسمي، "إيداعها رؤساء المناطق التربوية ليصار إلى اتخاذ التدابير والإجراءات اللازمة بشأنهم في ضوء القدرة الاستيعابية". بالطبع القدرة الاستيعابية "الكمية" لا زالت في أدنى مستوياتها ولكن على ما يبدو أن مناشدة رابطة التعليم الأساسي نجحت في تحويل هذا "العبء" من على عاتق الحكومة اللبنانية إلى عاتق المنظمات الدولية، علماً بأن رابطة التعليم الأساسي دعت المدراء الذين التبس عليهم مضمون القرار رقم ١١٢١ الآنف الذكر إلى مراجعة المسؤولين في الوزارة "تجنبا لأخطاء لا مبرر لها" (١٣).
في ١٨ تشرين الثاني عام ٢٠١٣، أصدر وزير التربية الدكتور حسان دياب القرار ١٥١٣/م/٢٠١٣، الذي نظّم عمل نحو ثمانين مدرسة رسمية لاستضافة التلامذة السوريين خلال دوام بعد الظهر. وقد أُصدِرَ بناءً على توصيات لجنة وضع الخطط للتعليم في حالات الطوارئ والأزمات المزمنة في الوزارة. تضم هذه المدارس حوالي أربعين ألف تلميذ سوري (١٤) . وجاء هذا القرار بعد موافقة الجهات المانحة، مفوضية الأمم المتحدة للاجئين (UNHCR) ومنظمة اليونيسيف، على تأمين تمويل عملية التعليم. ويتولّى إدارة المدرسة المدير نفسه المكلف إدارة المدرسة في فترة قبل الظهر، ويتم التعاقد مع مدرسي الملاك أو المتعاقدين، من المدرسة عينها أو من المدارس المجاورة، لتعليم التلامذة وذلك وفق المنهج التربوي اللبناني.
القرار سرعان ما اعترته صعوبات لوجستية خاصة لجهة توزيع أساتذة الملاك في دوام بعد الظهر. عماد الزغبي أشار في مقاله (١٥) إلى "رفض عدد من [المعلمين] التدريس في هذه الفترة". وكانت الحجج، التي نقلها الزغبي عن مصادر تربوية، والتي تذرع بها المعلمون أو الوزارة حيال هذا الموضوع تشير إلى رفضهم التعليم لفترة بعد الظهر باعتبارها فترة راحة ولتحضير الدروس لليوم التالي، فضلاً عن وجود مشاكل أمنية في شمال لبنان. واعتبرت المصادر عينها إلى أن المشكلة ناجمة عن "وجود نقص في أعداد أساتذة الملاك"، نتيجة تقاعد ٤١٥ أستاذاً، ورأت المصادر "أنه لا يمكن الاستعانة بـ١٢٦٠ أستاذاً ومعلمة، ممن يعانون من أمراض مزمنة، أو هم في الاستيداع". ووزارة التربية أعادت التأكيد على رفضها التعاقد الجديد ورأت أنه "في حال انتهاء الأزمة السورية" في وقت قريب، يصبح التعاقد الجديد "عبئاً إضافياً على وزارة التربية"، فحبّذت الأخيرة أن يكون التعاقد على حساب الجهات المانحة. وكان لافتاً تصريح (١٦) نقيب المعلمين في المدارس الخاصة، الأستاذ نعمه محفوظ، حيث أبدى إصراره على "ضرورة اعتماد البرنامج اللبناني" لتعليم التلامذة السوريين". وفضّل محفوظ أن يكون التعاقد "مع المعلمين اللبنانيين حماية لليد العاملة اللبنانية".
أما في ١١ كانون الأول من العام الماضي، فاعتبر المدير العام لوزارة التربية أن "التلامذة السوريين باتوا يسابقون اللبنانيين على مقاعد الدراسة"، لكنه لم ينسَ أن يطالب المانحين بتوفير الدعم لمنع "انهيار التعليم الرسمي في لبنان" (١٧).
هذا التراجع في أعداد التلامذة، قبل تهجير السوريين من بلدهم، ودمج المدارس الذي حصل هو مؤشر واضح على مصير التعليم الرسمي وعلى خدمة التعليم في لبنان. فالدستور اللبناني ومن خلال المادة العاشرة منه ينص على حرية التعليم، والسلطات اللبنانية المتعاقبة استلهمت عملها من هذه المادة، وإذا كانت المدارس الرسمية قد شهدت ازدهاراً خلال السنوات التي سبقت الحرب الأهلية، بفضل مجهود بذله المدرسون والمدرسات الذين واللواتي راكموا/ن نضالهم/ن نحو تحسين مستوى هذه المدارس، ولكن جاءت الحرب من خلال ميليشياتها لتحاول القضاء عليها. وأكملت تلك الميليشيات تلك الحرب عقب استيلائها على السلطة من خلال اعتماد سياسة نيوليبرالية، فاستمر دعم المدارس الخاصة عبر وسائل شتى، منح مدرسية ودعم مالي وإعفاءات ضريبية – باعتبار أن المدارس الخاصة لا "تبغي الربح". كما عملت على إقرار مناهج التعليم العام بموجب المرسوم ١٠٢٢٧ الصادر عام ١٩٩٧، التي بوشر في تطبيقها في بداية القرن الحالي، وقد أصدرت الهيئة اللبنانية للعلوم التربوية عدة تقارير حول هذه المناهج وكل ما يتعلق بها، من تقييم للأهداف، ونظام التقييم وبرامج تدريب المعلمين... وكانت النتائج غير إيجابية (١٨)، سواء من خلال هذه التقارير أو عبر الواقع الذي عبّر(ويعبّر) عنه العديد من المعلمين والمعلمات، بالإضافة إلى تراجع مخيف في عدد التلامذة، فضلاً عن وقف باب التوظيف في القطاع العام وخاصة في قطاع التعليم منه عبر سلسلة من القوانين التي أقفلت كلية التربية ودور المعلمين كمراكز مؤهّلة لإعداد مدرسي/ات وأساتذة إلى ملاك التعليم الرسمي.
ولكن لو جرى قبول مجمل التلامذة السوريين المتواجدين على الأراضي اللبنانية في المدارس الرسمية، بأي منهج تربوي سيتعلمون؟ وما هي صفات هذا المنهج؟ المنهج نفسه الذي يتعلم من خلاله التلامذة اللبنانيون منذ سنوات طويلة.
في الواقع، يعاني المنهج من ثغرات كثيرة أشارت إليها الهيئة اللبنانية للعلوم التربوية في وثيقة الرؤية للاستراتيجية الوطنية للتربية والتعليم في لبنان الصادرة عام ٢٠٠٧ (١٩) منها التالي: "ضعف اتساق مناهج الروضة مع مناهج الحلقة الأولى من التعليم الأساسي، وتدنّي نسبة المعلمين حملة الشهادات الجامعية المناسبة للتعليم في هذه المرحلة، وضعف المباني والتجهيزات والوسائل التربوية، وعدم كفاية الإدارة المدرسية والإدارة المركزية، وعدم وجود نظام تقييم مواكب للمناهج، وإصدار تفاصيل المناهج بمراسيم مما حدّ من مرونتها وقدرتها على التكيّف وحاجات المدارس والاستجابة للمستجدات، وعدم توفير مستلزمات تطبيق المناهج بصورة كافية، وعدم التوافق الكلّي بين الأهداف العامة والخاصة وأهداف المراحل التعلّمية، وكثافة المحتوى قياساً إلى عدد أسابيع التدريس، وعدم اتساق بين أهداف المناهج ونظام التقييم، وعدم تمكن التلامذة من اللغة الفرنسية ما انعكس سلباً على اكتساب كفايات الرياضيات والعلوم، ومشكلات ناتجة عن غياب آليات للإعداد التربوي خاصة للمعلمين المتعاقدين بحيث يقتصر الأمر على دورات "إعداد تربوي" قصيرة، وغلبة أساليب التعليم التي محورها المعلم، وأن النواتج التعلمية متدنية في اللغات والرياضيات والعلوم مقارنة مع الكفايات المطلوبة".
في هذا الإطار، شددت رابطة التعليم الأساسي على ضرورة أن يتعلم الطالب السوري النازح "كونه يتعلم في المدارس اللبنانية... المنهج اللبناني، وبالتالي فإن المعلمين لا بد أن يكونوا لبنانيين" (٢٠). وفي السياق ذاته، لفتت الرابطة نفسها في بيان سابق (٢١) إلى "اختلاف المنهاجين التربويين بين سوريا ولبنان، مما يعني تحميل الطالب السوري عبء اتقان لغة أجنبية لم يعرفها سابقاً، كما يحمل الطالب اللبناني عبء عدم استكمال المنهاج نتيجة الكثافة الطلابية في الصف، والتباطؤ الذي لا بد منه للمواءمة بين قدرات الطالبين".
اهتمام رابطة التعليم الأساسي بالمنهج التربوي في لبنان وكيفية تأقلم التلامذة السوريين معه، يقع ضمن مهام هذه الرابطة، فقرار إنشائها يحدد بوضوح، من خلال المادة ٢ منه (٢٢)، مهامها التي تتعلق بجميع الأمور التربوية المرتبطة بالهيئة التعليمية ونقاشها وتقديم الاقتراحات اللازمة إلى السلطات المختصة، كما يشمل نشاطها الأمور التربوية التي تؤدّي إلى تحسين أوضاع المعلمين وانتاجيتهم.
لذلك، من المفترض أن تسأل هذه الرابطة نفسها، هل تأقلم التلميذ اللبناني، قبل تهجير السوريين من بلادهم، مع المنهج التربوي؟، هل قرأت هذه الرابطة الدراسات التي أصدرتها الهيئة اللبنانية للعلوم التربوية، والتي بيّنت الثغرات الفادحة التي تعتري هذا المنهج؟ وهل أصدرت توصيات لتعبئة المعلمين للضغط على السلطة الحاكمة لتغيير هذه المناهج، جملةً وتفصيلاً؟
في الواقع، أجرت الهيئة اللبنانية للعلوم التربوية دراساتها وتقاريرها المتعلقة بالمناهج التعليمية الجديدة في بداية العقد الماضي، ولكن، لم يشهد البلد أي تحرك ضاغط لتعديلها وبالتالي وقف العمل بها.
قرار إنشاء هذه الرابطة كان واضحاً في الربط بين العمل على القضايا المعيشية والتربوية المتعلقة بالهيئة التعليمية، وقد تركّز نشاط هذه الرابطة وغيرها (٢٣) في الفترة الأخيرة، خاصة بعد الحرب الأهلية، على قضايا متعلقة بسلسلة الرتب والرواتب، ولكن القضية التربوية، التي هي أيضاً قضية معيشية لأنها ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالمستقبل المعيشي لآلاف التلاميذ، كانت شبه مغيّبة.
من هنا، المشكلة لم تولد اليوم، بسبب زيادة عدد التلامذة السوريين في المدارس الرسمية، ولا يمكن، بالتالي، تحميلهم مسؤولية "المعضلة التربوية التي تترك آثارها على التعليم الرسمي لسنوات مقبلة" (٢٤) كما أشار بيان رابطة الأساسي. لأن الأزمة كامنة في المنهج نفسه، وليس في التلميذ السوري الذي يسعى إلى الحصول على حقّه في التعليم الآن، وهنا.
أكثر من ذلك، هل التلميذ السوري وحده لا يتقن اللغة الأجنبية؟، ماذا عن التلميذ اللبناني؟ في الواقع، المعدل الوطني لطلاب الشهادة الثانوية (وهم في غالبيتهم الساحقة من اللبنانيين) للغة الأجنبية (٢٥) (الفرنسية أو الانكليزية) بلغ لفرع علوم الحياة ٨.٦٢٦ على عشرين ولفرع العلوم العامة ٨.٠١٣ ولفرع الاجتماع والاقتصاد ٧.٠٨١ ولفرع الآداب والإنسانيات ٨.٣٨١، هذه المعدلات تشمل كل طلاب الشهادة الثانوية في القطاعين الرسمي والخاص، والناجحين والراسبين منهم. هذه المعدّلات هي نتيجة مباشرة لما أشارت إليه الهيئة اللبنانية للعلوم التربوية بما خص الأسباب الرئيسية الكامنة وراء هذه النتائج والمتمثلة بالتالي: "التدني في مستوى اللغات في الكتب المدرسية"، والضعف في "توافر المهارات والمواقف، واتساق بنية الدرس، والكثافة والوقت، والتقييم، وملاءمة اللغة" (٢٦)، التي تتطلب بالتالي تعديلا جوهرياً واعتماد طرائق تعلّمية/ تعليمية مختلفة كلياً.
"التعلّم كالحرية لا يُمنَح إنما يُنتزع انتزاعاً" (٢٧)، وحتى لا تكون المدرسة المكان الذي يعلّم "المشي من خلال بتر الأقدام" (٢٨)، لا بدّ من أن يستلهم المجتمع المدني في لبنان، في معرض عمله المأمول على قضية اللاجئين السوريين في لبنان، "وصية" (٢٩) بيار بورديو: "لا يمكن للحراك الاجتماعي... أن يكون فعّالا إلا إذا انضوى في سياقه ثلاثة مكونات: النقابات، والحركات الاجتماعية، والباحثون/الباحثات"، فالعقبات المرتبطة باختلاف عادات هذه المكونات وطرق تفكيرها، فضلاً عن الانقسامات الشديدة الناتجة عن عزلة كل مكوّن عن الآخر، هي المعرقل الأساسي أمام بناء حركة اجتماعية ضاغطة على السلطة، على كل المستويات ومن ضمنها قضية التعليم في لبنان، فاستقبال التلامذة السوريين وتقديم كل الخدمات الضرورية (الصحية والتعليمية...) والدعم لهم دون منّة من أحد، هو من واجبات الحكومة اللبنانية، والضغط باتجاه تعديل المناهج التعليمية، واستنهاض المدرسة الرسمية وإعادة الاعتبار للحق بالتعليم لكل التلامذة، من كل الجنسيات، هو خطوة مرغوبة من هذا المجتمع المدني حتى يستحقّ هذا الاسم.
(*) وليد ضو: مدرّس في التعليم الرسمي.
To cite this article: Walid Daou, "التعليم الرسمي والطلاب السوريون في لبنان", Civil Society Knowledge Center, Lebanon Support, 25 February 2014. [online] https://civilsociety-centre.org/ar/paper/%D8%A7%D9%84%D8%AA%D8%B9%D9%84%D9%8A%D9%85-%D8%A7%D9%84%D8%B1%D8%B3%D9%85%D9%8A-%D9%88%D8%A7%D9%84%D8%B7%D9%84%D8%A7%D8%A8-%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%88%D8%B1%D9%8A%D9%88%D9%86-%D9%81%D9%8A-%D9%84%D8%A8%D9%86%D8%A7%D9%86 |
هوامش ومصادر:
(١) إحصاءات المركز التربوي للبحوث والإنماء للسنة الدراسية، ٢٠١١-٢٠١٢
(٢) إحصاءات المركز التربوي للبحوث والإنماء للسنة الدراسية، ٢٠١٠ - ٢٠١١
(٣) إحصاءات المركز التربوي للبحوث والإنماء للسنة الدراسية،٢٠١١-٢٠١٢
(٤) إحصاءات المركز التربوي للبحوث والإنماء للسنة الدراسية، ٢٠٠٣-٢٠٠٤
(٥) تقرير التفتيش المركزي – أعمال المفتشية العامة التربوية، ٢٠٠٧
(٦) وزارة التربية والتعليم العالي، ١٦ آب ٢٠١٠، تصريح وزير التربية الدكتور حسن منيمنة
(٧) وزارة التربية، ٢٠١٠، الوضع الحالي لقطاع التعليم العام
(٨) التقرير السنوي عن أعمال التفتيش المركزي، ٢٠١٠
(٩) بيان رابطة التعليم الأساسي، ٢٤ تشرين الأول ٢٠١٣، الوكالة الوطنية للاعلام
(١٠) وزارة التربية والتعليم العالي، ٢٥ تشرين الاول ٢٠١٣، تصريح وزير التربية البروفسور حسان دياب
(١١) دانيال خياط، تشرين الأول ٢٠١٣، إعادة رسوم التسجيل للتلامذة السوريين الجدد وإلغاء مقاعدهم في البقاع / التدفق أربك مديري المدارس الرسمية والحل بانتظار فتح الدوام المسائي، النهار.
(١٢) عماد الزغبي، ٢٩ تشرين الأول ٢٠١٣، «التربية»: ٧٠ مدرسة بعد الظهر لـ٤٠ ألف تلميذ، النازحون السوريون في «الرسمي» نحو ٧٥ ألفاً، جريدة السفير.
(١٣) بيان رابطة التعليم الأساسي، ٢٤ تشرين الأول ٢٠١٣، الوكالة الوطنية للاعلام
(١٤) العدد نفسه تسجّل في الدوام العادي، علماً بأن أكثر من ١٩٥ ألف طفل سوري ممن هم في سن الدراسة لم يدخل هذه السنة إلى المدرسة.
(١٥) عماد الزغبي، ١٠ كانون الأول ٢٠١٣، مدارس النازحين... من ٦٠ إلى ٨٧، السفير.
(١٦) بيان نقابة المعلمين في لبنان، ٢٥ تشرين الأول ٢٠١٣
(١٧) جويل رياشي، 12 كانون الأول ٢٠١٣، اللاجئون يضغطون على لبنان أكثر من الدول المجاورة 83 ألف تلميذ سوري في المدارس... ويرق دقّ ناقوس الخطر، النهار.
(١٨) تقارير الهيئة اللبنانية للعلوم التربوية، ٢٠٠٣- ٢٠١١، http://www.laes.org/_publications.php?lang=ar&page=reports
(١٩) الهيئة اللبنانية للعلوم التربوية، ٢٠٠٧، الاستراتيجية الوطنية للتربية والتعليم في لبنان
(٢٠) بيان رابطة التعليم الأساسي، ٢٤ تشرين الأول ٢٠١٣، الوكالة الوطنية للاعلام
(٢١) رابطة التعليم الأساسي، ٤ تشرين الأول ٢٠١٣، رابطة التعليم الاساسي دعت الى عقد جمعيات عمومية ومجلس مندوبين لبحث خطوات تصعيدية تقرها هيئة التنسيق، الوكالة الوطنية للاعلام
(٢٢) قرار رقم ٢٢٥ الصادر عن وزير التربية عام ١٩٧٢ والمعدّل عام ٢٠٠٩
(٢٣) عقدت رابطة أساتذة التعليم الثانوي الرسمي أربعة مؤتمرات تربوية بين عامي ٢٠٠٠ و٢٠٠٤ تنازلت فيها قضايا تربوية تتعلق بالمنهج، ولكن هذه المؤتمرات لم تتحول إلى أداة ضغط على السلطة بهدف فرض تعديل المناهج التعليمية. (سماحة، عماد. جدلية الحركة والوعي بين أفراد الهيئة التعليمية في لبنان، دار الفارابي، بيروت، ٢٠٠٦)، كما أقامت الرابطة عينها يوماً تربوياً "حول جودة التعليم الثانوي الرسمي وإنتاجيته على ضوء الامتحانات الرسمية" في ٢٩ تشرين الثاني عام ٢٠١٣، صدرت عنه سلسلة إجراءات وتوصيات لرفع مستوى التعليم الثانوي الرسمي.
(٢٤) رابطة التعليم الأساسي، ٤ تشرين الأول ٢٠١٣، رابطة التعليم الاساسي دعت الى عقد جمعيات عمومية ومجلس مندوبين لبحث خطوات تصعيدية تقرها هيئة التنسيق، الوكالة الوطنية للاعلام
(٢٥) وزارة التربية، ٢٠١٣، معدلات المواد للامتحانات الرسمية
(٢٦) الهيئة اللبنانية للعلوم التربوية، ٢٠٠٢، تقييم المناهج التعليمية الجديدة في لبنان. المكوّن الفرعي رقم ٣: تقييم الكتب المدرسية. بيروت: الهيئة اللبنانية للعلوم التربوية. تقرير غير منشور.
(٢٧) الجملة باللغة الفرنسية:
"L’instruction est comme la liberté elle ne se donne pas, elle se prend" (Joseph Jacotot)
(٢٨) "On voudrait nous apprendre à marcher en nous coupant les pieds"
(٢٩) Pierre Bourdieu, février 2002, "Pour un savoir engagé", Le Monde diplomatique