مجلة المجتمع المدني العدد الخامس: تحدّي السلطة: الجندر والعدالة الإجتماعية في الشرق الأوسط - المقدمة
هذه مقدمة مجلة المجتمع المدني في عددها الخامس "تحدّي السلطة: الجندر والعدالة الإجتماعية في الشرق الأوسط". توفر هذه المقدمة، من كتابة غابرييلا ناصيف، لمحة عامة عن العدد والظروف التي كتب خلالها والمجالات الموضوعية التي يغطيها و تقييمه للأزمة الراهنة في المنطقة من منظور النوع الاجتماعي
To cite this paper: Gabriella Nassif,"مجلة المجتمع المدني العدد الخامس: تحدّي السلطة: الجندر والعدالة الإجتماعية في الشرق الأوسط - المقدمة", Civil Society Knowledge Centre, Lebanon Support, 2021-11-01 00:00:00. doi: 10.28943/CSR.005.001
[ONLINE]: https://civilsociety-centre.org/paper/مجلة-المجتمع-المدني-العدد-الخامس-تحدّي-السلطة-الجندر-والعدالة-الإجتماعية-في-الشرق-الأوسطإنَّ هذا العدد هو ثمرة أكثر من عامَيْن من العمل. وخلال هذه الفترة، واجه فريق التحرير وكتّابنا الذين يعيشون في لبنان اضطرابات عديدة زعزعت بيئات عملنا المعتادة، بدءًا بثورة تشرين الأوّل/أكتوبر 2019؛ مرورًا بجائحة كوفيد-19 والإغلاق الذي فرضته الحكومة مرارًا اعتبارًا من أوائل عام 2020؛ وصولًا إلى الأزمة الاقتصادية والسياسية الخانقة التي دفعت لبنان إلى أسفل الهاوية. وفوق كلّ ذلك، أتت الخسائر الفادحة في الأرواح والدمار الواسع في أعقاب انفجار 4 آب/أغسطس 2020 في مرفأ بيروت، الذي كاد أن يوقف البلد بأكمله. وفي موازاة ذلك، شهدت منطقة جنوب غرب آسيا وشمال أفريقيا تراجعًا اقتصاديًا في ظلّ تفشّي جائحة كوفيد-19، في حين استمرَّ الوضع غير المستقرّ جيوسياسيًا في بلدان مثل فلسطين واليمن وسوريا، ويُضاف إليه الاحتلال أيضًا في حالة فلسطين
قبل بضعة أشهر من الثورة، بدأ العمل على هذا الإصدار على شكل مجموعة من التأمّلات والأسئلة حول النشاط النسوي الحالي في منطقة جنوب غرب آسيا وشمال أفريقيا، وكيف تُرجِمَ ذلك في ظلّ المشاركة الدولية المتزايدة في أنشطة ومنظّمات المجتمع المدني. تمحورت تأمّلاتنا حول ثلاثة مجالات تركيز موضوعية. في المجال الموضوعي الأوّل، "التفاوض مع الدولة"، طُلِبَ من المؤلّفين التفكير في ما أسمته دنيز كانديوتي (1998) "الصفقات السلطوية"، أو الاستراتيجيات التي تستخدمها منظّمات حقوق المرأة والناشطات النسويات "ضمن مجموعة من القيود الملموسة" (274).[1] فكيف تتجسّد هذه "الصفقات السلطوية" اليوم؟ هل أدّت هذه المساومة إلى أيّ تغييرات جوهرية لناحية المساواة بين الجنسَيْن؟ يُركّز مجالنا الموضوعي الثاني، "هيمنة المنظّمات غير الحكومية على الحركات النسائية"، على الإرث التاريخي لهيمنة المنظّمات غير الحكومية، وكيف يستمرّ هذا النهج في التأثير على المنظّمات والحركات التي تُعنى بحقوق المرأة والمساواة بين الجنسَيْن في المنطقة.[2] طلبنا من المؤلّفين التفكير في الطرق التي أدّى بها التأثير المتزايد للجهات المانحة والوكالات الدولية في مجال التنمية إلى مساعدة أو عرقلة مسار المساواة بين الجنسَيْن في منطقة جنوب غرب آسيا وشمال أفريقيا. فماذا يعني تأثير الوجود المتزايد للتمويل الدولي بالنسبة إلى النسويات في جميع أنحاء المنطقة؟ أخيرًا، ركَّزَ مجالنا الموضوعي الثالث على العلاقة بين النوع الاجتماعي والجنس والجنسانية لناحية التأثير المتزايد للجهات المانحة الدولية وهيمنة المنظّمات غير الحكومية على قضايا حقوق المرأة والمساواة بين الجنسَيْن في منطقة جنوب غرب آسيا وشمال أفريقيا. والأهمّ من ذلك، لقد طلبنا من المؤلّفين التفكير في البدائل الجذرية المتاحة للنسويات، إنْ وُجِدَت، في بيئةٍ تستمرّ في دعم ثنائية الجنس/النوع الاجتماعي المغايرة. وفي سياقٍ متّصل، ماذا يحدث لهؤلاء النشطاء وهذه المنظّمات التي تتحدّى هذه الثنائية؟
رغم الصعوبات التي واجهناها أثناء التحضير لهذا العدد، تمكنّا من جمع باقة من المؤلّفين الذين يُسلِّط عملُهم الضوء بعمق على الكثير من الاتّجاهات الحالية في إطار التحرّكات النسوية في منطقة جنوب غرب آسيا وشمال أفريقيا. فالمقالات والمقابلات والتأمّلات الشخصية التي تعرضها صفحات هذا العدد تُشكِّل تقييمًا للأزمة الراهنة في المنطقة من منظور النوع الاجتماعي، وتُساهِم في طرح طرق جديدة للتفكير والتفاعل مع الأزمة المضاعفة الراهنة التي تُعاني منها منطقة جنوب غرب آسيا وشمال أفريقيا. ويتميّز هذا الإصدار أيضًا بالتنوّع الذي يستخدم به المؤلّفون مصطلحَيْ "النوع الاجتماعي" و"النسوية"، وهذا يؤكِّد على أنَّهما ليسا مصطلحَيْن "محايدَيْن"؛ بل يرتبطان بمحدِّدات تاريخية ويُشيران إلى ديناميكيات القوّة الراسخة، لا سيّما في مجال التنمية الدولية والمساعدات الإنسانية. تذهب بعض المقالات الواردة في هذا العدد إلى تحدّي مفهوم النوع الاجتماعي باعتباره "هوية" قائمة بذاتها، وتطرح منهجًا متقاطعًا للطرق التي يجب أن يُستخدم بها النوع الاجتماعي كمنظورٍ يمكننا من خلاله البدء في فهم وشرح ديناميكيات القوّة التي تبني حياتنا اليومية
في هذا الصدد، إنَّ الصعوبات التي واجهناها أثناء إعداد هذا الإصدار هي نموذج عن الصعوبات التي يواجهها المنخرطون في النضالات والتحاليل النسوية. ففي ظلّ الظروف الراهنة (وربّما ينطبق ذلك أيضًا على الظروف التي سبقت هذه الأزمة "الراهنة")، أصبحنا نُكافح بشكل يومي لضمان تلبية احتياجاتنا كعاملين. وفي الوقت نفسه، وبسبب الطلبات المتزايدة باستمرار على إنتاجية العمّال، باتَ من الصعب لا بل من المستحيل على الكثير من المجتمعات أن تُحافظ على سُبُل عيشها. ويصحّ ذلك بشكل خاصّ في المجتمعات المهمّشة على أساس العرق والنوع الاجتماعي والجنسانية والإعاقة وغيرها. وفي هذا الإطار، تبرزُ أسئلةٌ حول ما يلزم من وقت وعمالة وإبداع لإنتاج المعرفة النسوية. هل الكتابة النسوية ممكنة حقًّا في الوقت الحالي؟ وإذا كانت ممكنة، فلِمَن؟ بمعنى آخر، في أيّ ظروف يمكن أن تتمّ هذه العملية من الكتابة الإبداعية والتحليلية؟ وكيف يمكننا خلق حيّز للكتّاب الأكثر تهميشًا الذين تتعرّض مجتمعاتهم لأشدّ الضغوط كي تؤمّن استمراريتها فقط؟
وكملاحظة أخيرة، من المهمّ التأكيد على أنَّ الكتابة النسوية هي عملٌ فعليّ. إنَّها ترتكز على حقائق مادّية، وتستمدّ من مجتمعاتنا وشبكاتنا الشخصية، وتُعتبَر جزءًا لا يتجزّأ من الاقتصاد السياسي اليومي للبقاء. إنَّها ممارسة متجسّدة؛ ممارسةٌ تضعُ في مقدّمة أولوياتها تحدّيات وجودها في ظلّ النمط الحالي من الإنتاج الرأسمالي. فالكتابة النسوية هي نشاطٌ خصوصي وجَمَاعي يهدف إلى النظر إلى مسألة البقاء باعتبارها لا ترتبط بالنوع الاجتماعي فحسب، بل ترتبط أيضًا بأوجه أخرى للاختلاف، بما في ذلك العرق والطبقة والقدرة والجنسانية وغيرها. في الممارسة العملية، يمكن أن يؤدّي التحليل والكتابة عن الهياكل التي تُديم العنف المستمرّ ضدّ المجتمعات المهمّشة إلى نتائج عكسية. بالنسبة إلى الكثيرين، إنَّ فعل الكتابة النسوية والتفكير النسوي يعني الشروع في بعضٍ من الأعمال الأكثر استنزافًا وإرهاقًا، التي تُواجه الممانعة، وفي أسوأ الحالات، يتمّ رفض العمل النسوي باعتباره "أقلّ قيمةً" من العمل الذي يستند إلى منظور أكثر موضوعية، وهي مصطلحات تُستخدَم لفرض حدود إقصائية حول عملية إنتاج المعرفة. ويُذكِّر هذا العدد بالصعوبات التي تترافق مع عملية إنتاج المعرفة النسوية، وأهمية مثل هذا العمل في أوقات الأزمات
يبدأ هذا العدد بإلقاء نظرة على العلاقة الطويلة والمعقّدة للمنطقة بقطاع التنمية الدولية، مع التركيز تحديدًا على برامج "تمكين المرأة" و"حقوق المرأة" المموّلة من جهات دولية. تُلقي الأوراق البحثية الثلاثة في هذا القسم الضوءَ على الطرق التي أدّت بها برامج حقوق المرأة "ذات القضية الواحدة"، وتمويل المانحين الدوليين التنازلي والمحدود من حيث المدّة، وتأثيرات الرقابة الحكومية على منظّمات حقوق المرأة، إلى نزع الطابع السياساتي عن حقوق المرأة والحقوق المرتبطة بالنوع الاجتماعي. وبدرجاتٍ مختلفة، يتوسّع كلّ مقال في الإطار المفاهيمي لـ "هيمنة المنظّمات غير الحكومية"، أو الاستمرار في إضفاء الطابع الاحترافي على الحركات الشعبية في المنظّمات البيروقراطية، من أجل التطرّق إلى تدخُّل الجهات المانحة الدولية في عمل حقوق المرأة على أرض الواقع الذي يتسبّب بطمس المطالب المتفاوتة والمعقّدة للنساء والفتيات، واللاجئين، وغير المواطنين، والأنواع الاجتماعية والأجناس غير المعيارية، والمجتمعات الكويرية، وهويات مجتمع الميم، بطريقةٍ تُعزِّز ديناميات القوّة نفسها التي تسعى برامج حقوق المرأة، في جوهرها، إلى تغييرها
تُلقي المقابلة الواردة في هذا العدد الضوءَ على تعقيدات النوع الاجتماعي من خلال الاهتمام الدقيق بالمقاومة الجَمَاعية والانتفاضة. وتُناقِش الفيديو الوثائقي "إذا مش هلأ، أيمتى؟" مع المخرجة رشا يونس. يلفت الفيلم الوثائقي الانتباه إلى طرق مشاركة مجتمعات الكوير والميم في ثورة تشرين الأوّل/أكتوبر 2019. وانطلاقًا من ذلك، تتخطّى يونس منظور سياسات الهوية لتُظهِر أنَّ "هويات مجتمع الميم ليست منفصلة عن كل أنظمة القمع الأخرى القائمة". ." بدلًا من ذلك، يتحدّى فيلم يونس الوثائقي الطرق التي يؤدّي بها الخطاب الدولي الحالي حول حقوق الإنسان عن قصد أو عن غير قصد إلى استمرار الهويّات غير المعيارية، بما في ذلك على سبيل المثال لا الحصر هويّات مجتمع الميم، باعتبارها منفصلة إلى حدٍّ ما عن الاقتصاد السياسي اليومي. وتعتبر يونس بأنَّه من خلال الانتباه إلى هذه الحقائق اليومية، يمكننا البدء بضمان "تحقيق العدالة الاجتماعية" على أرض الواقع، من دون إغفال المنطق البنيوي الكامن أو الاقتصاد السياسي الذي يساعد على الحفاظ على النظام الحالي
يُختتَم هذا العدد بمقالتَيْن من التأمّلات الشخصية على قدرٍ كبير من الأهمية. فتهتمّ مقالة تركماني ومقالة المليجي بمسألة الحيّز العام في ضوء التنافسات الجندرية المختلفة على البناء التاريخي لهذه المساحات، باعتبارها ذكورية بصورة غالبة. وامتدادًا لمفهوم غسان الموسوي التحليلي ("الوضع") (2020)، تُعبّر المليجي عن وضع الشارع أي "الحالة في الشارع/حالة الشارع" كإطار يمكن من خلاله فهم بيئة الشارع العنيفة غالبًا والفوضوية وغير الحاضنة لنساء القاهرة. في حادثتَيْن من العنف وقعتا مؤخّرًا وأسفرتا عن مقتل امرأتَيْن من القاهرة - "بنت المعادي" و"دكتورة السلام" - تُسلِّط المليجي الضوءَ على وضع الشارع الذي يتجاوز الحواجز المكانية من خلال مرونته: فلا يعتمد وضع الشارع على بيئة معيّنة؛ بل "يدخل حيّز التنفيذ عندما «تردّ» المرأة عليه". وبما أنَّ "الردّ" يتخطّى مختلف الحدود الأيديولوجية والمادّية، كذلك يتخطّى وضع الشارع منطقه العنيف.
أمّا مقالة نور تركماني فتعكس كيفية تحوُّل الشوارع اللبنانية إلى مكان للّقاءات الوثيقة خلال ثورة تشرين الأوّل/أكتوبر 2019. تطرّقت تركماني إلى التهديدات المختلفة تجاه الجسد، بدءًا بالتهديدات المتمثّلة في عنف القوى الأمنية خلال الثورة، وصولًا إلى التهديدات المناعية لفيروس كوفيد-19 حيث استمرّ الناس في ارتياد الأماكن العامّة خلال الأشهر الأولى من العام 2020، وكيف كانت أجساد النساء في الكثير من الأحيان في صدارة تلك الأماكن. فالتركيز المفاجئ والطاغي أحيانًا على جسدية الجسم، خلال الثورة وأثناء تفشّي جائحة كوفيد-19، قد عزَّزَ الحسّ الجسدي بالمجتمع الذي يتماهى في "فقاعة" الحياة اليومية في لبنان. وتفاقمت التغييرات المتعلّقة بالجسد التي أحدثتها الثورة وجائحة كورونا في أعقاب الانفجار الذي وقع في مرفأ بيروت في 4 آب/أغسطس 2020. ومرّة أخرى، غمرت الأجساد الشوارع احتجاجًا على الأضرار والخسائر الفادحة في الأرواح. وحتّى في ظلّ التهديد المباشر، تمتلك الأجساد القدرة على إنشاء مساحات جديدة والتفاوض بشأنها. "لقد طبعَ وجودُ أجسادنا [الأماكنَ العامّة] وكأنّها ذكرى تأبى الموت".
[1] Kandiyoti, Deniz. (1988). “Bargaining with Patriarchy.” Gender and Society, 2(3), 274-290.
[2] انظر Jad, Islah. (2007). “The NGO-ization of Arab women’s movements.” In Feminisms in development: Contradictions, contestations and challenges, edited by Andrea Cornwall, Elizabeth Harrison and Ann Whitehead, 177–190. London: Zed Books. DOI 10.5040/9781350220089.ch-014.
Gabriella Nassif is an ABD PhD student at the University at Buffalo, and the managing editor of Al-Raida, a bi-annual, feminist journal focused on the Arab region and published by The Arab Institute for Women (AiW) at the Lebanese American University. Gabriella’s research has been supported by the UB Humanities Institute and the American Association of University Women. Her research analyzes social reproduction processes and institutions in the lives of
marginalized communities and care workers. Gabriella teaches courses on gender in the Southwest Asia and North Africa region, feminist political economy, and gender and globalization. Gabriella has also worked as a research consultant with IPSOS, UN Women, UNFPA, and the ILO on issues related to gender equality in Lebanon. Gabriella’s work has been published in Antipode, and other media outlets including The Conversation, Your Middle East, and
Muftah.
Academia Page: https://buffalo.academia.edu/GabriellaNassif
Research Gate page: https://www.researchgate.net/profile/Gabriella-Nassif