الجسد والمساحة والذكرى

Publishing Date: 
December, 2021
Dossier: 
Gender Equity Network
Author(s): Nur Turkmani
Abstract: 

تعكس مقالة نور تركماني كيفية تحوُّل الشوارع اللبنانية إلى مكان للّقاءات الوثيقة خلال ثورة تشرين الأوّل/أكتوبر 2019. تطرّقت تركماني إلى التهديدات المختلفة تجاه الجسد، بدءًا بالتهديدات المتمثّلة في عنف القوى الأمنية خلال الثورة، وصولًا إلى التهديدات المناعية لفيروس كوفيد-19 حيث استمرّ الناس في ارتياد الأماكن العامّة خلال الأشهر الأولى من العام 2020، وكيف كانت أجساد النساء في الكثير من الأحيان في صدارة تلك الأماكن

Keywords: Gender, Lebanon, women, Women Bodies, Public Spaces, Revolution

To cite this paper: Nur Turkmani ,"الجسد والمساحة والذكرى", Civil Society Knowledge Centre, Lebanon Support, 2021-12-01 00:00:00. doi: 10.28943/CSR.005.007

[ONLINE]: https://civilsociety-centre.org/paper/الجسد-والمساحة-والذكرى
Cited by: 0
Embed this content: 
Copy and paste this code to your website.
Full text: 
Full text

نفهم العالم في المقام الأوّل من خلال أجسادنا. كيف تتجعّد وتتمدّد لتُشير إلى الزمن والحركة؛ وكيف تتسطّح عندما تتخدّر؛ وكيف تتقارب من بعضها بعضًا وتتجمَّع عند الاحتفال والحِداد. في هذا العام، فكّرتُ مطوّلًا في الأجساد. فكّرت في الأجساد التي تولد وتدخل عالم الأنوثة؛ والأجساد الضعيفة حولي التي قد نقتلها إذا أُصبنا بالفيروس؛ وأجساد الأشخاص العالقين تحت المباني؛ والأجساد التي تسير كتفًا لكتف من الحمرا إلى جسر الرينغ؛ وماذا يعني أن تجلس الأجساد وحيدةً ومنعزلة، من أجل البقاء على قيد الحياة؟  

 تتراود إلى ذهني صورةٌ حركية غريبة كلّما فكّرتُ في لبنان في هذا العام: تتلاصق أجسادُنا ببعضها مثل كتلة عجين لا شكلَ لها، ثمّ تتمدّد مع مرور الوقت وتصبح أقلّ سماكةً، قبل أن تنقسم بعنف إلى قطع منفصلة. بدأَتْ هذه السنة بتضامننا مع بعضنا البعض ككتلةٍ واحدة: في تشرين الأوّل/أكتوبر 2019، عندما تجمّعنا في الشوارع، في رياض الصلح وساحة النور وساحة إيليا وجلّ الديب والنبطية وعاليه وسعدنايل وحلبا، لنكتشف معنى أن نقول إنَّ هذه الشوارع هي ملكنا جميعًا، وهي مساحة للتفاوض، والأخذ والردّ، ورفع الراية النسوية لتحرُّكنا، وكلّ هدف آخر نسعى إلى تحقيقه من خلال تجمّعنا. وعندما حلَّ شهر آذار/مارس، انقلبت الأوضاع وشهدَت السنةُ لحظةَ اتّضاعٍ عالمي، على حدّ قول زادي سميث (2020)، إذ تبدَّدَ كلّ ما كُنّا نعمل من أجله، واضطررنا إلى التراجع، والعودة إلى المساحة الخاصّة التي تُسكِت الكثير من نسويتنا وتتحكّم بها وتُشوّهها. ثمّ أتى 4 آب/أغسطس وفقدنا معه حسّ المعنى، وحسّ الجسد. 

 في 8 آذار/مارس من العام الماضي، اجتمعت أنا وأصدقائي في محيط المتحف للمشاركة في المسيرة السنوية بمناسبة اليوم العالمي للمرأة في بيروت. لم يكن يُفترَض بنا أن نكون هناك. فقد صدرَ قرارٌ رسمي بإلغاء المسيرة التي نظّمتها في السنتَيْن الماضيتَيْن مجموعةٌ رائعة ومتنوّعة من الناشطات المُدافِعات عن حقوق المرأة من جميع أنحاء لبنان. في ذلك الوقت، لم يتجاوز عدد الإصابات بفيروس كورونا ثلاثين حالة في لبنان، واتّضَحَ الأثر المُحتمَل الذي قد يخلّفه الفيروس علينا، رغم أنَّ الإغلاق التام لم يكن قد فُرِضَ رسميًا بعد. كانَ البقاء في المنزل خيارًا حكيمًا. ولكنْ في ذلك الصباح، أقنعنا بعضنا أنا وأصدقائي الذين قضيت معهم عامًا كاملًا في التنظيم والكتابة والاحتجاج، بالذهاب. كُنّا نعلم أنَّ الذهاب ليسَ فكرة صحيحة، إلّا أنَّ المسألة كانت طارئة: حسّ الحصانة الشبابية (ماذا يمكن للفيروس أن يفعل بنا؟) وكذلك حسّ الالتزام (المسألة مهمّة، لا بل مهمّة جدًا). عندما وصلنا إلى المتحف، عادت إلى الذاكرة نشوة الثورة التي أصبحت مألوفة بالنسبة إلينا والتي تراجعَ وقعُها قليلًا في الشهرَيْن السابقَيْن ليوم المرأة العالمي. كانت نادين، وهي ناشطة نسوية أراها في الشوارع منذ أكثر من أربعة أشهر، تهتف بمكبّر الصوت: "الحرّية، الحرّية، نُريد الحرية؛ لا تستطيع الدولة أن تُملي علينا ما نفعله، ولا المؤسّسات الدينية. أُريد الحرّية، الحرّية."[1] وهكذا، وسط الهتافات وإيقاع الطبول والضحك، رقصنا وضحكنا ومشينا كطيور «الفلامينغو» من المتحف إلى رياض الصلح، لنتباهى بهويتنا ونُطالب بعالمٍ أفضل. تميَّزَ ذلك اليوم بطابعٍ فريد - لقد شعرنا أنَّه غير مُقيّد بحدود أو عوائق وأنَّ جذوره تترسّخ في الحبّ، والعوالم، وعوالم الحبّ. كما لو أنَّه اليوم الأخير على الأرض، كما لو كُنّا سنختفي جميعًا (وبعد أقلّ من أسبوع، تلاشى العالم بأسره فعلًا، نوعًا ما). الأهمّ أنّه أعادَ التأكيد على المعنى الذي حملته ثورة 17 تشرين للكثيرين منّا: كانت نسوية؛ ولطيفة؛ وراديكالية؛ ومليئة بالفرح والأمل. وبالنسبة إلى النساء تحديدًا والمجموعات الأخرى التي لطالما اعتبرت الشوارع مُهينة وخطيرة، شكَّلَ هذا اليوم، وغيره من الأيّام التي سبقته، عملية تفاوض وإعادة صياغة لما يمكن أو يجب أن تكون عليه المساحات العامّة. 

تقول حنّة أرندت (1958) إنَّ هذا التجمُّع في الشوارع، وعملية التجديد الجَمَاعي، هي هدية الإنسان لبداية جديدة. لا يسعني القول إنَّني خبيرة في فكر «أرندت»، لكنَّ مفهومي للمساحات العامّة مُستمدّ منها بالدرجة الأولى. في كتاب «الوضع البشري» The Human Condition(1958)، لا ترتكز السياسة وفق تصوّر أرندت على تلبية الاحتياجات الفردية أو التوافق على المفاهيم المشتركة، بل تتجذّر في الحوار الجَمَاعي والمجتمعي. فهي تأخذ حنينها إلى المُدُن اليونانية وتبني تعريفَها للسياسة من هذا المنطلق - فتعتبر أنَّ اجتماع الأفراد للتفكير واتّخاذ القرار بشأن تجربتهم الجَمَاعية يُجسّد ما يجب أن تسعى  إليه السياسة والنشاط السياسي. وتكتب أرندت "إنَّ المدينة بحقّ، ليست المدينة في تحديد موقعها المادّي؛ إنَّها تنظيم الشعب وهذا ما يظهر في الفعل والكلام معًا. وفضاؤه الحقيقي يمتدّ بين البشر الذين يعيشون معًا من أجل هذا الهدف، مهما كانَ المكان الذي يوجدون فيه" (ص. 220 من الترجمة العربية). فالـمدينة هي إذًا كيان تحويلي وقابل للنقل.  

أعدت مؤخّرًا قراءة عمل أرندت وأنا أُفكّر في الربيع العربي وثورة تشرين في لبنان. في الأيّام الأولى، شكَّلَتْ الثورة «فضاء المظهر»، على حدّ تعبير أرندت أيضًا (1958)، الذي جعلنا أكثر انفتاحًا على بعضنا البعض (ص. 226 من الترجمة العربية). وفي الأشهر التي أعقبت 17 تشرين، تخلّينا عن الحنين السلبي في حقبة ما بعد الحرب وعن عقود من الجمود السياسي لإنشاء مجتمع قائم على السرديات والذكريات المشتركة والقصص. امتلأت المساحات الفارغة: المسارح المهجورة، ومواقف السيّارات، والساحات العامّة. استخدمناها لنرى بعضنا بعضًا: لنُلقي نظرة على العبء الذي حمله كلٌّ منّا على مرّ السنين، ولنسأل بعضنا عن محتويات هذا العبء.

 في إحدى الليالي، ذهبتُ وحدي بعد العمل إلى خيمةٍ من الخِيَم في الساحة وجلستُ على كرسي بهدوء، واستمعتُ إلى محاضرةٍ كانَ يُلقيها خبيرٌ اقتصادي. أذكر جيّدًا أنَّه لم يكن لديّ أيّ توقّعات - بل ذهبتُ ببساطة لأمضي المساء. وبعد المحاضرة التي تمحورت حول الفساد في قطاع النفط، وقفَ رجلٌ عجوز يرتجف قليلًا، وتحدَّثَ في المذياع عن عمله الذي أصبحَ مُهينًا للكرامة. لم يكن تعليقه مرتبطًا بموضوع المحاضرة بالتحديد، لكنَّ إلحاحه ومحنته قضيا على خمولي المؤقّت. تُشيرُ حاشيةٌ أوردَتْها أرندت في كتابها الوضع البشري إلى طرفة للفيلسوف ديموستين الذي التقى برجل أخبره عن ألمه الجسدي بعد تعرّضه للضرب.  وعندما أجابَ ديموستين أنَّ الرجل لم «يُعانِ شيئًا» من هذا، صرخَ الرجلُ قائلًا: «لم أُعانِ شيئًا؟». عندما تجلّى ألم الرجل بوضوح في صوته، تمكَّنَ حينها ديموستين من التعاطف معه (سكونهايم 2019). أخبرَنا الرجل العجوز في الساحة عن ساعات العمل الطويلة، والأجر المتدنّي، وغياب الحماية، وكيف ينظر إلى حياته ويعتبرها فارغة. كم كانَت حاجته إلى الكلام مُلِحَّة؛ وكم كانَ ضروريًا أن نُصغي إليه. انتشرَ نوعٌ من التضامن على نطاقٍ صغير، مثل سجّادة خفيفة الوزن، في وسط بيروت - هذه المنطقة التي وصفَها سكّان البلد على مدى عقود من الزمن بأنَّها طيفٌ صعب المنال.

تخيَّل إذًا ما شعرنا به عندما رأينا وسط المدينة وقد تحوَّلَ إلى مكانٍ للفخر والجدل، حيث يتساوى الباعة المتجوّلون والفنّانون والمفكّرون و"البلطجيون". تحوّلت ساحات المُدُن والبلدات إلى أماكن يمكننا فيها محاولة فهم ومعالجة الأزمة المالية وتغيُّر المناخ وقوانين العمل وحقوق النساء في الحضانة. تتحدّث منى فوّاز وإيزابيلا سرحان (2020) في مقالهما الذي يحمل عنوان «الثورات الحضرية: انتفاضة لبنان عام 2019» عن حرص النشطاء على "تحدّي طابع الملكية الخاصّة والحصرية"، واستعادة الأماكن العامّة المغلقة سابقًا، مثل مبنى «البيضة»، وتحويلها إلى «مواقع للنقاش والتعبئة». وحرصَ النشطاء أيضًا على استعادة المساحات الخاصّة، على غرار قطع الأراضي "المخصّصة للتطوير"، من أجل إعادة تصوُّر هذه الحدود المصطنعة بين الخاصّ والعام وإزالتها حتّى، لـ«تجسيد تصوُّر سياسي بديل يرتكز فيه التعايش على التطلّعات المشتركة لحياة كريمة والاحترام المتبادل.» وتلقائيًا، صوّرت الاحتجاجات التي عمّت المُدُن عملية البناء والتطوير، والفصل الطبقي والحضري الشديد، والهيكل السلطوي لشوارعنا، والبنية التحتية التي تُعطي الأولوية لقطاع العقارات على حساب الشعب، وغياب النقل العام، وتدهور الأماكن العامّة أو غيابها. فكُشِفَ النقاب عن تناقضات مدننا مثل النمش تحت أشعّة الشمس. وسمحَ لنا المكان العام، كما شهدناه أثناء الاحتجاجات، بالتفكير في هويتنا كأفراد وتوتّراتنا الجَمَاعية - وكيف يمكن تجاوزها أو تجنُّبها.

ماذا يعني أن ترقص النساء في وقتٍ متأخّر من الليل على الجسور وفي الساحات، وليس في النوادي الخاصّة أو قاعات الزفاف المخصّصة للنساء فحسب - كيف يُغيّر ذلك من الطريقة التي ننظر بها إلى أجسادنا ونفهمها؟ ماذا يعني أن نقول إنَّ هذا الطريق العام الذي يفصل بين الشرقية والغربية هو مساحة لنا لنُخيّم ونبيت الليل، ولنلتحف النجوم ونُغنّي للسماء؟  ماذا يعني أن يرقص رجال من الطبقة العاملة رقصةَ «البريك دانس» في الشوارع، ويغنّوا «الراب» إلى جانب الجماعات النسوية الراديكالية؟ هذا الواقع يُغيّر فيك الكثير. يُغيّر علاقتك بمدينتك، ويُغيّر طريقة تنقّلك في المساحة العامّة.

 شهدنا كنساء هذه العملية من الإنتاج الثقافي والاسترداد، بوتيرة شبه متسارعة. لطالما شكّلنا جزءًا من النسيج الاجتماعي والسياسي لهذا البلد، إلّا أنَّ الأماكن العامّة لم تكن متاحة للكثيرات منّا، لا بل كانت مُخيفة بالنسبة إلى البعض. لطالما اتّخذت الاحتجاجات والأماكن النسوية طابعًا خاصًّا أو فئويًا، وكما هي الحال عادةً، كُنّا نخشى الشوارع. في الواقع، لطالما لجأ النظام بحدّ ذاته إلى خصخصة القضايا الجندرية، ونظَّمها وعمدَ إلى إقصائها إلى هامش حياتنا الخاصّة من خلال قوانين الأحوال الشخصية. ولكنْ، كانَ من الواضح منذ البداية أن لا ثورة طالما اعتُبرت النساء مواطنات من الدرجة الثانية غير قادرات على منح الجنسية لأطفالهنّ أو أزواجهنّ الأجانب، أو إذا لم تستطع المرأة أن تُقرّر ما تفعله بجسدها. ولا ثورة طالما أنَّ اللاجئين يتعرّضون للمضايقة ويُمنعون من العمل، ولا ثورة طالما أنَّ أرباب العمل يُصادرون جوازات سفر عاملات المنازل الأجنبيات.  في الشوارع، تحدّينا السلطوية مباشرةً. عدوّنا - الذي أردنا القضاء عليه - هو عدوّ متعدّد الأذرع. في الليلة الأولى من التظاهرات، قامت امرأة بركل حارس مسلّح، بين رجلَيْه مباشرةً. ومع مرور الأيّام، أصبحت النساء حاجزًا بشريًا بين شرطة مكافحة الشغب والمتظاهرين. وقادت النساء مسيرات في الأحياء، ونظّمن الاجتماعات، وتفاوضن مع المحامين للإفراج عن الموقوفين. تعملُ النساء على تنظيم صفوفهنّ منذ عقود، لكنَّ الحواجز ما زالت تعترض سبيلهنّ. فهذه الثورة إذًا هي ثورةٌ دفعتنا إلى الالتفاف على هذه الحواجز وبذل كلّ الجهود حتّى تدميرها في نهاية المطاف. وهي ثورةٌ نزلنا فيها إلى الشوارع لنقول: نحن أصحاب القرار، وليس أنتم. وخلافًا للانتفاضات أو الحركات الاجتماعية الأخرى في المنطقة أو في ماضي البلد، لم نتراجع ولم تكن مطالبنا السياسية ضيّقة.

تقول أرندت (1958) إنَّ هذه الشبكة من العلاقات الإنسانية - وهذه الأشكال الجديدة من التحرُّك الجَمَاعي أو التفاعلات مع الآخر في الأماكن العامّة - هي فعل مصطنع يتّخذ طابعًا رمزيًا في الأساس، ولكنّه يُخوّلنا إنشاء لغة جديدة للتعبير عن المعنى والتنسيق في ما بيننا. هناك شعورٌ من التحرُّر نستمدّه من تشديد أرندت على اصطناعية الأماكن العامّة والسياسة بشكل عام؛ فلقاؤنا معًا ليسَ خطوة طبيعية بالضرورة، وإنّما خطوة نسعى إليها. وبنظر أرندت، يُعتبَر الخروج من حياتنا الخاصّة لندخل المساحة العامّة، من أجل الحرّية، حقيقةً أُعيد اكتشافها، وهي بمثابة القدرة البشرية على الولادة من جديد. ولكنَّ المساحة العامّة لا تُشكِّل بالنسبة إليها مجرّد مكان للتجمُّع، بل مكانًا يلتقي فيه الحيّز الفردي بالحيّز السياسي أيضًا (1963). في ليلةٍ من الليالي، دخلتُ في سجالٍ تلقائي حول النظام السوري مع مراهق لم يتجاوز ربّما السابعة عشرة من العمر، خلال حفل لمُغنّي الراب «الراس» في العازارية. في البداية، كُنّا نرقص ونُغنّي معًا. وبعد فترة، هتفتُ «فليسقط نظام الأسد»، فتوقَّفَ المراهق ورجعَ خطوة إلى الوراء وسألني ما علاقة ذلك بما يجري. تحوّلت محادثتنا إلى جدال، ولكنْ عندما شارفنا على النهاية ضحكنا على ما حدث قبل أن يُخرجني أصدقائي بالقوّة. وفي حين أتذكّر هذه الحادثة - أو مشاحنة منتصف الليل مع أحد المراهقين - وأضحك، إلَّا أنَّ تفاعلنا تميَّزَ بطابعٍ بنّاء وإنساني بشكلٍ لا يُصدَّق. تكثر القصص المماثلة: فصديقي المثلي وبَّخَ متظاهر يهتف ضدّ جبران باسيل ويصفه بمثليّ الجنس، سائلًا: «لماذا المثلية إهانة؟». على غرار هذه التبادلات الصغيرة اليومية، ليست مدينتنا سوى رمز لأجسادنا والأماكن المختلفة التي تنتمي إليها، والطرق التي تفهم وتستجيب بها لبعضها بعضًا. هنا أيضًا، يبرز مفهوم المساحة العامّة كمكان للإنتاج الثقافي وبناء/إعادة بناء المواطن، كما طرحته أرندت في كتابها (1958).

كتبت سينتيا بو عون في عام 2020 ما يلي: «اتّخذت استعادة المساحة العامّة أشكالًا مختلفة: مكانية (احتلال الساحات والطرقات)؛ وفكرية (إطلاق الشعارات وتنظيم حلقات النقاش)؛ ورمزية (الدخول إلى التياترو الكبير بعد إزالة سياج موقع البناء)؛ وفنّية (غرافيتي وموسيقى)؛ ومشهدية (السلسلة البشرية أو تحويل الرينغ إلى منزل مُدرَج على موقع Airbnb).» وفي هذا الصدد، استخدمت الثورة - أو النسوية كحركة سياسية - المساحة العامّة لتفرض نفسها مجدّدًا، سواء من خلال الجمع بين الأفراد ببساطة؛ أو تسييس "تآزرهم" عن طريق الوسائل الرمزية والاجتماعية؛ أو إنشاء مكان للنقاشات الفكرية والسياسية.

بعد مرور يومَيْن فقط على تظاهرة اليوم العالمي للمرأة، أُعلن عن أوّل حالة وفاة مرتبطة بفيروس كورونا، وبعد أسبوع واحد، أُعلِنَت حالة الطوارئ الصحّية في البلد. وفجأةً، بعد أشهر وأشهر من العمل على تحديد علاقتنا مع المساحة العامّة والتفاوض بشأنها، اضطررنا إلى العودة إلى المساحة الخاصّة. تخشى أرندت من حداثة «تُهدِّد» المساحة العامّة، أي فضاء المظهر هذا، من خلال تحويلنا إلى مجرّد كائنات بدائية تصبّ اهتمامها على البقاء على قيد الحياة بدلًا من الحفاظ على المجتمع. سلَّطَ الإغلاق الشامل الضوء على هذا المَيْل البشري لدينا لنقول: «أحتاج إلى حماية ما لديّ قبل أيّ شيء آخر.» وهذا تحوُّل صارخ بالمقارنة مع ما علّمتنا إياه الثورة. حاليًا، تفرض كلّ بلدان العالم قيودًا على التجمّع بمختلف أشكاله. فقد أصبحَ التقارب والتواجد في الأماكن العامّة تهديدًا لوجودنا. قالَ عددٌ كبيرٌ من الأشخاص الذين تحدّثت إليهم إنَّ الأشهر التي قضوها في الحجر اتّسمت بالفراغ وبشعورٍ مجرّد بالخسارة. ويبدو لي أنَّ حسّ الرؤية ورؤية الآخر لنا كانَ من جملة الأمور التي فقدناها أيضًا. في لبنان، تفشّت الجائحة بعد شهور من التعرُّض لبعضنا بعضًا. فالمساحة العامّة التي استثمرنا فيها شكَّلَت مكانًا حيث تفاعلنا مع أشخاص ليسوا مقرّبين منّا بالضرورة - لم يكونوا من العائلة أو الأصدقاء أو من المُقرَّبين الذين استمرّينا برؤيتهم طوال فترة الإغلاق الشامل - بل كانوا من مئات الأشخاص الذين تعرّفنا إليهم في الشوارع، وجمعَ بيننا تفاهمٌ هشّ للطريقة التي نودّ أن يتطوَّر بها بلدُنا. هناك جانب بشري لما يمكن للتظاهرات أن تفعله: ففي نهاية المطاف، تتعرّف على وجوه وشخصيات، وتنجذب إلى الآخر بطريقة تبدو طبيعية في أغلب الأحيان. ليسَ الموضوع أنَّني أُريد أن أبحث عن هؤلاء الأشخاص اليوم؛ فمن دون الإحساس بأجسادهم، أغرق في شبكة أو في "فقاعة" كما يُشير إليها غالبًا الناس في بيروت في لغتهم اليومية. هذه الروابط الهامشية التي تطوّرت في الأشهر التي أعقبت 17 تشرين رسّخت جذورنا في مدينتنا؛ فأصبحت الساحات والشوارع والطرقات العامّة مثل حانة محلّية أو مطبخ مجتمعي.

انتابني شعورٌ مألوف بالغيرة عندما نظرت إلى صور المنتزهات المليئة بالبشر في جميع أنحاء العالم. فالأبحاث التي تُجرى في ظلّ الجائحة تُسلِّط الضوء على حقيقة لطالما عرفناها ولكنَّها باتت تُعَدّ من الحقائق الجوهرية الآن: المساحة العامّة مهمّة جدًا لرفاهنا النفسي والجسدي، ولقدرتنا على إعطاء معنى للحياة والتفاعل مع الآخرين. وازدادت هذه الحقيقة وضوحًا في أثناء الإغلاق الشامل الذي فُرِضَ أكثر من مرّة في لبنان: المدينة التي لا تضمّ أماكن عامّة ليست مدينة. جعلتنا الجائحة نُدرِك قلّة الأماكن الآمنة والمجتمعية المتوفّرة لنا. تُشير إحصاءات شائعة إلى أنَّ بيروت لا تضمّ إلّا 0.8 م2من المساحات الخضراء، علمًا أنَّ منظّمة الصحّة العالمية توصي بـ 9 م2 على الأقلّ (نزال وشيندر 2018). أُغلقت المنتزهات القليلة جدًا في لبنان خلال الجولات الأولى من الإغلاق الشامل؛ وأُغلق الكورنيش أيضًا. ومن سخرية القدر، يعتمد اقتصادُنا وهيكلنا الاجتماعي إلى حدّ كبير على التواصل غير الرسمي بين الناس، على الرغم من قلّة الأماكن العامّة في لبنان.  لهذا السبب، احتجَّ الناس في مختلف أنحاء البلد بشدّة على سياسات الإغلاق الاعتباطية، ولا سيّما في مُدُن مثل طرابلس، تُعاني بشكل عام من الحرمان والإهمال وتعتمد على الشوارع والتفاعل الاجتماعي.

كانَت المقاربة بين علاقتنا بأجسادنا وأجساد الآخرين خلال الثورة والجائحة مذهلة - إذ يتمتّع الجسد بالقدرة على لعب دور الجسر الذي يقود إلى الأفضل وإلى الأسوء في آنٍ معًا. وبرزت إلى الواجهة من جديد سلسلةٌ من الأسئلة في هذه العزلة المتزايدة: مَن مِنّا سليم البنية، ومَن مُصاب بأمراض أخرى، ومَن المُعرَّض للمرض، ومن يشعر بالوحدة، ومَن الذي يحتكّ بأجساد أخرى، ومَن مِنّا بلا مأوى؟ وحتّى خلال الثورة، أيّ أجساد تعرّضت للإهمال أو كانت غير مرئية، واعتُبرت معاناتها غير هامّة بالنسبة إلى القضايا الأوسع؟

لا بدّ من الإشارة إلى أنَّ أرندت تُقرأ كشخص ينفر من الجسد لأنَّه قد يحدّ من حرّية تصرُّفنا (سكونهايم 2019). كتبت في العام 1984 في كتابها المعنون في الثورة «إنَّ الضرورة القوية جدًا والتي ندركها باستبطان ذاتي هي عملية تقدُّم الحياة التي تتغلغل في أجسادنا وتُبقيها في حالة مستمرّة من التغيير، وبتحرّكات آلية، ومستقلّة عن فعالياتنا، ولا تقاوَم بمعنى أنَّها مستقلّة عن حاجات ملحّة طاغية» (ص. 81 من الترجمة العربية). شعرنا خلال الثورة أنَّ أجسادنا لا تُمَسّ، ولكنَّنا الآن نُدرك هشاشتها - فالأجساد تنقل الفيروسات، والأجساد تتعفّن، والأجساد تبكي، والأجساد تشعر بأنَّها مهجورة وغير مأهولة. وفي هذا الصدد، شكَّلَ الوقت الذي قضيناه في زمن الجائحة مقاومةً للقيود ونداءً للتحرُّر من الجسد ونقاط ضعفه.

وماذا عن المستضعفين المحتجزين في منازل مُسيئة، وغير القادرين على الهروب؟ في كلّ مكان تقريبًا، أفادت التقارير عن تزايد العنف المنزلي وعن حظر التجوُّل الذي أجبر نساء كثيرات على البقاء في المنزل مع مَن يُسيئون إليهنّ. لطالما سلَّط النسويون الضوء على الفروق القائمة على أساس الجنس بين الأوساط العامّة والخاصّة، وأظهروا أيضًا ضبابية (ومحدودية) هذا التمييز على أرض الواقع (بايتمان 1983؛ جوزف 1997). لقد تعرَّضنا جميعًا، بطريقة أو بأخرى، لنظريات «سيّدة المنزل» التي تتولّى إدارة ما يحدث في داخل المنزل (من دون أيّ مقابل طبعًا) حتى يتمكّن «الرجل القوي» من إدارة ما يحدث خارج المنزل. وهنا برزَ الطابع الراديكالي والطويل الأمد للموجة النسوية الثانية المعترف بها عالميًا: لقد سيّست الجانب الشخصي، وركّزت على المنزل، وألقت الضوء عليه لإظهار مدى عنف هذا التقسيم وكيف أنَّ التقسيم بين الخاصّ والعام يجعل العملية السياسية سلطوية من حيث التصميم. 

عندما لا تتوفّر إمكانية الوصول إلى العالم العام (المادّي أو حتّى الافتراضي)، تصبح أماكن التفاوض مع النظام السلطوي، على حدّ تعبير دنيز كانديوتي (1988)، أصغر بكثير وأكثر صعوبة.

ولكنْ، أظنّ أنَّ تجاربنا في الحيّز العام قبل الجائحة قد أعطتنا لغةً سياسية ومحلّية لنُناقش بها يأسنا، وهنا يكمن التحذير. كانَ هناك رابط بين معالجة الحكومة لفيروس كورونا والدولة البوليسية؛ وكانت هناك روابط بين العنف المنزلي وقوانين الأحوال الشخصية؛ وهلمّ جرًّا. الثورة وثورتنا النسوية تحديدًا، «تُزعزعان» التقسيمات بين العالم في الداخل والعالم في الخارج.

في 8 آب/أغسطس - أي بعد مرور أربعة أيّام على انفجار عاصمتنا جرّاء 2750 طنًّا من نترات الأمونيوم المتروكة في مرفأ بيروت بسبب "سوء الإدارة والإهمال الفادحَيْن"؛ وبعد أربعة أيّام على توقُّف الزمن؛ وبعد أربعة أيّام على تحوُّل كلّ ما كُنّا نعمل لأجله إلى غبار - عُدنا إلى الشوارع. فإذا كانَ تحرُّك 8 آذار مدفوعًا بدافع الحبّ، فإنَّ تحرُّك 8 آب أتى تحت رايات الغضب. غضبٌ لا يعرف قيودًا ولا ضوابط. سادَ شعورٌ بأنَّهم أخذوا منّا كلّ شيء: حياتنا، وثورتنا، وآمالنا، وحقّنا في الإيمان بمدينتنا. أردنا الانتقام.  

 بالنسبة إليّ، في 8 آب، تفكَّكَ الجسد بالكامل. أذكر بوضوح أنَّني فقدتُ الإحساس أو القدرة على التحكّم بذراعَيْ وساقَيْ منذ 4 آب. اكتوى كياني ألمًا وغضبًا فما عاد من الممكن أن أرتبط بأيّ شكل أو هيكل. تحوّلت أماكننا العامّة - ساحة الشهداء ورياض الصلح والرينغ - إلى ما بدا وكأنّه ساحة حرب. رفعنا الشعارات والمشانق، وكُنّا نقصد ذلك: فالعدالة لن تتحقّق طالما أنَّ أيًّا من أمراء الحرب ما زال يحكمنا. الاستجابة لغضبنا؟ مزيدٌ من سفك الدماء. أطلقت علينا قوى الأمن الرصاص المطّاطي والغاز المُسيل للدموع في حين رشقها المتظاهرون بالحجارة. حجبَ الغضب نورَ الشمس كالضباب، والألم خدَّرَنا. هرعت سيّارات الإسعاف لنقل الجرحى، وأعلن الأطبّاء في لبنان أنَّ الأجهزة الأمنية استخدمت بشكل واضح قوّةً فتّاكة (عثمان 2020). وعندما حلَّ الليل، اقتحمنا الوزارات الحكومية، ودعا رئيس الحكومة إلى انتخابات مبكرة (بالطبع، كُنّا نعلم جميعًا أنَّه كلامٌ عقيم). الدولة غائبة منذ فترة طويلة، لكنَّ غيابها تجلّى في ذلك الوقت أكثر من أيِّ وقتٍ مضى: فإمّا نحن وإمّا هم، ولن ينجح ببساطة أيّ حلّ وسطي.

من الطبيعي أن تسعى المجتمعات إلى مساعدة ودعم بعضها بعضًا في الأزمات، لكنَّ الثامن من آب ذهبَ إلى أبعد من ذلك. لم نلجأ إلى بعضنا للبقاء على قيد الحياة فحسب (لأنَّ الناس تكفّلوا طبعًا بتنظيف الشوارع والبحث عن المفقودين بعد 4 آب، وليس الدولة)، بل حوّلنا أيضًا غضبنا إلى ثورة. كتبت ريبيكا سولنيت في كتابها الرائع الذي يحمل عنوان الجنّة المبنيّة في الجحيم (A Paradise Built in Hell) (2010)، ما يلي: 

تُترجم كلمة «ثورة» باللغة الصينية بـ«جي مينغ» - وتعني «جي» التجريد، أمّا «مينغ» فتعني التفويض. لا تكتفي الثورة بإسقاط النظام فحسب، بل تقضي أيضًا على مبرّرات حكمه. وهذا ما تفعله الكارثة أيضًا: منذ سلالة تشو، اعتبر غالبًا الصينيون أنَّ الزلازل هي إشارات إلى أنَّ الحكّام فقدوا تفويضهم السماوي. (151)

وبحلول 8 آب، على الرغم من أنَّنا فقدنا حقّنا في أجسادنا، اتّخذت الكارثة طابعًا عامًّا بفضل ثورتنا. لم نتردّد ولا للحظة في العودة إلى الشوارع، ولم يردعنا الوباء العالمي الذي رسَّخَ الفارق بين الخاصّ والعام. واجهنا الحقيقة التي نعرفها جميعًا ولكنَّنا نتجنّبها دائمًا لسبب من الأسباب: يقع مصيرنا في أيدي بعضنا بعضًا. 

 من جهة، يُعَدّ التفكير في الجسد من أكثر الأعمال غير المنطقية. لا يمكننا التفكير خارجه، لأنَّ كلّ ما نعيشه يرتبط به. ولكنْ في الوقت نفسه، شكَّلَ استخدام التجربة الجسدية كنقطة مرجعية على مدى العام ونصف العام الماضيَيْن وسيلةً لفهم ما هو فعلًا على المحكّ. وحملَ العقدان الماضيان معهما تفكيرًا في مفهوم الفردية ونقدًا لاذعًا له. وقامت نسبة كبيرة من التراجع على رفض القِيَم التي تعزلنا.

أكثر ما لفتني في نظرية أرندت هو أنَّ المساحة العامّة ليست وسيلة لتحقيق غاية. لا، فالمساحة العامّة والنشاط السياسي هما غاية بحدّ ذاتهما. وبالنسبة إلى أرندت، تتخطّى الحرّية السياسية هذا الوهم الذي يُسمّى "سيادة الدولة". وتنفي فكرة أنَّ المساحة العامّة تلعب دور الوسيط بين المواطنين والحكومات؛ فهي مساحة تخلق وتُناقِش بشكلٍ ناشط، وفي تطوُّرٍ مستمرّ، الجهود الرامية «إلى اكتساب الحسّ الإنساني بأسمى معانيه». وبعد خمس سنوات من نشر الوضع البشري، كتبت أرندت في كتابها في الثورة (1963) أنَّ «الثورات هي الأحداث السياسية الوحيدة التي تواجهنا مباشرةً وبشكل لا مناص منه بمسألة البداية»، لأنَّها تنطوي جوهريًا على توفير مساحات سياسية جديدة (ص. 27 من الترجمة العربية).

تنزّهت منذ فترة وجيزة، سيرًا على الأقدام، في وسط بيروت. كنتُ أُفكّر كيف توالت في هذه السنة تواريخ ذكرى الربيع العربي كأصدقاء قدامى يذكّروننا بما كُنّا عليه في الماضي. هؤلاء الأصدقاء الذين تشاركنا معهم الكثير، ونعرفهم جيّدًا، وسئمنا منهم الآن. نحن لا نحاول حثّهم على البقاء؛ نُدرك أنَّهم عندما يغادرون سيأخذون معهم الكثير، لذا نتجنّب النظر في عيونهم.     من الأفضل النظر إلى اليسار. ولكنْ، مَن كُنّا لنكون لولا هؤلاء الأصدقاء، وأين كُنّا سنضيع، ومَن كان سيمنحنا كلّ هذا الأمل، هذا اليأس؟ أثناء نزهتي، كانت الشوارع فارغة؛ وقد عادت الحواجز المعدنية؛ وانتشرَ عناصر الأجهزة الأمنية كالعيدان. لا شكّ أنَّ السبب يُعزى إلى الجائحة بالدرجة الأولى، ولكنْ في حالة لبنان، يرمز هذا الفراغ إلى ماضٍ حاولنا جاهدين القضاء عليه.  واليوم، نعيش في بلد نحاول البقاء فيه على قيد الحياة - إذ نتخبّط بتداعيات الانهيار الاقتصادي والوباء والغياب الكامل للشرعية السياسية وغيرها. ولكنْ، هناك شيء مختلف في هذه المساحة. الغرافيتي، والتحذير الذي يحمله: حوّله وجود أجسادنا إلى ذكرى تأبى الموت.

ذكّرنا الوباء والانفجار والثورة، كلٌّ بطريقته، بمدى تحكُّم أجسادنا بنا، ولا سيّما من حيث الأماكن التي تشغلها. ونُعيد دائمًا طرح الأسئلة نفسها بشأن الماضي: ما الحقيقي من كلّ ذلك، وهل كان العام الماضي كذبة، وهل قُمنا حقًّا بالاحتجاج، وهل كسرنا فعلًا هذه الثنائيات الجنسانية، وهل عدنا إلى دوّامة تعتبر أنَّ "الثورة بأكملها هي كذبة كبيرة"، وفي حال حصلَ ذلك، ماذا سنفعل بهذه المعلومات؟ أمّا في الأيّام التي يمكننا فيها التطلُّع إلى المستقبل، فنسأل: ما التحوُّل الذي سيحصل عندما نتمكَّن من العودة مجدّدًا إلى الشوارع، وما الذي ستنجذب إليه أجسادُنا التي تشعر بالمرارة؟ آمل أن ننجذب إلى بعضنا بعضًا.

 

المراجع

 

أرندت، حنّة. 1958. الوضع البشري. شيكاغو: منشورات جامعة شيكاغو.

أرندت، حنّة. 1963. في الثورة. لندن: دار بنغوين للنشر.

بو عون، سينتيا. 2020. «استعادة الحيّز العام ودوره في إنتاج الثورة» المفكّرة القانونية.

جوزف، سعاد. 1997. «العام/الخاصّ - الحدود المتصوّرة في الأمّة/الدولة/الجماعة المتصوَّرة: الحالة اللبنانية.» The Public/Private – The Imagined Boundary in the Imagined Nation/State/Community: The Lebanese case. المجلّة النسوية (Feminist Review) 57 (73-92).

كانديوتي، دنيز. 1988. «التفاوض مع النظام السلطوي.» (Bargaining with the Patriarchy.) النوع الاجتماعي والمجتمع (Gender and Society). 2, 3. إصدار خاصّ تكريمًا لجيسي برنارد.  

عثمان، بسّام. 2020. «أسلحة الدمار الشامل.» (Weapons of Mass Destruction) راستد راديشز. بيروت: الجامعة الأميركية في بيروت.

نزّال، مريم وشندر، سامر. 2018. «الأماكن العامّة في مُدُن لبنان.» (Lebanon Cities’ Public Spaces) برنامج الأمم المتحدة للمستوطنات البشرية - لبنان.

بايتمان، كارول. 1983. «الانتقادات النسوية للتقسيم العام/الخاصّ.» (Feminist Critiques of the Public/Private Dichotomy) فيالعام والخاصّ في الحياة الاجتماعية Public and Private in Social Life، تحرير. اس. آي. بين ودجي. أف. غاوس.

سكونهايم، ليزبيث. 2019. «الجسد المنتج: إعادة قراءة نقد حنّة أرندت للجسد والاستبطان.» (The Productive Body: Rereading Hannah Arendt’s Critique of Corporeality and Introspection) فيلوزوفي توداي (Philosophy Today)، 63(2).

سميث، زادي. 2020. إيحاءات: ستّ مقالات (Intimations: Six Essays). لندن: دار بنغوين للنشر.

 


[1] حرّ حرّ حرّية، بدّي عيش بحرّية؛ ما بدّي سلطة وزير ولا السلطة الدينية

About the author(s):
Nur Turkmani :

Nur Turkmani is a Lebanese-Syrian researcher and writer in Beirut. Her research approach is often ethnographic and she focuses on gender, refugee livelihoods, climate and security, and grassroots movements in Lebanon. Her non-fiction and poetry have been published in The Adroit Journal, Syria Untold, Jadaliyya, London Poetry, and others. Nur's poem 'Body Parts' was selected as a runner-up for the Barjeel Poetry Prize. She is the Managing Editor of Rusted Radishes: Beirut Art and Literary Journal's website and is currently studying creative writing at the University of Oxford.

Facebook: https://www.facebook.com/nur.turkmani