التجول في حقل ألغام السلطة - تنظيم نقابة عاملات المنازل في لبنان
يتفحّص هذا المقال عملية قيام عاملات المنازل المهاجرات في لبنان بتشكيل نقابة. بدأت هذه السيرورة مجموعةٌ من المنظمات غير الحكومية، المحلية والدولية، مع الاتحاد الوطني لنقابات العمال والمستخدمين في لبنان. يسلّط هذا المقال الضوء على القدرات الكامنة لدى العاملات في بناء نقابتهن، وكذلك العقبات التي تواجههن في هذا السبيل. تعود هذه العقبات إلى مجالاتٍ عدّة من السلطة التي يجب عليهنّ التفاوض معها أو تحدّيها على مستوى الدولة والمنظمات غير الحكومية وزعامة الاتحاد الوطني للعمال والمستخدمين. من خلال العمل الميداني والملاحظة التشاركية والمقابلات المعمّقة المجراة مع الناشطات النقابيات، يركّز هذا المقال على الديناميات الخاصة بالنوع الاجتماعي والعرق وعلى العلاقات بين العاملات اللواتي يشكّلن النقابة وزعامة الاتحاد الوطني، وكذلك على علاقتهن بالدولة اللبنانية. ترغمنا حالتهن على أن نأخذ بالحسبان التحديات التي يطرحها تأنيث العمالة ودولنتها على وجود هياكل النقابات العمالية القائمة والوسائل التي نتخيل فيها العمالة والحركات الاجتماعية عموماً.
To cite this paper: Farah Kobaissy,"التجول في حقل ألغام السلطة - تنظيم نقابة عاملات المنازل في لبنان", Civil Society Knowledge Centre, Lebanon Support, 2017-07-01 00:00:00. doi: 10.28943/CSR.002.003
[ONLINE]: https://civilsociety-centre.org/ar/paper/التجول-في-حقل-ألغام-السلطة-تنظيم-نقابة-عاملات-المنازل-في-لبنان"في كل لقاءٍ أجريناه مع مختلف الجاليات، أردت التأكد من أننا نشدّد على فكرة التضامن. لم نعد الآن نقول: الفيليبين وسريلانكا وأثيوبيا وبنغلادش. أصبحنا نقول نقابيات. نحن النساء العاملات. نحن لا نذكر الجاليات، بل نبرز النساء العاملات معاً. هكذا توصلنا إلى [...] نقابة. أنا أنتزع دائماً بطاقتي النقابية وأرفعها بيدي وأسأل: من لديه هذه؟ رداً على ذلك، تلوّح العضوات ببطاقاتهن. فأقول: لقد أصبحت لديكن هذه البطاقة الآن، وفي حال نظرت إحداهن إليكنّ هنا بطرقٍ مغايرة، عليكنّ القول: هيه! أنا واحدة منكن! هذا ما أبرزه دائماً. نحن جميعاً عاملات منزليات"[1].
مقدمة
في الرابع من أيار/مايو 2015، خرج مئاتٌ من عاملات المنازل المهاجرات وداعميهن إلى الشوارع بمناسبة عيد العمال العالمي لمطالبة الحكومة اللبنانية بالاعتراف بنقابتهن رسمياً. في الواقع، كان وزير العمل سجعان قزي قد شجب نقابتهنّ بعيد الإعلان عن تشكيلها ووصفها بأنها "غير شرعية"، مجادلاً في أنّها سوف "تثير المشكلات" بدلاً من حلّها. وقد اقترح الوزير بأنّ حماية عاملات المنازل ستكون مكفولةً على نحوٍ أفضل باشتراع قوانين جديدة، وليس عبر تنظيم نقابي[2]. وبكلماتٍ أخرى، ينبغي حتماً أن تضمن الحكومة الحقوق بدل أن تطالب بها مجموعاتٌ أو نقابات. وأضاف: "الحماية بتصير بإجراءات مش بإدخال العاملات باللعبة السياسية والطبقية"[3]. وقد عبّر آخر تصريحات الوزير عن الخوف الذي أثارته فكرة أن ينظّم العمال، ولاسيما المهاجرون، أنفسهم في بلدٍ يشكّل فيه المهاجرون حوالي نصف القوة العاملة.
منذ العام 1990، أصبح لبنان بصورةٍ متزايدةٍ بلد استقبالٍ للهجرة العربية وغير العربية. وقد أتى اللاجئون الفلسطينيون والمهاجرون من سوريا والعراق إلى لبنان قبل العام 1990 بكثيرٍ واستقروا فيه[4]. وعلى الرغم من أنّ العمال السوريين بدأوا يعملون في لبنان في خمسينيات القرن العشرين، فقد شكّلوا منذ انتهاء الحرب في العام 1990 النسبة الأكبر من قوة العمل غير الماهرة في البلاد[5]. بصورةٍ عامة، يبلغ عدد العمال المهاجرين 760 ألفاً من أصل مجمل قوة العمل التي يبلغ تعدادها 1,2 مليوناً والتي تتضمن حوالي 250 ألف عاملة منزلية، معظمهنّ يعملن بصورةٍ غير نظامية[6]. عادةً ما يُستخدم هؤلاء المهاجرون في قطاعاتٍ اقتصادية محدّدة مثل البناء والصرف الصحي، حيث يفتقرون إلى تنظيم شروط التشغيل، ولاسيما في مجالات البناء والزراعة والتنظيف وقطاعات الخدمات. وتجعل التفرقة المؤسساتية المدعومة بالقوانين والإجراءات، كنظام الكفالة الذي يحكم العمال المهاجرين على سبيل المثال، هؤلاء العاملين عرضةً لشتى أشكال الاستغلال الرأسمالي، بما في ذلك الرواتب التي تقل عن الحدّ الأدنى للأجور وساعات العمل الأطول والحرمان من الضمان الاجتماعي والصحي، وما إلى ذلك. في واقع الأمر، يستثني قانون العمل بخاصّةٍ عاملات المنازل، لبنانيات وغير لبنانيات، من الحماية الممنوحة للعمال الآخرين. كما أنّه يحظر عليهنّ الانتساب إلى النقابات، مثلهن في ذلك مثل العمال الزراعيين والموظفين الحكوميين المستثنين هم أيضاً من قانون العمل. وفق المادة 92، لا يحق للعمال المهاجرين أن ينتخبوا أو يُنتخبوا كممثلين لنقابة. وبالتالي، أُنكر على قطاعاتٍ كبيرةٍ من العمال حقها في حرية الانضمام إلى النقابات والتفاوض الجماعي[7]. علاوةً على ذلك، يتعرض العمال المهاجرون، ولاسيما عاملات المنازل المهاجرات، لقواعد هجرةٍ تقييدية تستند إلى نظام الكفالة الذي يحدّ من حركتهم ويجعل تخليهم عن شروط العمل المجحفة أمراً صعباً.
نتيجةً للزيادة التدريجية في عدد عاملات المنازل المهاجرات في العقد الأخير من القرن العشرين[8] وما نتج عنها من حالات سوء معاملة العاملات المبلغ عنها في العقد الأول من القرن الواحد والعشرين، بدأت منظمات المجتمع المدني تبادر إلى تسليط الضوء على انتهاكات حقوق العاملات ومعالجتها. وبدأت منظمات حقوق المرأة المحلية والدولية ومنظمات حقوق الإنسان الالتحاق بالمنظمات الخيرية التي كانت تعمل منذ ثمانينيات القرن العشرين على فتح "فضاءات آمنة" للمهاجرين، ومن بينهم عاملات المنازل، عبر تقديم الدعم المالي للاحتفالات المجتمعية العامة والصلوات، وكذلك المساعدة القانونية والاجتماعية[9]. بالتالي، ظهر ميلٌ ملموسٌ في العقد المنصرم إلى الاعتقاد بأنّ احتياجات عاملات المنازل المهاجرات في لبنان ومصالحهنّ كانت بصورةٍ شبه شاملة من ضمن اهتمامات المنظمات غير الحكومية أكثر ممّا كانت من ضمن اهتمامات نقابات العمال.
تتفحّص هذه الدراسة سيرورة تشكيل عاملات المنازل نقابةً، مشيرةً إلى الإمكانيات التي تفتحها هذه السيرورة، وكذلك إلى العقبات التي تواجهها. وبصورةٍ أخص، تسلّط الضوء على سبل تقويض العاملات، عبر التنظيم، للسلطة التنظيمية للدولة التي تصمهن باستمرار بوصفهن "آخر" وتنكر عليهن الحق في أن يكون لهن صوتٌ سياسي. انطلاقاً من ذلك، أجادل في أنّ تحرّك العاملات المهاجرات يتحدّى الممارسات الإقصائية عن المواطنة التي يمرّ عبرها الحصول على الحقوق. بيد أنّ عليهنّ التجوّل أثناء قيامهنّ بذلك في أبعاد عديدةٍ من حقل ألغام السلطة، سواءٌ تعلّق الأمر بالعلاقة بالدولة أم بالأمم المتحدة أم بالاتحاد الوطني لنقابات العمال والمستخدمين أم بالمنظمات غير الحكومية. ولغايات هذه المقالة، سوف نقتصر في التحليل على ديناميات السلطة التي تهيكل علاقة العاملات بالدولة والاتحاد الوطني. يواصل الاتحاد الوطني انتهاج خطابٍ عن العمالة يتّسم بالمركزية الإثنية الوطنية، ويبقى إلى حدٍّ بعيدٍ خاضعاً للذكورية والبيروقراطية. واقع الأمر أنّ الاتحاد الوطني يقدّم مواقع معقدة ومتباينة للقوة والنفوذ. علاوةً على ذلك وأهمّ من ذلك أنّ تحليل تعددية مواقع القوة يستدعي تحليلاً للخطابات تسعى هذه المحاولة للتشكيل النقابي إلى وضعه في مكانه. يتمثل هدفي في استكشاف علاقات القوة والامتياز النسبي التي تميّزها دينامياتٌ عرقية وخاصةٌ بالنوع الاجتماعي، حشدها هذا التشكيل النقابي.
بالتالي، وعبر مثال نقابة عاملات المنازل، تتأمل هذه الورقة بدايةً في التحديات التي يطرحها تنامي تأنيث العمالة ودولنتها على هياكل النقابات العمالية القائمة؛ وثانياً، تتأمّل في الحاجة إلى توافر أدواتٍ نظرية وتنظيمية للنقابات العمالية؛ وثالثاً، تتفحّص المفاعيل التي تنتج عن تغيير وجه العمالة على كيفية تصورنا لحركاتنا العمالية والاجتماعية عموماً.
المنهجية
تستند الورقة إلى عملٍ ميداني أجري بين كانون الأول/ديسمبر 2014 وشباط/فبراير 2015 كجزءٍ من أطروحتي للحصول على ماجستير الآداب في موضوع النوع الاجتماعي والدراسات النسائية في الجامعة الأمريكية بالقاهرة. تمثّل العمل الميداني في سبع مقابلاتٍ مُعمّقة واجتماعاتٍ إضافية غير رسمية ونقاشاتٍ ضمن مجموعةٍ صغيرة مع عاملاتٍ منزليات مهاجرات نقابيات وغير نقابيات، وثماني مقابلاتٍ مع أعضاء في نقابات العمال اللبنانية وناشطات في مجال حقوق المرأة وطاقم منظمة العمل الدولية بالإضافة إلى ملاحظاتٍ تشاركية جرت في مقر الاتحاد الوطني لنقابات العمال والمستخدمين واجتماعاتٍ أخرى للعمال. وقد بدّلتُ أسماء المقابَلين بهدف حماية خصوصيتهم. تمثّل الغالبية العظمى من النساء المستجوبات أكثر عضوات النقابة نشاطاً. عاشت أولئك النسوة في لبنان منذ فترةٍ تتراوح بين سبع سنوات وثلاثين سنة. وهنّ يعملن لحسابهن الخاص[10]: وفي حين أنّهنّ لا يزلن محكوماتٍ بالكفيل، فقد أقمن علاقات ثقةٍ مع كفيلهنّ الذي يسمح لهنّ بحرية تنقلٍ أكبر. ولذلك، فلمعظم أولئك النساء تاريخٌ من العمل في مجال تنظيم الجالية قبل تأسيس النقابة.
مولد نقابة
عندما نتحدث عن عاملات المنازل في سياق هذا البحث، فنحن نشير إلى النساء، وغالبيتهنّ العظمى من المهاجرات. تعاني عاملات المنازل المهاجرات من ثلاثة وجوهٍ للاستغلال، كمهاجرات وكنساءٍ وكعاملات. يعود عدم الاعتراف الاجتماعي بعاملات المنازل إلى واقع النظر إلى العمل المنزلي بوصفه امتداداً لدور المرأة الطبيعي. ويترافق عدم الاعتراف هذا مع تبخيسٍ متزايدٍ لهذا العمل عبر ربطه بالعرق والجنسية[11]. تجادل غوتييريز رودريغيز في أنّه "لا يُعترف إلى حدٍّ كبيرٍ في المجتمع بالقيمة التي ينتجها هذا العمل لأنّ إسناده الثقافي يتضمّن اعتباره "غير منتج" في حين أنّه تأسيسي لإنتاج القيمة، كما تُبخس قيمة قواه العاملة من خلال فرضها بوصفها عمالةً تتسم بالتأنيث والعرقية"[12]. لا تعترف نقابات العمال دائماً بهذا الفهم لمظهري التأنيث والعرقية في العمل المنزلي، وهي التي عُبئت تاريخياً بالنموذج الطبقي الرسمي (العامل الذكر الصناعي/النظامي)، وانتهجت ممارساتٍ قوموية وإقصائية تجاه المهاجرين. بالتالي، لم تنظر النقابات تاريخياً إلى عاملات المنازل بوصفهن عاملاتٍ يستحققن التنظيم. بل على العكس، فقد كنّ غير مرئيات، أو في أفضل الأحوال، نُظر إليهنّ بوصفهنّ عاملاتٍ هامشياتٍ مؤقتات في سيرورة عملٍ بخس القيمة، وبالتالي أُهمِل مجال عملهنّ.
امتاز العام 2015 بتحوّلٍ في تنظيم العاملات المهاجرات في لبنان، حيث شهد تشكيل أول نقابةٍ عمالية لعاملات المنازل في العالم العربي. تأسست النقابة نتيجةً للتعاون بين الاتحاد الوطني لنقابات العمال والمستخدمين ومنظمة العمل الدولية وكفى عنف واستغلال (وهي منظمة تعنى بحقوق المرأة) وإنسان (منظمة حقوق إنسان) ومركز مجتمع المهاجرين (وهو مركزٌ تديره حركة مناهضة العنصرية في بيروت).
غير أنّ العلاقات بين بعض هذه المجموعات تميزت بالتوترات. وقد عبّر كثيرٌ من محاورينا عن أنّ بعض المنظمات غير الحكومية تنظر إلى نفسها بوصفها "عرّابةً" لعاملات المنازل المهاجرات بما أنّ سنواتٍ كثيرةً من التعاون قد منحت المنظمات غير الحكومية الخبرة في التعامل مع هؤلاء العاملات. في هذه الأثناء، كانت نقابات العمال حديثة القدوم إلى هذا المجال وافتقرت إلى الخبرة في التعامل مع النساء المهاجرات. أمّا قيادة الاتحاد الوطني لنقابات العمال والمستخدمين، فهي تعتبر من جانبها أنّ المكان "الطبيعي" لعاملات المنازل هو في نقابات العمال وأنّ المنظمات غير الحكومية تفتقر إلى الخبرة في تنظيم العمال جماعياً بما أنّها تركّز أولاً على تقديم الخدمة الفردية. بالتالي، نجد أنّ هذه التوترات هي حصيلة التنافس على تمثيل عاملات المنازل، وهو تنافسٌ نتج في بعض الحالات عن تمويل المانحين الذي يضع تقييماً ثميناً لعاملات المنازل المهاجرات، يجب الكفاح للحصول عليه. كما أنّ ذلك يسلّط الضوء على سبل نظر مختلف الفاعلين إلى العاملات بوصفهن عاملات ونساءً ومهاجرات. ففي سياق نقابة، على سبيل المثال، يُنظر إلى العاملات المهاجرات بوصفهن عاملاتٍ أولاً، في حين تنظر إليهنّ منظمات حقوق المرأة بوصفهن نساءً مهاجرات أساساً في غالب الأحيان. وعلى الرغم من التوترات، ولدت النقابة من التعاون بين الاتحاد الوطني والمنظمات غير الحكومية ومنظمة العمل الدولية.
أُعلن عن ولادة النقابة بتاريخ 25 كانون الثاني/يناير 2015، وشارك في المؤتمر أكثر من 300 امرأة مهاجرة من أثيوبيا ونيبال وسريلانكا والسودان وأثيوبيا والفيليبين ولبنان ومدغشقر وجنوب أفريقيا وبنغلادش والسنغال. ساد شعورٌ بأنّهنّ "يصنعن التاريخ" اعتباراً من ذلك اليوم، وهي عبارةٌ سمعتُ كثيراً من العاملات يرددنها بشعورٍ ملحوظٍ بالفخر. وبالفعل، كان ذلك اليوم يوماً تاريخياً بالنسبة إلى العاملات عندما أُعلنّ عن تأسيس أول نقابة لعاملات المنازل في لبنان والمنطقة العربية. كان فخرهنّ واضحاً ونشأ شعورهنّ بأنّهنّ "يصنعن التاريخ" إلى حدٍّ كبير من تصورهنّ بأنّ ما يفعلنه يتحدى المعايير والسلطة والقانون وتصورهنّ كضحايا. كان فخرهنّ متجذراً في القوة التي شعرن بها في المطالبة الجماعية بحقوقهنّ في عملٍ ينحو إلى فرز العاملات وفردنة مشكلاتهنّ. غير أنّ أهمية ما فعلنه يكمن في واقع الأمر في أنّ النقابة أتت في وقتٍ كان يسود فيه ارتيابٌ عامٌّ بنقابات العمال وبقدرتها على قيادة التغيير في لبنان. لكن على الرغم من ذلك، فقد أعاد ما فعلته عاملات المنازل الأمل إلى اليائسين، مبرهناً على أنّ تنظيم غير المنظّم ليس ممكناً فحسب، بل هو ضرورةٌ أيضاً.
وضع نقابة عاملات المنازل في سياقها
دعمت منظمة العمل الدولية مبادرة تنظيم عاملات المنازل ضمن إطار الاتحاد الوطني لنقابات العمال والمستخدمين. ويشير تقريرٌ نشرته المنظمة في العام 2012 إلى ما يلي:
"من المتوقع أن تشارك المنظمات غير الحكومية نقابات العمال في التخطيط لبرامج ونشاطات ذات صلة وتنفيذها، حتى لو كان المقصد الوحيد من ذلك التشديد على "العاملة" ضمن عاملات المنازل. عندما تطّلع النقابات اطلاعاً كاملاً على شروط عمل وحياة عاملات المنازل، سيصبح التزامها بقضايا عاملات المنازل أثناء الحوارات الثلاثية حول العمال المهاجرين أكثر دلالةً"[13].
واقع الأمر أنّ الأجندة الشاملة لمنظمة العمل الدولية حول عاملات المنازل، على أثر تبني اتفاقية المنظمة رقم 189 حول العمل المنزلي في العام 2011، قد أبرزت الحاجة لأن تكون الاتحادات النقابية العمالية شريكةً في تنظيم عاملات المنازل، ما يفضي في نهاية المطاف إلى مفاوضات ثلاثية بين الدولة والعاملات وأرباب العمل/وكالات التشغيل. في ذلك الوقت، كانت منظمة العمل الدولية لا تزال تبحث عن اتحادٍ عماليٍّ مناسبٍ حليف في لبنان لتنفيذ المشروع. وكان الاتحاد الوطني لنقابات العمال والمستخدمين هو المرشح الوحيد، لأنّه كان الاتحاد الوحيد الراغب في التعاون. ومثلما قال أحد الموظفين في منظمة العمل الدولية: "لا تزال اتحاداتٌ عماليةٌ أخرى مثل الاتحاد العمالي العام في لبنان يعتبر عاملات المنازل خادماتٍ لا يستحققن حقوقاً عمالية"[14].
في العام 2012، قرّر الاتحاد الوطني لنقابات العمال والمستخدمين، وهو يرتبط بالحزب الشيوعي اللبناني، سحب عضويته من الاتحاد العمالي العام في لبنان، الممثل الرسمي الوحيد للعمال على مستوى الدولة. يعاني الاتحاد العمالي العام في لبنان من بيروقراطيةٍ غير فعالة، وكذلك من ندرة عدد الأعضاء بسبب تحكّم النخب المذهبية به؛ وتستخدمه هذه النخب بالتالي بوصفه أداةً في شبكتها الزبائنية الرعائية[15]. على أثر هذه الخطوة، احتاج الاتحاد الوطني لنقابات العمال والمستخدمين وأراد تأكيد وجوده كنموذجٍ بديلٍ للاتحاد العمالي العام في لبنان والتنافس على وضع الممثل الحقيقي للعمال في لبنان. كان تنظيم عاملات المنازل المهاجرات تعبيراً عن التزام الاتحاد الوطني لنقابات العمال والمستخدمين في هذا المجال.
أتى الانسحاب كردّ فعلٍ على تحالف زعامة الاتحاد العمالي العام مع لجان أرباب العمل في مواضيع حساسة مثل قانون الحد الأدنى للأجور. وكان هذا التحالف قد أدّى إلى تحديد قيمةٍ للحد الأدنى للأجور تقلّ عمّا اقترحه وزير العمل الأسبق شربل نحاس ورفض السماح بتطبيق خطة التغطية الصحية الشاملة التي اقترحها نحاس ضمن مشروعه الخاص بـ"الأجر الاجتماعي"[16]. كما أتى قرار الاتحاد الوطني لنقابات العمال والمستخدمين بالانسحاب ضمن سياقٍ محلي من الحراك العمالي المكثف ضمن القطاع غير الرسمي والرسمي والحكومي والخاص. كان عمال سبينيز، وهي سلسلةٌ من المتاجر الكبيرة، يخوضون معركة تأسيس تنظيم نقابي، في حين كان العمال المتعاقدون في شركة كهرباء لبنان ومستشفيات الحريري والجامعة اللبنانية وكازينو لبنان مضربين عن العمل للمطالبة بتثبيتهم. علاوةً على ذلك، كان المعلمون في المدارس الخاصة والحكومية، إضافةً إلى الموظفين الحكوميين، يواصلون حملةً من أجل رفع أجورهم، وأضرب عشرات الألوف منهم واحتجوا. وكان القاسم المشترك الأعظم بين هذه النضالات العمالية، علاوةً على تجربة انعدام الأمان المشتركة، افتقارهم إلى تنظيم نقابي رسمي. لقد جعل انعدام التجربة لدى العمال حراكهم ضعيفاً، ومنعهم من الحصول على كافة مطالبهم. بالتالي، أعاد انعدام فعالية الاتحاد العمالي العام وخيبة أمل العمال، علاوةً على تكثيف الاحتجاجات العمالية، فتح النقاش العام حول الحاجة إلى حركةٍ عماليةٍ ديمقراطية ومستقلة وتمثيلية. لكنّ هذا النقاش لم يكن محلياً فحسب؛ فقد جرى أيضاً على المستوى الإقليمي ضمن السياق الثوري للعام 2011 في العالم العربي.
شكّل العمال اتحاداتٍ نقابيةً مستقلةً كبديلٍ عن الاتحادات التي تقودها الدولة في مصر واليمن، ولعبت النقابات دوراً قيادياً في الانتفاضات الشعبية ضد الدكتاتوريات في تونس والبحرين. ورداً على هذه التطورات المحلية والإقليمية، أصدر الاتحاد العمالي العام تصريحاً في العشرين من كانون الأول/ديسمبر 2012 اتهم فيه "كل من يريد أن يؤسس نقابةً عماليةً مستقلةً أو يسعى إلى تفتيت وتقسيم الاتحادات العمالية والتخلي عن العمال بهدف خدمة المشروع الصهيوني بأنّه يدعو إلى الفوضى البناءة"[17]. كان جلياً للعيان أنّ الرسالة كانت موجهةً إلى منظمة العمل الدولية التي دعمت تشكيل اتحادات نقابية عمالية مستقلة وساندت النقابات القائمة في البلدان التي كان فيها أرباب العمل والدولة يشنون هجوماً قوياً على حرية تشكيل الجمعيات والحركات العمالية. في لبنان وعلى أثر انسحاب الاتحاد الوطني لنقابات العمال والمستخدمين من الاتحاد العمالي العام، عبّرت قيادة الاتحاد الوطني عن الحاجة والرغبة في العمل على إقامة حركة نقابية مستقلة وديمقراطية لتحل محل الاتحاد القائم، ولاسيما لأنّ ذلك سيسمح له باكتساب حلفاء جدد مثل منظمة العمل الدولية وتنظيمات عمالية دولية أخرى. ومثل هؤلاء الشركاء سيضمنون له ظهوراً أكبر على الساحة الدولية التي تُعدّ فيها حقوق عاملات المنازل المهاجرات جزءاً من أجندةٍ دولية أكبر. بالتالي، وضمن سياق الأحداث المحلية والإقليمية والدولية، ومع تقاطع الأجندات المتعارضة والمتواطئة الخاصة بالفاعلين المحليين والدوليين، تأسست النقابة العمالية الخاصة بعاملات المنازل.
تحدي سلطة الدولة
نظّم العمال المهاجرون، بمن فيهم عاملات المنازل، أنفسهم ضمن خطوطٍ جماعاتية وأرادوا تعزيز جالياتهم عبر تمكين أعضائها ودعمهم، وعبر حشد الأخلاقيات الثقافية والدينية والقومية. وبصورةٍ أكثر تحديداً، هدف هذا التنظيم الجماعاتي إلى الحفاظ على ثقافات الجاليات المهاجرة وتنميتها، وعمل كشبكةٍ داعمةٍ لعاملات المنازل، ولاسيما أولاء اللواتي عانين من شروط عملٍ بائسة.
تحدّث كثيرٌ من المحاورات عن هرب عاملات المنازل اللواتي بحثن عن الدعم والمساعدة لدى هروبهن من شروط العمل الصعبة. وقد استقبلهنّ مؤقتاً بعض الأعضاء في منازلهم وساعدوهنّ على العثور على عملٍ آخر والتواصل مع كفيلٍ جديد. في حالات احتجاز الأمن العام لعاملات المنازل الهاربات، كان أعضاء الجالية يجمعون المال من بعضهم بعضاً بهدف شراء بطاقة طائرة للمحتجزة كي تعود إلى بلادها. على سبيل المثال، أتت مرغريت، وهي عضوٌ في النقابة من الكاميرون، إلى لبنان لأول مرةٍ في العام 1999. آنذاك، كانت مجموعةٌ صغيرةٌ من الكاميرونيات يعقدن لقاءً شهرياً في يوم أحدٍ في كنيسة صغيرة تقع في الدكوانة. بعد لقاء عاملة منازل كاميرونية حدّثتها عن تلك اللقاءات، بدأت مرغريت تحضرها وتدعم المجموعة وباتت لاحقاً زعيمتها. قالت في معرض تعليقها على قصتها:
"كنا نتحدث بصورة أساسية عن مشكلاتنا في العمل. كنا نشتكي ونتشارك ما يحدث لنا أثناء الشهر المنصرم. كانت تلك وسيلةً نهرب فيها مؤقتاً من عملنا. كنت أسعد كثيراً عندما يأتي موعد لقاء الأحد. فكنت أحضّر ليلة السبت الحذاء والملابس التي سأرتديها في اليوم التالي وأضعها قربي على السرير. كنت أنتظر أن يرنّ المنبّه كي [أتمكن من] الاستيقاظ وأذهب للقاء صديقاتي. كنت أنتظر ذلك اليوم كل شهر. كان ذلك بالغ الأهمية بالنسبة لي"[18].
مثلما يظهِر سرد مرغريت، زوّدت لقاءات الجالية هذه النساء المهاجرات بفرصة التجمع ومناقشة الأحداث المهمة في حياتهن، وخلقت بالتالي شبكات تواصلٍ ذات دلالة. نادراً ما كانت الدولة اللبنانية تعتبر تجمعات المهاجرين تهديداً؛ نادراً ما حاولت تفريق تلك الجاليات، كما أنّ هذه الأخيرة لم تقدّم نفسها على صورةٍ احتجاجيةٍ ولم تتحدَّ السياسات التمييزية التي تؤثّر في العاملين المهاجرين. غير أنّ هذا لا يعني أنّ لقاءات الجاليات كانت فضاءاتٍ غير سياسية، بل إنّها تسيّست بمعنى أنّها سعت لبناء التضامن بين أعضاء الجالية. التضامن فعلٌ سياسي، لا يهدف بالضرورة إلى تحدي الدولة، بل يهدف بالأحرى إلى تشكيل أساليب جديدة للمخالطة والتفاعلات الاجتماعية ضمن مجتمعٍ محلي معين. غير أنّ هذه الفضاءات المجتمعية كانت أول هيئاتٍ للتسييس بالنسبة إلى كثيرٍ من عاملات المنازل المهاجرات مثل مرغريت التي أصبحت زعيمةً مجتمعيةً وناشطةً نقابيةً لاحقاً. لقد خلقت سبلاً جديدةً للوصول والتحشيد، ووفرت أرضياتٍ لبروز مواضيع سياسية جديدة.
لكن عندما أصبح تنظيم العاملات سياسياً بوضوح باتخاذه شكل نقابة عمالية لعاملات المنازل، سارعت الحكومة ـ عبر وزير العمل ـ إلى إعلان أنّ هذا الشكل من التنظيم غير قانوني وغير مشروع. عشية إطلاق النقابة العمالية بتاريخ 25 كانون الثاني/يناير 2015، هدّد وزير العمل سجعان قزّي موظفي منظمة العمل الدولية الداعمة لنقابة عاملات المنازل معلناً بأنّ أفعالهم تعدّ انتهاكاً للسيادة اللبنانية ولقوانينها. كما هدّد بإرسال الشرطة لمنع مؤتمر النقابة من الانعقاد. بيد أنّ زعامة الاتحاد الوطني لنقابات العمال والمستخدمين أصرّت على عقد المؤتمر على الرغم من تلك التهديدات، مستغلّةً وجود ودعم منظمة العمل الدولية والاتحاد الدولي لنقابات العمال والاتحاد الدولي لعاملات المنازل ومنظمة العمل العربية، علاوةً على الدعم المحلي من مختلف المنظمات غير الحكومية المعنية بحقوق الإنسان. وقد شكّل حضور مندوبي تلك المنظمات حمايةً لعاملات المنازل المهاجرات ومنع في نهاية المطاف نوايا الوزير في حظر المؤتمر، ما كان سيؤدي إلى "ضجة" دولية. تسلّح وزير العمل لمحاربة النقابة بقانون العمل الذي يحصر تأسيس النقابات بالمواطنين اللبنانيين ويستثني صراحةً عاملات المنازل من حمايته. غير أنّ نقابة عاملات المنازل، لتتوافق مع القانون، شكّلت لجنةً ضمن "الاتحاد العام لعاملي النظافة والرعاية الاجتماعية"، ضمّت مواطنين لبنانيين وقدّمت طلباً رسمياً لوزارة العمل بهدف الحصول على ترخيص. وفي حين لم يحضر ممثلون عن وزارة العمل مؤتمر العاملات، فقد حضره ممثلٌ عن الأمن العام اللبناني. وكان حضور هذا الأخير، بالترافق مع غياب الأول، رسالةً موجّهةً إلى النقابيات بأنّ الطرف الوحيد الذي سيتعامل أساساً مع العاملات المهاجرات هو الأمن العام. وفي حال تمّت أي مبادرة تخص المهاجرين، فيجب أن تكون برعايةٍ مباشرةٍ من الأمن العام، أو "يد الدولة الضاربة"، بتعبير آجييه[19]. تشكّل إدارة الدولة للعمال المهاجرين عبر الأمن العام بدل وزارة العمل الحدَّ الفاصل بين العامل المحلي والعامل المهاجر. إذ إنّ عدم استحقاق العمال المهاجرين للحقوق الاجتماعية والسياسية، وكذلك استبعادهم من القوانين التي تحكم العمال المحليين، يجعلانهم مهاجرين مؤقتين يعانون حالة استثناءٍ دائمة. ضمن هذا السياق، يجب النظر إلى جهود الاتحاد الوطني لنقابات العمال والمستخدمين التنظيمية مع عاملات المنازل المهاجرات بوصفه تحدياً لهذه السياسات الإقصائية والخطابات العنصرية بشأن الهجرة، وكنضالٍ ضد التفرقة العنصرية والمستندة إلى النوع الاجتماعي في سوق العمل. لكن على الرغم من هذه الجهود، فإنّ الاتحاد يتبنى هو أيضاً خطاباً وسياساتٍ يغلب عليها الالتباس تجاه أولاء المهاجرات، تستحق مزيداً من الاستكشاف.
سياسات الاتحاد الوطني لنقابات العمال والمستخدمين الملتبسة تجاه المهاجرين
على الرغم من تزايد عدد العمال المهاجرين، تواصل النقابات العمالية في لبنان نشر خطابٍ يتمركز حول العمال المحليين. غير أنّ هذه الظاهرة لا تقتصر على النقابات العمالية اللبنانية؛ إذ تمتدّ جذورها إلى الإيديولوجيا المسيطرة التي تتبناها البلدان في حقبات ما بعد الاستعمار والتي تحابي سوقاً محليةً تضمن الاكتفاء الذاتي وصناعةً محليةً قويةً وقوة عملٍ محلية. وهذا هو السبب في أنّه على الرغم من مواصلة النقابات العمالية المؤسسة بموجب اللوائح المحلية العمل على الخطوط عينها، فإنّها تربط حقوق العضوية بالجنسية. حتى الآن، لا يعالج خطاب النقابات العمالية تطور حراك العمال العابرين للقوميات، وسياسات السوق المفتوحة التي جلبت عدداً كبيراً من العاملين المهاجرين إلى البلد. غالباً ما يُذكر هؤلاء العمال بوصفهم سبباً لتدهور شروط العمال المحليين الاقتصادية. على سبيل المثال، ومع تزايد عدد اللاجئين والعمال السوريين، تتوافق النقابات العمالية اليمينية واليسارية على تكرار دعوة الحكومة اللبنانية ووزارة العمل إلى التدخل بهدف وضع حدٍّ لـ"المنافسة" بين العمال اللبنانيين والمهاجرين ولحماية العمال اللبنانيين. يمثّل هذا الخطاب المناهض للهجرة استراتيجيةً لأولئك الذين يحكمون العمالة ويصوغ كذلك مقاربةً قومويةً للنقابات العمالية في حين يتهم الطبقة العاملة المهاجرة بأنّها تخفض معايير معيشة المواطنين.
على الرغم من أنّ الاتحاد الوطني لنقابات العمال والمستخدمين بادر إلى تنظيم عاملات المنازل المهاجرات وقام بمراجعةٍ للوائحه وهياكله الداخلية لجعلها قابلةً لضمّ العمال المهاجرين عبر منحهم الحقوق عينها التي يتمتع بها العمال اللبنانيون، فإنّ سياسات هذا الاتحاد وخطابه حول المهاجرين ظلّ ملتبساً. لقد منحت المراجعات التي قام بها وناقشها وصوّت عليها وأقرّها في جمعيته العمومية في العام 2015 المهاجرين الحق في الانضمام إلى نقاباته والتصويت فيها والترشح للانتخاب على مستوى مجالس الاتحاد التمثيلية. غير أنّ هذه الإصلاحات الداخلية تترافق مع خطابٍ عامٍّ للاتحاد، يعدّ العامل المهاجر مزاحماً غير شرعي للعامل اللبناني. إذ إنّ تصريحات الاتحاد الوطني العلنية تعارض الهجرة غير الشرعية بدلاً من شجب استغلال أرباب العمل. على سبيل المثال، صدرت عشرات التصريحات بين العامين 2014 و2015 عن النقابات المندرجة في إطار الاتحاد، دعا كثيرٌ منها وزارة العمل للتدخل ووضع حدٍّ للمزاحمة غير الشرعية بين المهاجرين واللبنانيين. إضافةً إلى ذلك، دعت النقابات إلى وضع حدٍّ لتدفق الهجرة غير الشرعية إلى البلاد، وهو أمرٌ كان يتم في معظم الأحيان عبر سوريا قبل العام 2011 بالنسبة إلى المهاجرين العرب. على سبيل المثال، وبتاريخ 22 كانون الأول/ديسمبر 2014، أصدر المجلس التنفيذي لنقابة عمال الأفران في بيروت وجبل لبنان (التابع للاتحاد الوطني لنقابات العمال والمستخدمين) تصريحاً تضمّن ما يلي:
"تم التداول في الوضع الاجتماعي والاقتصادي المتردي في البلاد وانعكاساتها على عمال المخابز والأفران الذين يعانون الأمرّين من مزاحمة اليد العاملة الأجنبية، ومن ثم العاملة النازحة [السورية] التي أصبحت تشكل عبءاً على جميع فئات العمال. لذلك، ندعو وزارة العمل وجميع المعنيين لوضع حدٍّ لهذه التجاوزات وحماية اليد العاملة اللبنانية"[20].
لكن يبقى سؤال: لماذا ينظّم الاتحاد الوطني لنقابات العمال والمستخدمين المهاجرات في العمل المنزلي إن كان ينظر إلى العمال المهاجرين بوصفهم تهديداً أو مزاحمةً لقوة العمل المحلية؟ إنّ المهاجرات في العمل المنزلي لا يشكّلن حقاً "مزاحمةً" لعاملات المنازل المحليات. فالمهاجرات في هذا القطاع يتجاوزن في عددهن اللبنانيات اللواتي لا يرين في العمل المنزلي عملاً جذاباً لأسبابٍ عديدة، من بينها "العار الاجتماعي"[21] وانخفاض قيمته وأجره.
علاوةً على ذلك، أصبح موضوع عاملات الخدمة المنزلية المهاجرات تحديداً جزءاً من الأجندة الإنسانية الدولية. هذه الأجندة إشكاليةٌ لأنّها تفردن تجارب العاملات المهاجرات بوصفها فريدةً واستثنائيةً من بين تجارب الطبقة العاملة وضمن سياق النيوليبرالية[22]. توجَّه الأموال غالباً إلى الشركاء المحليين من أجل مشاريع تخصّ حصراً عاملات المنازل المهاجرات. وباتت شروط أولئك العاملات تحذف من النقاش الأوسع المتعلق بالعوامل الهيكلية التي تؤدي إلى هجرة اليد العاملة عبر الحدود. ويجعل هذا الانفصال موضوع استغلال عاملات المنازل المهاجرات موضوع تدخّلٍ إنساني يسعى إلى إنقاذ العاملات وتصحيح شروط عملهنّ الجائرة من دون تصحيحٍ مزامنٍ للنظام الذي خلق هذا الظلم وسمح به. إنّ إقحام النقابات العمالية في هذا المنطق هو جزئياً نتيجةٌ لنزع السمة السياسية عن الحركة العمالية، تدريجياً لكن بثبات، لصالح ضروب المنطق التي تديرها المنظمات غير الحكومية، في حين تحلّ "ضروب منطقٍ إدارية" محل السياسات التحريضية[23]. وعلى الرغم من مبادرة الاتحاد الوطني لنقابات العمال والمستخدمين لتنظيم المهاجرات في العمل المنزلي، فإنّه مع النقابات المنضمة إليه لم يقم بنقاشٍ استراتيجي حول كيفية تنظيم العمال المهاجرين. ويبدو موضوع تنظيم عاملات المنازل المهاجرات معزولاً في غياب استراتيجيةٍ واعيةٍ لتوظيف المهاجرين والعمال غير الشرعيين وتنظيمهم.
سياسات المشاعر: العار والفخر والشفقة
خلافاً للاعتقاد الشعبي، فإنّ نقابة عاملات المنازل لا تخصّ المهاجرين فحسب، كما أنّها لا تحدّد جنسية أعضائها. فالنقابة مفتوحةٌ للمواطنين اللبنانيين بقدر ما هي مفتوحةٌ للنساء والرجال المهاجرين في مجال العمل المنزلي. لكن منذ بداية سيرورة تأسيس النقابة، بدا أنّ المنظّمين يركّزون فحسب على المهاجرين من ذوي الأصول الأفريقية والآسيوية. ولا تزال عاملات المنازل اللبنانيات والسوريات والفلسطينيات يخشين الوصول إلى النقابة ولا يتم النظر إليهنّ بوصفهنّ "مجموعةً مستهدفة" للضمّ والوصول إليها، ما يفسّر لماذا تشكّل المهاجرات أكبر مكوّنٍ في النقابة. ما من شكٍّ في أنّ تنظيم عاملات المنازل المهاجرات أمرٌ أكثر سهولةً بما أنّهنّ شكّلن، كما ناقشنا أعلاه، شبكاتٍ مجتمعيةً وثمة مواقع وأماكن معينة يعشن فيها ويعملن ويتجمّعن ويلتقين في أيام العطلة (كنائس وأسواق ومراكز مجتمعية ونشاطات تنظّمها المنظّمات غير الحكومية). لا توجد مثل هذه الشبكات المجتمعية لعاملات المنازل المحليات، وبالتالي، فإنّ التقرب منهنّ لن يكون سهلاً كما في حالة النساء المهاجرات. وقد دفع الإشراك المتزايد للنساء من أصولٍ آسيويةٍ وأفريقيةٍ في العمل المنزلي المأجور النساء اللبنانيات لتفضيل العمل كنادلاتٍ أو عاملات نظافة في المكاتب بدلاً من العمل في المنازل، وفق كاسترو عبد الله، رئيس الاتحاد الوطني. ومن الجدير بالملاحظة أنّ الأمر يشير أيضاً إلى التقسيم العنصري الصارم في العمل الخاص بالنوع الاجتماعي. وعلى الرغم من حقيقة أنّ عدد النساء المهاجرات يفوق عدد اللبنانيات والسوريات والفلسطينيات، فهنّ يواصلن العمل في هذا القطاع. بيد أنّ العار الاجتماعي الذي يصم العمل في بيوت الآخرين، وهو أمرٌ تتشارك به عاملات المنازل المحليات، يعارض شعور الفخر لدى النقابيات المهاجرات تجاه عملهن. إنّ الفخر والمطالب التالية بالاعتراف بالعمل المنزلي كعمل من طرف عاملات المنازل المهاجرات يقوم مقام دافعٍ سياسي في تشغيلهنّ وتنظيمهنّ وتعبئتهنّ، في حين لا يشكّل الشعور بالعار الذي تعاني منه النساء من أصلٍ عربيٍّ أساساً دافعاً للتحرك السياسي. لكن وفي غياب استراتيجيةٍ نقابيةٍ للتقرب من عاملات المنازل المحليات، لا يمكن تحويل هذا العار الاقتصادي المعنوي إلى فخرٍ يمكن أن يدفع تنظيماً قاعدياً نحو تحدّي المعايير السياسية. يمكن أن تغيّر مثل هذه الاستراتيجية الاستجابات الاجتماعية لسمات الوصم المرتبطة بالعمل المنزلي المأجور، وفي تعريفها كذلك. واقع الأمر أنّ كثيراً من الحركات الاجتماعية تبني على أساسٍ عاطفي وتستعمله لتعبئة المشاركين ودفعهم إلى الفعل الجماعي، ما يؤدّي في المقابل إلى الفخر والتضامن. إضافةً إلى ذلك، تترتب على مسؤولية الاتحاد عن عدم التواصل بين عاملات المنازل المهاجرات والمحليات تداعياتٌ في طريقة تصوّر حفنةٍ من النقابيات اللبنانيات لأنفسهنّ وللمهاجرات في خطابهنّ. في الواقع، شجّعت قيادة الاتحاد الوطني لنقابات العمال والمستخدمين ثلاث نساءٍ لبنانيات ـ إحداهنّ تعمل كطبّاخةٍ منزلية والثانية كعاملة تنظيف في مكتب والثالثة كمحاسبة في شركة خاصة ـ على الانضمام إلى نقابة عاملات المنازل، فشققن طريقهنّ في نهاية المطاف إلى مجلسها التنفيذي المكوّن من 12 امرأة. وبما أنّ النقابة تحتاج إلى عضويةٍ لبنانية للحصول على ترخيصٍ من وزارة العمل، فإنّ اللبنانيات اللواتي قدّمن أوراقهنّ للوزارة بهدف الحصول على الترخيص أصبحن "الحاميات" القانونيات لعضوات النقابة تجاه الدولة. على سبيل المثال، انتخبت الهيئة العامة للنقابة نسرين، وهي لبنانيةٌ تبلغ من العمر 36 عاماً وتعمل في مجال المحاسبة، رئيسةً لها على الرغم من أنّها لم تكن قد انخرطت قبل ذلك في نشاطاتٍ نقابية. انضمت إلى الاتحاد الوطني لنقابات العمال والمستخدمين في العام 2014 عن طريق حملته الوطنية حول الحق في السكن. وصفت نسرين مشاعرها بخصوص نضالات عاملات المنازل المهاجرات على النحو التالي:
"لقد شجّعتُ فكرة تأسيس نقابةٍ لعاملات المنازل كي يتخلّصن من استعبادهنّ. أشعر بالشفقة تجاههن. أصبح لديهنّ الآن نقابة كي يعلمن بأنّهنّ [النساء المهاجرات] مثلنا. لديهنّ الحقوق عينها التي لدينا نحن العاملات في الشركات الخاصة. في بيت أسرتي، نستخدم عاملةً منزليةً من بنغلادش. أنا أشعر بالحماسة تجاه مشاركتها على الدوام بما أفعله وبما نفعله في النقابة من أجلهن. هي تحبّ ذلك بل إنها أخبرت أسرتها في بنغلادش عنه. أريد من النقابة أن تحقّق المطالب التي رفعتها عاملات المنازل للحصول على شيءٍ ما لهنّ، كي [لا] يكنّ خائفاتٍ من أرباب عملهنّ ومن مكاتب التشغيل عندما يأتين للعمل. نريد اجتذابهنّ لفكرة أنّنا كلبنانيات نقف إلى جانبهنّ وسوف نحصل لهنّ [على حقوقهن]، لكن عليهنّ أن يكنّ جيّداتٍ معنا أيضاً. لقد سبق لي العمل مع مكتب توظيف خادمات وأزعجتني طريقة تعامل صاحبها معهنّ"[24].
يعكس خطاب نسرين الذي يتّسم بالشفقة طريقة موضعة نفسها ضمن العلاقة مع عاملات المنازل المهاجرات. وهي تحيل إلى تجربة عاملات المنازل عبر موقعها الأفضل نسبياً كعاملةٍ كانت في الماضي تعمل في شركة خاصة بعقدٍ يضمن لها الحصول على الحد الأدنى للأجور وعلى الضمان الاجتماعي والصحي ـ وهي حقوقٌ أساسيةٌ لا يتمتع بها المهاجرون. كما أنها تتحدث من موقعها الاجتماعي كمواطنة لبنانية وكربّة عمل لعاملة منزليةٍ مهاجرة، ما يؤثّر في مزاعمها: أثناء تحدّثها بإسم المهاجرات، يرتسم خطّ تمييزٍ بين "نحن" و"هنّ". تكمن المشكلة في هذا التمييز، علاوةً على أنّه يعيد إنتاج الخطاب المهيمن حول الهجرة، في أنّه يجعل العامل المهاجر مختلفاً اختلافاً ملحوظاً عن اللبناني. حلّ خطابٌ مفاده أنّ وجود عاملات المنازل اللبنانيات في النقابة هو لإنقاذ الأخريات محلّ موضوع تبادل خبرات العمل بين عاملات المنازل اللبنانيات والمهاجرات. غير أنّ المرء يحتاج إلى الرجوع خطوةً إلى الوراء والبحث المتعمّق في لغة الشفقة.
على سبيل المثال، تجادل أرادو[25] في أنّ ما تدعوه "سياسات الشفقة" يمكن في بعض الحالات أن يخلق قواسم مشتركة ويتحدى النظام الاجتماعي القائم الذي تسبب في المعاناة. في هذا الإطار، تعمل الشفقة بوصفها "تقنيةً مناهضةً للحكومة تهتمّ بالانعتاق من أنظمةٍ معينة للسلطة". غير أنّ أرادو تحذّر من أنّ الشفقة والمشاعر الأخرى تُبنى وتُصاغ اجتماعياً على يد المؤسسات الاجتماعية وعلاقات القوة. وهذا واضحٌ في كيفية اشتراط نسرين لتعاطفها مع المهاجرين مقابل "أن يكونوا جيدين معنا"، أي مقابل أن يفعلوا ما نطلبه منهم.
علاوةً على ذلك، يوجد حدٌّ هنا لتضامن نسرين. يعود التضامن لفهمٍ مفاده أنّ مصالح المرء ومصالح الأعضاء الآخرين في الجماعة السياسية عينها تتوافق طالما يقيم المرء في الفضاءات السياسية المشتركة معهم ويقتضي الأمر شعوراً بالتماهي مع الآخرين. غير أنّ نسرين هي نفسها ربة عمل عاملة منزلية، فلا يمكن أن يتعدى تضامنها السياسي لغة الشفقة. في هذا السياق، لا يعمل شعورها بالشفقة كأساسٍ من أجل "الانعتاق من أنظمة السلطة"[26]، بل هو متجذّرٌ في علاقات القوة التي تهيكل تلاقيها مع عاملة المنزل البنغلاديشية التي تعمل لديها. وبالتالي، يتعارض الموقع الذي تحتله كزعيمةٍ لنقابة عاملات المنازل تعارضاً كبيراً مع موقعها بوصفها ربة عمل عاملةٍ منزلية. لكنّ التركيز على خطابها لا يتضمن أنّ الممارسات المتّبعة تعود إلى خيارات فردية، بل أنّها بالأحرى تبنى اجتماعياً. في الحقيقة، "سياسات الشفقة" هي نتاج مقاربة وموقع أبويين تجاه عاملات المنازل المهاجرات، يتبناهما كثيرٌ من المروجين للمشروع. وهذه السياسات متجذّرة في إطار وصف أولئك العاملات بالضحايا، وهو وصفٌ دافعت عنه المنظمات غير الحكومية ومارسته طيلة سنوات. كما أنّها جزءٌ من نظام حقوق الإنسان العالمي حول الهجرة. يساهم خطاب وصف العاملات بالضحايا في تشكيل عاملات المنازل المهاجرات بوصفهنّ مجرد أهدافٍ لسلطة الدولة والسوق النيوليبرالية وأنظمة الهجرة. لقد عكست باند هذا الموضوع فجادلت بأنّ خطاب الضحية ينتج فئةً من العمالة تدفع العمال إلى الطاعة:
"إنّ توسيع حقوق الإنسان لتطال عاملات المنازل المهاجرات على أساس هشاشتهنّ المهيمنة يحدّ من قدرة العاملات السياسية على مقاومة الاستغلال والانتهاكات، وتشكيل التحالفات، والنضال من أجل حقوقهنّ. ومثل هذه المطالب القادمة من طرفٍ ثالث والمستندة إلى أرضياتٍ إنسانية تخفي النضالات القوية التي تنظّمها العاملات أنفسهنّ وتقلّل من قيمتها"[27].
أخيراً، يُظهِر ترؤّس امرأةٍ لبنانيةٍ لنقابةٍ يتكوّن معظم أعضائها من العاملات المهاجرات تحرّك السلطة المزدوج. فعلى المستوى الأول، لا تسمح الدولة، عبر قوانينها ولوائحها، للناشطات المهاجرات بممارسة نشاطهنّ بكامل قوته وبتشكيل نقاباتٍ بأنفسهنّ. سلطة الدولة موجودةٌ باستمرارٍ لفرض نفسها من الخارج. يجب على العاملات أن يجعلن وضعهن قانونياً في النقابة عبر قيادةٍ رسميةٍ لبنانيةٍ لا تشاركهن بالضرورة معرفتهن وتاريخهن السياسي في التنظيم أو شروط العمل كعاملات منازل. في الوقت عينه، هذه الاستراتيجية هي الخيار الوحيد المتاح لمقاومة رفض الحكومة لنقابة العاملات المهاجرات، وحماية عضواتها المهاجرات في نهاية المطاف من أي أفعالٍ اعتباطيةٍ تقوم بها الدولة.
إعادة التوزيع لا تكفي
تتضمن مساعدة الاتحاد الوطني لنقابات العمال والمستخدمين في تنظيم عاملات المنازل الخوض في مجموعتين متمايزتين من القضايا. تصبّ المجموعة الأولى في الاهتمامات "المعيارية" للنقابات العمالية – كالتفاوض الجماعي لتأمين حق العاملات المنزليات في يوم إجازة، والاعتراف الرسمي بالعمل المنزلي في قانون العمل، وحصول العاملات على الحد الأدنى للأجور، وإنهاء نظام الكفالة ـ وهي كافةً تقع ضمن ما تطلق عليه فريزر[28] تسمية مطالب "إعادة التوزيع". بعباراتٍ أخرى، هذه اهتماماتٌ تصدر عن ضروب الظلم الاجتماعي – الاقتصادي التي تواجهها عاملات المنازل المهاجرات. وقد رفعت العاملات هذه المطالب أثناء مؤتمرهنّ، كما أشار إليها كثيرٌ من محاوريّ. رفعت العاملات مطلب الحق في التنقل وفي شروط العمل اللائقة، بغضّ النظر عن جنسيتهن. أمّا المجموعة الثانية من القضايا التي ترى زعامة الاتحاد الوطني لنقابات العمال والمستخدمين أنّه من الصعوبة بمكانٍ التعامل معها، فهي التقييدات المرتبطة بالنوع الاجتماعي والمشكلات التي تعاني منها العاملات في حياتهنّ اليومية، كالعنف الجنسي. تواصل قيادة الاتحاد النظر إلى هذه القضايا بوصفها خارج مجال تدخّلها وضمن مجال خبرة مجموعات حقوق المرأة. مع الزيادة المفاجئة في عدد عضوات نقابة عاملات المنازل، تكافح قيادة الاتحاد الوطني لمعالجة حالاتٍ من الانتهاك الجنسي، بما أنّ عدم المعرفة وغياب الآليات الداخلية للتعامل مع مثل هذه القضايا يبقيان تحدّياً. وفي ظلّ البنية الراهنة للاتحاد، ليست هنالك هيئاتٌ مختصة بقضايا النوع الاجتماعي تستطيع النساء طلب دعمها. وقد فصّل كاسترو عبد الله، رئيس الاتحاد الوطني لنقابات العمال والمستخدمين، كيف تعامل شخصياً مع حالة عاملةٍ منزليةٍ اغتصبها ربّ عملها وطلبت من عبد الله المساعدة. قال ما يلي:
"قبل ساعتين، أتت لمقابلتي عاملةٌ من بنغلادش. وكانت قد أتت قبل أربعة أشهر، بعد أن اغتصبها رب عملها. لقد تمتعت بالشجاعة لتحدثني عن الأمر. وقد عادت اليوم، فقلت لها: يجب أن ترفعي دعوى ضدّه. لكنّها خائفة من مواجهته".
وتابع إخباري عن قضيةٍ أخرى:
"قبل بضعة أشهر، أتت لمقابلتي عاملةٌ منزليةٌ تتحدث الفرنسية. وبالصدفة، كان ربيع موجوداً، وهو يعمل في منظمة العمل الدولية، فترجم [...] ما كانت تقوله. كانت منهارةً. تحدثتُ إليها وحاولت [تشجيعها] على الكلام: "ما الذي كان [ربّ العمل] يفعله بك؟ هل أمسك بيدك؟" يبدو أنها لم تقاومه كثيراً. كانت أضعف في الليل حين اقترب منها. تضايقت عندما بدأ يرغمها على استخدام فمها. قلت لها، ‘لا أبالي، سوف نتقدّم بشكوى قانونية’ وأخبرتها بأنّ الاتحاد سيدفع التكاليف. سألتها إن [كان] هنالك أي دليلٍ على اغتصابها، فأجابت بأنّه اغتصبها آخر مرةٍ قبل أسبوع. أخبرتني بأنّها لا تستطيع نسيان ذلك. لا تستطيع النوم والامتناع عن لوم نفسها. قبل ذلك، كانت تقبل ممارسة الجنس معه، لكن عندما أصبح الجنس فموياً، أعتقد أنّها لم تعد تريده. وهنالك حالاتٌ عديدةٌ مشابهة، لكنّ النساء يرفضن التقدم بشكوى قانونية"[29].
تكشف كلمات عبد الله عن عددٍ من المشكلات. أولاً، لا تستطيع العاملة التي تأتي للشكوى بصدد عنفٍ جنسي الحديث إلّا مع رجل. في هذه الأثناء، ليست لدى المجلس التنفيذي لنقابة عاملات المنازل بعدُ القدرة على التعامل مع حالاتٍ فردية. ثانياً، يجب على المرأة إثبات أنّها تعرّضت للاغتصاب، كما أنّه يجب تفحّص مقاومتها. ثالثاً، لا يحترم السياق الذي يُعرَض فيه عليها التحدث عن تجربتها حاجتها المحددة لإغفال الهوية والخصوصية: "كان ربيع هنا بالصدفة ليترجم". لا نعلم إن كانت المرأة موافقةً على وجود غريبٍ ذكرٍ آخر يترجم مثل هذه التجربة الشخصية. رابعاً، لا يتاح للمرأة إلّا خيارٌ وحيد: تقديم شكوى قانونية. خامساً، عبّر عبد الله عن دهشته لرفض المرأة تقديم شكوى قانونية؛ وبذلك، فهو لم يتجاهل فهم المرأة لهشاشتها الجنسية فحسب، بل قلّل كذلك من المخاطر التي تواجهها المرأة التي تتقدم بفعلٍ قانوني ضد من انتهكها جنسياً. وهذا يدلّ على جهلٍ بالتأثير العميق للعنصرية الممأسسة وللتحيّز الجنسي والتحيّز الطبقي في النظام القضائي في ما يخصّ النساء عموماً والعاملات المهاجرات خصوصاً. علاوةً على ذلك، هو يستخفّ بالموقع المهيمن الذي يحتلّه المغتصِب المزعوم، بوصفه ربّ عملٍ لبنانياً ذكراً، على عاملته المنزلية.
وجدت دراسةٌ أجرتها منظمة العمل الدولية ومركز الأجانب في كاريتاس لبنان في العام 2014 أنّ وصول عاملات المنازل المهاجرات إلى النظام العدلي بالغ الصعوبة[30]. تشير الدراسة إلى كيفية فعل العنصرية والتفرقة الطبقية والهيمنة الذكورية في نظامٍ قانونيٍ ومقبولٍ اجتماعياً يستبعد المهاجرين والعاملات من الوصول إلى حقوقهم الأساسية. غير أنّ الموضوع المشار إليه هنا لا يقتصر على الاتحاد الوطني لنقابات العمال والمستخدمين. إذ إنّ الرجال يهيمنون باستمرارٍ على النقابات العمالية في حين تبقى النساء ناقصات التمثيل في نشاطات كافّة النقابات العمالية في لبنان وقياداتها. على سبيل المثال ومن بين 100 ممثلٍ عن الاتحادات الخمسين للنقابات العمالية في المجلس التنفيذي للاتحاد العمالي العام في لبنان، توجد امرأةٌ واحدة. فقد أعاقت مجموعةٌ من التحديات الداخلية المتصلة بالنقابات نفسها مشاركة العاملات وتنظيمهنّ وتمثيلهن. إن الثقافة الذكورية المهيمنة في النقابات الرئيسية تجعل من السهولة بمكانٍ إغفال القضايا الخاصة بالمرأة. بالتالي، تحتاج النقابات العمالية إلى دمج سياسات إعادة التوزيع مع سياسات مناهضة العنصرية والتفرقة الجنسية ـ وهي سياساتٌ متشابكة ولا يمكن الفصل في ما بينها ـ بما أنّها مكوّناتٌ أساسيةٌ في حياة عاملات المنازل المهاجرات. تهتمّ العاملات بالعدالة الاجتماعية وإعادة التوزيع بقدر ما يهتممن بالعدالة الخاصة بالنوع الاجتماعي والكرامة. بهذا المعنى، لا يستطيع الاتحاد الوطني لنقابات العمال والمستخدمين اختيار التعامل مع مظهرٍ لعملهنّ وإهمال المظهر الآخر، بما أنّهما يشكّلان خبرة العمل لدى العاملات. وفي حال لم يفعل، فسوف تكون العاملات ضحايا مرّتين: ضحايا لمن يستغلون عملهنّ وضحايا لمن يتنطعون للدفاع عنهنّ.
فضلاً عن ذلك، من المثير للاهتمام بالقدر عينه أن نرى كيف يعيد خطاب مختلف الفاعلين النقابيين إنتاج علاقات قوةٍ غير متساوية. ففي يوم انعقاد مؤتمر النقابة العمالية وبعد الإجراءات الرسمية، أُقيم احتفالٌ صغيرٌ قدّمت فيه ناشطاتٌ هدايا رمزيةً للداعمين النشيطين لنقابة عاملات المنازل. وعندما أتى دور عبد الله لتلقّي الهدية، بدأ عشراتٌ من عضوات النقابة يوجّهن إليه التحية عبر إطلاق لقب "بابا" عليه، وتبع ذلك تصفيقٌ طويل. بعد هذا المشهد، أصبحتُ أكثر تآلفاً مع اللغة التي تستخدمها قيادة النقابة والعاملات في التوجه إلى بعضهم بعضاً. على سبيل المثال، وفي مناسباتٍ عديدة، يطلق عبد الله على النساء تسمية "البنات" وهي جمع كلمة بنت التي تعني "فتاة" وأحياناً يمكن أن تحيل إلى "الإبنة". وقد برّرت محادثتي الكاميرونية النقابية هذا الأمر كما يلي:
"لطالما تحدّثنا إلى عبد الله بوصفه بابا لأنّه يظهِر الاحترام؛ والاحترام بالنسبة إلينا أمرٌ صارم [...] لا أستطيع السماح لنفسي بأن أكون بمستواه. هو رئيس الاتحاد. أفكّر في نفسي: هو المؤسّس. لكنني أيضاً لست أدنى منه. نحن رفيقان. أنا لست... كيف أشرح ذلك؟ أنا أحترم... لديّ احترامٌ له"[31].
من الشائع في لبنان أن نسمع أرباب العمل يتحدثون عن عاملات المنازل لديهن بوصفهنّ "بنات". من جانبها، من المتوقّع أن تتوجّه العاملة إلى ربّي عملها بتسمية "بابا" و"ماما". وهذه الأسطورة من الرابط الوثيق جزءٌ من الجهد الهادف إلى ضمان تبعية العاملة وتفانيها تجاه العائلة التي تستخدمها. بعباراتٍ أخرى، تتضمّن الحميمية الخطابية عادةً ضمان تحكّمٍ أكبر لرب العمل بالعاملة كوصيٍّ وحامٍ لها. تتلازم هذه العلاقة بأرباب العمل مع أنّهم لا ينظرون إلى العاملة المنزلية بوصفها امرأةً مستقلة. و"الابنة" بهذا المعنى تخضع لسلطةٍ أبويةٍ وبالتالي، يُتوقع منها أن تغضّ النظر عن حاجاتها بوصفها امرأةً راشدة. لكن في سياق النقابة، تشير كلمتا "بابا" و"ماما" إلى الموقع النزاعي الذي تحتله عاملات المنازل كنقابيات وكعاملات في القطاع المنزلي. كما أنّ هذا الأمر يتضمّن عنصرين نزاعيين: كونهنّ نقابيات، ما يتضمّن وضع مساواةٍ ورفاقيةً مع النقابيين الآخرين؛ وكونهنّ نساءً يعملن في القطاع المنزلي، ما يدفع "الزملاء النقابيين" إلى تشجيع خطابٍ يتّسم بالحماية والوصاية. أقول هذا لإظهار أنّ طبيعة العمل وموقعه والنوع الاجتماعي هي كلها ملازمةٌ لسبل إظهار العاملات خطابياً ضمن سياق النقابة العمالية. علاوةً على ذلك، فهو يُظهِر أنّ الاتحاد، بوصفه مؤسسة، ليس منيعاً على خطاب الوصاية الذي يزعم حماية عاملة المنزل في فضاء الأسرة. بل على العكس، عبر إعادة إنتاج الخطاب عينه، تتأسس علاقةٌ هرمية بين العاملات وقيادة الاتحاد، على مثال صورة بابا عبد الله وبناته.
خاتمة
قدّمتُ في هذه الورقة تحليلاً للسياسات داخل العلاقات، وكذلك تشكيل السلطة، بين مختلف الفاعلين النقابيين الذين قابلتهم أثناء عملي الميداني. لقد أشرتُ إلى تحدي عاملات المنازل، عبر تشكيل نقابة، لسلطة الدولة التشريعية التي تعاملهنّ باستمرارٍ بوصفهنّ عاملاتٍ يمكن استبدالهنّ ومستثنياتٍ من قوانين العمل اللبنانية، وتنكر عليهنّ الحق في تنظيم أنفسهن؛ وبالتالي، الحق في أن يكون لهنّ صوتٌ سياسي. من جانبٍ آخر، يجب على العاملات التجول في حقل ألغام السلطة ضمن سياق نقابتهنّ وبنية الاتحاد الوطني لنقابات العمال والمستخدمين. على سبيل المثال، سلّطت الضوء على التحديات في بناء التضامن حيث يحدّ النوع الاجتماعي والطبقة والجنسية من التحالفات الهشة ضمن نواة النقابة؛ وإلى أنّه على الرغم من حسن نوايا قيادة الاتحاد الوطني لنقابات العمال والمستخدمين، فإنّ الإيديولوجيا البطريركية والخطاب الأبوي يحدّان من الإمكانية التي يمكن أن تنبثق من النقابة. وفي حين أنّ الاتحاد الوطني لنقابات العمال والمستخدمين قد خطا خطواتٍ رائدةً تجاه إدماج تنظيم النساء المهاجرات ضمن أهدافه وغاياته، فإنّ نجاح هذا الإدماج يتطلب تحولاتٍ ملحوظةً في الممارسة الديمقراطية وفي الخطاب ضمن المنظمة لتحويل ديناميات السلطة المتعلقة بالنوع الاجتماعي والهجرة والعمالة والحراك ضمن بنية نقابة عاملات المنازل في لبنان. ونظراً لهذه الشروط، فقد قاربتُ بتشكيكٍ مبادرة تنظيم عاملات المنازل المهاجرات في نقابة برعايةٍ من الاتحاد الوطني لنقابات العمال والمستخدمين، ومنظمة العمل الدولية، والمنظمات غير الحكومية، بعد أن رأيت هذه الهيئات بوصفها بنيةً تنظيميةً تؤدي فيها علاقات القوة بين مختلف الفاعلين إلى نزاعٍ كبير ضمن خطوط النوع الاجتماعي والجنسية. وهذا الأمر يدفعنا إلى طرح سؤال ما إذا كانت النقابات قد تخلت عن سياسات التحريض وتبنّت الحوكمة العالمية. في الوقت عينه، أبدى كثيرٌ من عاملات المنازل المهاجرات ردود أفعالٍ على الخطاب الذي يشير إليهنّ كضحايا، ما أدّى إلى تأسيس نقابتهنّ. ربما كان ذلك بسبب أنّ النقابة تمنح الأمل لعاملات المنازل المهاجرات لأنّها، في الحد الأدنى، تقدّم إمكانياتٍ لإعادة بناء ديناميات العمل. وعلى الأقل، يجب أن تؤخذ الحيوية والحماسة والأمل التي تعبّر عنها عاملات المنازل المهاجرات باستمرارٍ على مأخذ الجد. إنّه تذكيرٌ بأنّ العمال، حتى في أكثر مجالات العمل عزلاً، قادرون على محاولة إعادة تشكيل علاقات القوة وعدم المساواة والتي تكمن خلف شروط عملهم. مع نسبة عمالٍ مهاجرين تبلغ نصف الطبقة العاملة في لبنان، تُطرح الأسئلة التالية على المهتمين بالتغيير الاجتماعي: كيف السبيل للاستفادة من الوجود الملحوظ للمهاجرين؟ ما السبيل إلى العمل معهم لبناء قوتهم السياسية المنظمة؟ كيف يمكن بناء تحالفات قوية عابرةٍ للجنسية لتعزيز التغيير السياسي؟ وما هي المفاعيل التي يمكن أن يشكّله ذلك على تصوراتنا للبنى السياسية والاجتماعية في ما يخص العمالة؟
بغضّ النظر عن نجاح عضوات النقابة في الحصول على الحقوق التي يكافحن من أجلها، ثمة أمرٌ مهمٌّ أيضاً وهو انخراطهنّ في محاولةٍ يتعلّمن من خلالها ويعلّمننا في الوقت عينه تحدي ضروب عدم المساواة البنيوية ومؤسسات التفرقة الجنسية والعنصرية التي هي جزءٌ لا يتجزأ من حاضرنا الرأسمالي. في رأيي، لا يقتصر كفاحهنّ على إحراز مكاسب صغيرة؛ فهو يتعلق بإفساح المجال لأولئك اللواتي لم يُسمَح لهنّ بقول كلمتهنّ في تحديد شروط وجودهنّ. وبفضل هذا الكفاح، يتحوّلن ويحوّلن المجتمع حولهنّ. ومثلما تقول آنّا، "إنّ حصولنا على هذه النقابة كانت لحظةً تاريخيةً عندما علم كلُّ من كان حاضراً بأنّ حاجزاً مهماً قد عُبر [و] أنّه لن تكون هنالك عودة إلى الوراء"[32].
لائحة المراجع باللغات الأصلية:
Michel Agier, David Fernbach, Managing the Undesirables: Refugee Camps and Humanitarian Government, Cambridge, UK, Polity Press, 2011.
Claudia Aradau, “The perverse politics of four-letter words: Risk and pity in the securitisation of human trafficking,” Millennium-Journal of International Studies, Vol. 33, No. 2, 2004, p.251-277.
Caritas Lebanon Migrant Centre and International Labour Organisation, “Access to Justice for Migrant Domestic Workers in Lebanon,” Beirut, 2014, available at: http://www.ilo.org/wcmsp5/groups/public/---arabstates/---ro-beirut/documents/genericdocument/wcms_247033.pdf [last accessed February 11, 2015]
John Chalcraft, The Invisible Cage: Syrian Migrant Workers in Lebanon, Stanford, CA, Stanford University Press, 2008.
Hassan Chakrani, “Lebanon’s ‘Social Wage:’ Catching Up with Inflation,” al-Akhbar English, 11 October 2011, available at: http://english.al-akhbar.com/node/1031/ [last accessed February 21, 2015].
Bina Fernandez, Marina de Regt, Migrant domestic workers in the Middle East: The home and the world, New York, Palgrave Macmillan, 2014.
David Fernbach, Michel Agier, Managing the Undesirables: Refugee Camps and Humanitarian Government, Cambridge, Polity Press, 2011.
Nancy Fraser, “From Redistribution to Recognition?: Dilemmas of Justice in a Post-socialist Age,” in Cynthia Willett (ed.), Theorizing multiculturalism: a guide to the current debate, Malden, Wiley-Blackwell, 1998, p.19-49.
Encarnacion Gutierrez-Rodríguez, Migration, Domestic Work, and Affect: A Decolonial
Approach on Value and the Feminization of Labour, New York, Routledge, 2010.
“International Labour Conventions and Recommendations, 1919-1951,” Volume I, Geneva, 1996.
Ray Jureidini, “In the Shadows of Family Life,” Journal of Middle East Women's Studies, 5(3), Duke University Press, 2009,p.74-101.
المرصد اللبناني لحقوق العمال والموظفين، "نقابة عمال الأفران تدعو لحماية العمال اللبنانيين من المزاحمة"، موقع المرصد، 22 كانون الأول/ديسمبر 2014، متاح على الرابط: http://lebaneselw.com/llw_v1/content/%D9%86%D9%82%D8%A7%D8%A8%D8%A9-%D8%B9%D9%85%D8%A7%D9%84-%D8%A7%D9%84%D8%A7%D9%81%D8%B1%D8%A7%D9%86-%D8%AA%D8%AF%D8%B9%D9%88-%D9%84%D8%AD%D9%85%D8%A7%D9%8A%D8%A9-%-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D9%85%D8%A7%D9%84-%D8%A7%D9%84%D9%84%D8%A8%D9%86%D8%A7%D9%86%D9%8A%D9%8A%D9%86-%D9%85%D9%86-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B2%D8%A7%D8%AD%D9%85%D8%A9 [آخر دخول بتاريخ 14-4-2016].
Linzi Manicom, “Globalising ‘Gender’ in, or as, Governance? Questioning the Terms of Local Translations,” Agenda: Empowering women for gender equity, Vol.16, No.48, Taylor & Francis, Ltd,
2001, p.6-21.
Annelies Moors, Ferhunde Ozbay, Ray Jureidini and Rima Sabban, “Migrant Domestic Workers: A New Public Presence in the Middle East?,” In Seteney Shami, ed. Publics, Politics and Participation: Locating the Public Sphere in the Middle East and North Africa, New York, Social Science Research Council, 2009, p.151–175.
"المؤتمر التأسيسي لنقابة العاملات والعاملين في المنازل: خطوة أولى للدفاع عن الحقوق"، موقع النهار باللغة العربية، 25 كانون الثاني/يناير 2015.
Amrita Pande, “From ‘Balcony Talk’ and ‘Practical Prayers’ to Illegal Collectives: Migrant Domestic Workers and Meso-Level Resistances in Lebanon,” Gender & Society, Vol. 26, No. 3, 2012, p.385.
Elizabeth Picard, “The Arab Uprisings and Social Rights: Asian Migrant Workers in Lebanon,” Aix‐en-Provence, IREMAM-CNRS, 2013, available at: https://hal.archives-ouvertes.fr/halshs-00938259/document [last accessed January 13, 2015].
Bassel Salloukh, Jinan S. Al-Habbal, Lara W. Khattab, Rabie Barakat, and Shoghig Mikaelian, The Politics of Sectarianism in Post-war Lebanon, UK, Pluto Press, 2015.
"سجل وزير الأعمال سجعان قزي"، الأخبار، ٨ أيار ٢٠١٥، متاح على الرابط: [آخر دخول بتاريخ: 11-5-2015].
Paul Tabar, Lebanon: A Country of Emigration and Immigration, Beirut, LAU Press, 2010.
Marie-Jose Tayah, “Working with Migrant Domestic Workers in Lebanon (1980–2012): A Mapping of NGO Services,” Beirut, International Labour Organisation, 2012, p.56.
Nira Yuval-Davis, Gender and Nation, London, Sage Publications, 1997.
Mohammad Zbeeb, “A Nation Living Day to Day,” al-Akhbar English, 31 May 2012, available at: http://english.al-akhbar.com/node/7917 [last accessed February 18, 2015].
[1] مقابلة أجرتها المؤلفة مع آنا، عضو نقابة، بيروت، كانون الثاني/يناير 2015.
[2] "مؤتمر تأسيسي لنقابة العاملات وعمال المنازل: خطوة أولى للدفاع عن الحقوق"، نهار نيت النسخة العربية، 25 كانون الثاني/يناير 2015.
[3] "سجل وزير العمل سجعان قزي"، الأخبار النسخة العربية، 8 أيار/مايو 2015، متاح على الرابط: http://www.al-akhbar.com/node/232353 [آخر دخول بتاريخ 11-5-2015].
[4] جون تشالكرافت، القفص غير المرئي: العمّال السوريون المهاجرون في لبنان، ستانفورد، كالفورنيا، مطبوعات جامعة ستانفورد، 2008.
[5] المرجع عينه.
[6] إليزابيت بيكار، "الانتفاضات العربية والحقوق الاجتماعية: العاملات الآسيويات المهاجرات في لبنان"، إكس أن بروفانس، IREMAM-CNRS، 2013، متاح على الرابط: https://hal.archives-ouvertes.fr/halshs-00938259/document [آخر دخول بتاريخ 31-1-2015].
[7] وفقاً لمنظمة العمل الدولية، يعتبر التفاوض الجماعي نشاطاً أو عمليةً تفضي إلى اتفاق جماعي، "جميع الاتفاقات المكتوبة المتعلقة بظروف العمل وشروط الاستخدام بين ربّ عمل أو مجموعة من أرباب العمل أو منظمة من منظمات أرباب العمل أو أكثر من جانبٍ، وممثلٍ عن منظمةٍ عماليةٍ أو أكثر أو ممثلين منتخبين عن العمال، في حال غياب مثل هذه المنظمات، مفوضين منهم وفق القوانين والتنظيمات الوطنية من جانبٍ آخر". اتفاقات وتوصيات العمل الدولية، 1919-1951. المجلد الأول، جنيف، 1996.
[8] راي جوريديني، "في ظلال الحياة العائلية"، مجلة دراسات المرأة في الشرق الأوسط، 5(3)، مطبوعات جامعة ديوك، 2009، ص. 74-101.
[9] أنليس مورز وفيرهونده أوزباي وراي جوريديني وريما صبان، "عاملات المنازل المهاجرات: حضورٌ عامٌّ حديث في الشرق الأوسط؟"، ورد في سيتيني شامي، تحرير، الرأي العام والسياسات والمشاركة: موضعة الفضاء العام في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، نيويورك، مجلس أبحاث علم الاجتماع، نيويورك، 2009، ص. 151-175.
[10]يعني تعبير "يعملن لحسابهن الخاص" أنّ العاملات المنزليات تدبرن أمورهن مع كفيل/كفيلة بحيث يكفلهن/تكفلهن حين يعملن وهن يعشن أحياناً خارج منزله/منزلها. لكنّ كثيراً من اللواتي يعملن لحسابهن الخاص هنّ عاملات "هاربات" غادرن أرباب عملهن ويعملن بمفردهن بصورةٍ غير قانونية.
[11] راي جوريديني، مرجع سابق.
[12] إنكارناثيون غوتييريز رودريغيز، الهجرة والعمل المنزلي والتأثير: مقاربة تحررية حول قيمة العمالة وتأنيثها، نيويورك، روتليدج، 2020، ص. 8.
[13] ماري جوزيه طياح، "العمل مع عاملات المنازل المهاجرات في لبنان (1980-2012): وضع خارطة لخدمات المنظمات غير الحكومية"، بيروت، منظمة العمل الدولية، 2012، ص. 56.
[14] مقابلة أجرتها المؤلفة مع العاملين في منظمة العمل الدولية، بيروت، شباط/فبراير 2015.
[15] باسل صلوخ وجنان س. الحبال ولارا و. خطاب وربيع بركات وشوغيغ ميكائيليان، السياسات الطائفية في لبنان ما بعد الحرب، المملكة المتحدة، مطبوعات بلوتو، 2015.
[16] حسن شقراني، "’الأجر الاجتماعي‘ في لبنان: اللحاق بركب التضخم"، الأخبار النسخة الإنكليزية، 11 تشرين الأول/أكتوبر 2011، متاح على الرابط: http://english.al-akhbar.com/node/1031/ [آخر دخول بتاريخ 21-2-2015].
[17] محمد زبيب، "أمة تعيش يوماً بيوم"، الأخبار النسخة الإنكليزية، 31 أيار/ مايو 2012، متاح على الرابط: http://english.al-akhbar.com/node/7917 [آخر دخول بتاريخ 18-2-2015].
[18] مقابلة أجرتها المؤلّفة مع مرغريت، عضو نقابة، بيروت، شباط/فبراير 2015.
[19] ديفيد فيرنباخ وميشيل أجييه، إدارة غير المرغوبين فيهم: مخيمات اللاجئين والحكومة الإنسانية، كمبردج، مطبوعات بوليتي، 2011.
[20] المرصد اللبناني لحقوق العمال والموظفين، "نقابة عمال الأفران تدعو لحماية العمال اللبنانيين من المزاحمة"، موقع المرصد، 22 كانون الأول/ديسمبر 2014، متاح على الرابط: http://lebaneselw.com/llw_v1/content/%D9%86%D9%82%D8%A7%D8%A8%D8%A9-%D8%B9%D9%85%D8%A7%D9%84-%D8%A7%D9%84%D8%A7%D9%81%D8%B1%D8%A7%D9%86-%D8%AA%D8%AF%D8%B9%D9%88-%D9%84%D8%AD%D9%85%D8%A7%D9%8A%D8%A9-%-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D9%85%D8%A7%D9%84-%D8%A7%D9%84%D9%84%D8%A8%D9%86%D8%A7%D9%86%D9%8A%D9%8A%D9%86-%D9%85%D9%86-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B2%D8%A7%D8%AD%D9%85%D8%A9 [آخر دخول بتاريخ 14-4-2016].
[21] بينا فيرنانديز ومارينا دي ريغت، عاملات المنازل المهاجرات في الشرق الأوسط: البيت والعالم، نيويورك، بالغريف ماكميلان، 2014، ص. 8.
[22] أعاد التحول النيوليبرالي منذ سبعينيات القرن الماضي تشكيل الطبقة العاملة بصورةٍ جذرية. وقد ظهرت تغيّرات عميقة مع هذا التحول على صعيد علاقات الإنتاج وممارسات العمل والتنظيم. باتت الطبقة العاملة خاضعةً لضغطٍ اقتصادي كبير، حدّ من قدرتها السياسية. ومجمل فئات العمالة التي تمتعت في الماضي بشيءٍ من الاستقرار وجدت نفسها في ظروف تشغيلٍ غير مستقرة. توافق التدفق المرن والمنتشر لرأس المال مع إلغاء مناطق العمالة وإعادة تشكيلها على نحوٍ مستمر. كما كان لبرامج التكييف الهيكلي والأزمات السياسية والاقتصادية واتفاقات التجارة العالمية عواقب وخيمة على جنوب الكرة الأرضية، دفعت العمالة إلى الهجرة الشرعية أحياناً وغير الشرعية في كثيرٍ من الأحيان، بحثاً عن فرص حياةٍ أفضل ليس في الشمال فحسب، بل في مواقع الاستثمار الرأسمالي في الجنوب أيضاً. قاد منطق التراكم الرأسمالي عملية تخفيض قيمة العمل التي تجلّت في استغلال العمال كما في تأنيث العمل وجعله عنصرياً.
[23] لينزي مانيكوم، "عولمة ‘الجندر’ في الحوكمة أم كحوكمة؟ مساءلة شروط الترجمات المحلية"، ورقة عمل: تمكين النساء من أجل المساواة الجندرية، المجلد 16، العدد 48، تايلور وفرانسيس، المحدودة، 2001، ص. 6-21.
[24] مقابلة أجرتها المؤلفة مع نسرين، رئيسة نقابة، بيروت، شباط/فبراير 2015.
[25] كلوديا أرادو، "سياسات ضارّة لكلمات من أربعة حروف: الخوف والشفقة في تأمين الإتجار بالبشر"، مجلة الألفية للدراسات الدولية، المجلد 33، العدد 2، 2004، ص. 251-277.
[26] المرجع عينه.
[27] أمريتا باند، "من ’حديث الشرفة‘ و’الصلوات الفعلية‘ إلى التعاونيات غير القانونية: عاملات المنازل المهاجرات ومقاومة المستوى المتوسط في لبنان"، النوع الاجتماعي والمجتمع، المجلد 26، العدد 3، 2012، ص. 385.
[28] نانسي فريزر، "من إعادة التوزيع إلى الاعتراف؟: معضلات العدالة في عصر ما بعد الاشتراكية"، ورد في سينيثيا ويليت (تحرير)، تنظير تعددية الثقافات: دليلٌ للناقش الحالي، مالدين، ويلي بلاكويل، 1998، ص. 19-49.
[29] مقابلة أجرتها المؤلفة مع كاسترو عبد الله، رئيس الاتحاد الوطني لنقابات العمال والمستخدمين في لبنان، بيروت، شباط/فبراير 2015.
[30] كاريتاس لبنان، مركز الأجانب ومنظمة العمل الدولية، "وصول العاملات المنزليات المهاجرات إلى العدالة"، بيروت، 2014، متاح على الرابط: http://www.ilo.org/wcmsp5/groups/public/---arabstates/---ro-beirut/documents/genericdocument/wcms_247033.pdf [آخر دخول بتاريخ 11-2-2015].
[31] مقابلة أجرتها المؤلفة مع مرغريت، بيروت، شباط/فبراير 2015.
[32] مقابلة أجرتها المؤلفة مع مرغريت، بيروت، شباط/فبراير 2015.
Farah Kobaissy is a socialist activist and a researcher in gender, labour, and migration. She holds an MA in Gendered Political Economies from the American University in Cairo and an MA in Political Science from USJ. She is currently working at Asfari Institute for Civil Society and Citizenship at the American University in Beirut (AUB).