إعداد المواطن الصالح وبث صورة الملك الصالح: خواطر حول حرية الصحافة والهيمنة والتحركات الإجتماعية في الأردن في عهد الملك عبد الله الثاني

Publishing Date: 
July, 2021
Dossier: 
Socio-Economic Rights Base, Conflict Analysis Project
Author(s): Rossana Tufaro
Abstract: 

في عهد الملك عبد الله الثاني، تراجعت حرية الصحافة في الأردن بشكل كبير، فاكتسبَ النظام الملكي الهاشمي ورموزه الشرعيون سيطرةً توجيهية غير مسبوقة للتحكم بتداول أخبار الأحداث في البلاد وتحديد إطارها - وبالتالي الفرز الاستراتيجي، من رأس الهرم، للأخبار الحساسة سياسيًا، وإسكات أصوات المعارضين السياسيين، وتوجيه الرأي العام المحلي والدولي.    

تهدف هذه الورقة البحثية إلى تقديم تقييم أولي للدور الذي لعبته هذه القيود المفروضة على حرية الإعلام وتطبيقها الاستراتيجي في سبيل ترسيخ حكم الملك عبد الله الثاني، من خلال دراسة كيف نجحَ أو فشلَ هذا التطبيق التراكمي للقيود على الصحافة في الحفاظ على سمعة الملك عبد الله الثاني الدولية كقائد معتدل وتقدمي، وشرعنة فرضية التحديث النيوليبرالي مع مواطنيه محلّيًا انطلاقًا من سلطته.

Keywords: Right to Information, Press Freedom, Civic Space, Jordan, Social Movements

To cite this paper: Rossana Tufaro,"إعداد المواطن الصالح وبث صورة الملك الصالح: خواطر حول حرية الصحافة والهيمنة والتحركات الإجتماعية في الأردن في عهد الملك عبد الله الثاني ", Civil Society Knowledge Centre, Lebanon Support, 2021-07-01 00:00:00. doi: 10.28943/CSKC.001.90001

[ONLINE]: https://civilsociety-centre.org/paper/إعداد-المواطن-الصالح-وبث-صورة-الملك-الصالح-خواطر-حول-حرية-الصحافة-والهيمنة-والتحركات
Cited by: 0
Embed this content: 
Copy and paste this code to your website.
Full text: 
Full text
Protesters shout slogans during a protest in Amman, Jordan, June 3, 2018 (Reuters). Image Source: https://www.middleeasteye.net/news/protests-jordan-all-you-need-know

مقدمة

في السنوات الأخيرة، شهدت حرية الصحافة في الأردن تراجعًا كبيرًا (Alnajjar 2021). بدأ التحول القمعي بالتزامن مع التزايد المتواصل في التحركات الإجتماعية التي تشهدها البلاد منذ عام ٢٠١١ نتيجة التدهور التدريجي للظروف المعيشية والإصلاحات النيوليبرالية الصارمة التي أعادت الدولة فرضها بدعم من صندوق النقد الدولي.

يحتل الأردن حاليًا المرتبة ١٢٩ من أصل ١٨۰ في مؤشر التصنيف العالمي لحرية الصحافة الخاص بمنظمة "مراسلون بلا حدود" (RSF 2021). في أعقاب المبادرات التشريعية المشدّدة التي استهدفت الصحافة الإلكترونية ووسائل التواصل الاجتماعي على خلفية حراك عام ٢٠١١، تلقّت التغطية المستقلة للأخبار المحلية، فضلًا عن المساحة المخصصة للنقاش السياسي التعددي عبر المواقع الإلكترونية، ضربةً موجعة. ومنذ عام ٢٠١٣، حُجبت مئات المواقع الإلكترونية بحجة غياب الترخيص الرسمي. وبعدما فرض قانون الجرائم الإلكترونية الذي دخل حيّز التنفيذ في عام ٢٠١٥ عقوباتٍ جزائية على نشر المقالات والتعليقات، ازدادت بدرجة كبيرة الرقابة الذاتية التي مارسها الصحافيون. وتجدر الإشارة أيضًا إلى الإطار التشريعي الذي زاد بشكل منتظم من أوامر الإسكات والاعتقالات التي تستهدف صحافيين يغطون مواضيع حساسة سياسيًا. واشتدّت القيود في العام الماضي، نتيجة إعادة فرض قانون الطوارئ في ظلّ تفشي مرض فيروس كورونا (كوفيد-١٩) (Younes 2020). وبات الوصول إلى المعلومات يعتمد أكثر فأكثر على مصادر وسائل الإعلام الرسمية والوسائط المرخصة من الدولة، التي تخضع لرقابة حكومية دقيقة من خلال مجموعة متنوعة من الهياكل التشريعية والممارسات التنظيمية. وتنشط الدولة على نطاق واسع في المشهد الإعلامي الوطني عن طريق سلسلة من محطات البثّ العامّة التلفزيونية والإذاعية، وبفضل امتلاك حصص في مؤسسات إعلامية متعددة (Tweissi 2021, 64-65). وتضاعفَ حضور الدولة الإعلامي في عام ٢٠١٨ مع إطلاق قناة تلفزيونية إخبارية رسمية جديدة (قناة المملكة). ومنحَ ذلك السلطات الأردنية تحكمًا غير مسبوق بأخبار الأحداث المتداولة وتحديد إطارها، لم تشهد البلاد مثيلًا له على مدى العقود الثلاثة الماضية. وعمدت السلطات إلى تنفيذ عملية فرز استراتيجي للأخبار الحساسة سياسيًا، وإسكات أصوات المعارضين السياسيين، وتوجيه الرأي العام المحلي والدولي، في وقت مهّد فيه رفع الملك حسين (١٩۸٩) للأحكام العرفية لحقبةٍ من الحريات الصحافية الخجولة.

من منظور أكاديمي، تناولت الدراسات في المقام الأول الأساس المنطقي لازدياد وتراجع ​​حرية الصحافة والإعلام في الأردن وتداعياتهما السياسية في ضوء دورات التحرير وإلغاء التحرير التي شهدها النظام الهاشمي منذ عام ١٩۸٩ (Jones 1998, Najjar 1998, Sakr 2013, Lucas 2003)، علمًا أن الخطوة الأخيرة طُبِّقت في إطار المقاربات المؤسسية. لم يُخصَّص اهتمام كافٍ لدراسة الظاهرة في ما يتعلق ببناء قوة أداء خطاب النظام الملكي المهيمن، أو للدور الذي لعبه تاريخيًا من خلال فرض القيود وتطبيقها الاستراتيجي، في سبيل دعم إعادة إنتاج الحكم الهاشمي.

تهدف هذه الورقة البحثية إلى سدّ هذه الفجوة من خلال تقديم تحليل أولي دقيق للدور الذي يلعبه فرض القيود على حرية الإعلام وتطبيقها الاستراتيجي في ترسيخ حكم الملك عبد الله الثاني. بعد لمحةٍ تاريخية عن سياسات حرية الصحافة الأردنية منذ عهد الملك حسين وحتى اعتلاء الملك عبد الله الثاني العرش، سيتناول المقال  كيف استخدم الملك هذه السياسات بطريقة استراتيجية للحفاظ على سمعته الدولية كزعيم معتدل وتقدمي، وشرعنة فرضية التحديث النيوليبرالي مع مواطنيه محلّيًا انطلاقًا من سلطته، قبل (القسم 2) وبعد بروز تحديات الانتفاضات العربية (القسم 3). ويختتم المقال بلمحة عامة عن نتائج الأداء وما إذا نجح في تحقيق ذلك أم فشل، وإذا صحّ ما يفيد به "مارتينيز" بشأن تحكّم الحكام الأردنيين المستبدين في الخطاب والدور الأساسي الذي يلعبه ذلك في الحفاظ على مكانتهم من خلال جعل بعض المفاهيم والمعلومات التاريخية بنّاءة ومقبولة للمواطنين وجمهورهم الدولي (Martínez 2017, 17). فمعرفة الجوانب التي ينجح فيها النظام أو يفشل في تحقيق الامتثال هي عمليةٌ تُساعد على تقديم منظورات جديدة حول الديناميات الدقيقة التي تدعم إعادة إنتاج النظام السلطوي الأردني. 

١ من الملك حسين إلى الملك عبد الله الثاني: لمحة تاريخية عن سياسات حرية الصحافة الأردنية

ازدهرت تاريخيًا حرية الصحافة في الأردن وتراجعت في ضوء الظروف السياسية التي شهدتها البلاد. برزت النزعة القمعية الأولى منذ الاستقلال في أعقاب الحرب العربية-الإسرائيلية عام ١٩٦٧ (نكسة حزيران). وللمرة الأولى، فرض قانون النشر رقابة حكومية على الصحف من خلال إرغام القطاع الخاص على تحويل وسائل الإعلام التي يملكها إلى شركات تُساهِم فيها الدولة. واندرج هذا القمع المبكر ضمن عملية أوسع نطاقًا لإعادة ترسيخ النظام الاستبدادي، وهي عمليةٌ كانَ الملك حسين قد أطلقها استجابةً إلى التحديات التي تهدد استقرار المملكة. وتفاقم الوضع نتيجة رد الفعل السياسي والاجتماعي الاقتصادي في إثر نكسة حزيران، وقبل كل شيء، نتيجة التأييد الشعبي المتزايد لأنشطة الفدائيين الفلسطينيين الذين بنوا قاعدة عملياتهم الرئيسية داخل حدود المملكة. وتبلورت إعادة ترسيخ هذا النظام عبر إعادة العمل بالأحكام العرفية (١٩٦٧) التي حظّرت الأحزاب السياسية وعلّقت الانتخابات ومنحت الملك والحكومة صلاحيات تنفيذية وتشريعية استثنائية. استمرّ العمل بالأحكام العرفية بعد المغادرة القسرية لقيادة منظمة التحرير الفلسطينية من الأردن في أعقاب أيلول الأسود (١٩۷۰). ودخلت البلاد في حالة غليان كامنة ودائمة من جرّاء حرب تشرين العربية-الإسرائيلية (١٩۷٣)، والعلاقات الفلسطينية الأردنية التي لم تُحَلّ مع الدولة وداخلها، وعدم الاستقرار الإقليمي شبه الدائم، والتداعيات الاجتماعية الاقتصادية المترتبة على أزمة النفط التي حلّت في أواخر السبعينيات. ووجّهت هذه الظروف ضربة للعملية الجديدة الرامية إلى توسيع الصحافة الأردنية التي أُطلقت مع سن دستور عام ١٩٥٢، فترسّخ بدلًا منها ما وصفه الباحث ويليام رو بالمشهد الإعلامي "الموالي" الخاضع لرقابة صارمة (أي مشهد إعلامي تنشط فيه الدولة وتفرض عليه رقابة واسعة النطاق ويتميّز بتعددية محدودة في الآراء وفي تغطية الشؤون الداخلية، وبترويج مُعمَّم وصارخ للمواقف الحكومية (Rugh 1979, 25-29). ثمّ بدأ هذا الإطار يتغيّر تدريجيًا منذ النصف الثاني من ثمانينيات القرن الماضي. 

في أواخر كانون الثاني/يناير ١٩۸٥، ألقى الملك حسين خطابًا متلفزًا أدان فيه الإعلام الأردني الذي يهاجم الأفراد والمؤسسات، فما كان من وزيرة الثقافة والإعلام المعينة حديثًا، ليلى شرف، إلا أن أعلنت استقالتها في كتاب عام ندّدت فيه بالصعوبة المتزايدة التي يواجهها المسؤولون لضمان حرية الصحافة في المملكة. وردّت الحكومة بسلسلة من الاعتقالات طالت الصحافيين، إلى جانب تشديد الإجراءات التقييدية المعتمدة. استمرت الرقابة الصارمة على مدى السنوات الثلاث التالية، إذ وفّر اندلاع الانتفاضة الأولى (١٩٨٧) فرصةً لإحكام القبضة الحديدية (Najjar 1998). وأطلقت انتفاضة الخبز في آب/أغسطس ١٩٨٩ شرارة عملية التحرير. فاندلعت أعمال الشغب نتيجة قرار الحكومة برفع الدعم عن القمح، في إطار مجموعة أوسع نطاقًا من التعديلات الهيكلية النيوليبرالية التي يرعاها صندوق النقد الدولي والتي تهدف إلى الحد من العجز الحكومي الشديد والحصول على قروض دولية (Andoni and Schwendler, 1996). ومنذ مطلع سبعينيات القرن الماضي، شكّل الدعم أداة أساسية لهيمنة النظام الملكي الهاشمي الذي سعى على غرار الأنظمة الاستبدادية الأخرى في المنطقة إلى التعويض عن غياب الحريات السياسية الأساسية بتوفير الحقوق الاجتماعية الاقتصادية. لم يتّعظ رئيس الوزراء، الرفاعي، من موجة االتحركات التي أثارها رفع الدعم عن المحروقات في آذار/مارس في مدينة معان الجنوبية، وكان واثقًا أنَّ رفع الدعم عن القمح لن يؤدي إلى التصعيد. ولكن تبيّن من التظاهرات التي عمّت البلاد وتوسّعت سريعًا في إثر هذا القرار أن التنازلات ضرورية لضمان بقاء النظام. وأطلقت هذه الأحداث مرحلة "إرساء الديمقراطية الدفاعية"، أي مرحلة التحرر السياسي الوقائي الخاضع لرقابة صارمة والمصمَّم للحفاظ على الهياكل الأساسية القائمة في السلطة الأردنية، من خلال التوسيع الاستراتيجي، من رأس الهرم، لحدود المشاركة السياسية (Robinson 1998). وبحلول عام ١۹۹٢، رُفعت الأحكام العرفية رسميًا، وأعيد تأسيس الأحزاب السياسية ونُظِّمت الانتخابات. وعلى نحو مماثل، صدر في عام ١٩٩٣ قانون جديد للمطبوعات والنشر ونص على تحرير القطاع إنَّما ضمن رقابة معيّنة.

شدّد عدد من المراقبين على الصياغة الاستبدادية التي حافظ عليها قانون المطبوعات والنشر لعام ١٩٩٣ (Jordan 1998, Najjar 1998, Lucas 2003). وشملت أهم التدابير التأديبية: إلزام الصحافيين بالانتساب إلى نقابة الصحافيين الأردنيين الخاضعة لسلطة الدولة، وصلاحية الدولة بسحب تراخيص الصحف تعسفيًا، وقيود هامة متعددة على المحتوى الإخباري مثل حظر التعليق على العائلة المالكة والجيش وأعضاء البرلمان وحلفاء الأردن الدوليين، فضلًا عن إعداد التقارير حول القضايا المتعلقة بالأمن القومي ومضمون الجلسات البرلمانية أو زعزعة الثقة بالاقتصاد الوطني أو نشر أي محتوى يخلّ بالآداب العامة (Jones 1998, 85). ومع ذلك، ساهم تطبيق القانون في ازدهار القطاع وبروز وسائط إعلامية جديدة، وبالتالي نشوء تعددية معتدلة في الآراء. وبين عاميْ ١٩٩٢ و١٩٩۷، ارتفع عدد المطبوعات المرخصة من خمسة إلى أربعين، وشملت الصحف الحزبية والصحف الشعبية ومجموعة متنوعة من المنشورات الأسبوعية (Najjar 1998, 132). لكنَّ هذا المناخ الإيجابي نسبيًا لم يدُم طويلًا. فابتداءً من عام ١٩٩٧، أُدخلت سلسلة من التعديلات على قانون المطبوعات والنشر لعام ١٩٩٣ وأدت مجددًا إلى تضييق هوامش حرية الصحافة. طُبقت الدورة الأولى من القيود الجديدة (١٩٩٧-١٩٩٨) في سياق عملية واسعة النطاق لإعادة إحكام قبضة النظام الملكي الحديدية على القطاع. ونجم ذلك عن بروز موجتيْن من أعمال الشغب الشعبية (في عاميْ ١٩٩٦ و١٩٩٨ على التوالي)، حصلت في خلالهما أحداث سياسية متعددة - مثل انتخابات عام ١٩٩٧ البرلمانية، والوهم الواسع النطاق لتطبيع العلاقات مع إسرائيل ومكاسبه الضئيلة، والمفاوضات الدقيقة بشأن خلافة العرش - فزادت شيئًا فشيئًا من عدم تقبُّل الديوان الملكي للمعارضة الاجتماعية السياسية (Robins 2019, 202-209; Lucas 2003, 87-93). انطلقت الموجة الأولى من أعمال الشغب في آب/أغسطس ١٩٩٦ في معان، وانتشرت لاحقًا في مدن المحافظات الرئيسية الأخرى والعاصمة. اندلعت أعمال الشغب بسبب الارتفاع المستمرّ في أسعار الخبز، في سياق استياء شعبي متفاقم نجمَ عن سنوات من سياسات التقشف المدعومة من صندوق النقد الدولي (Ryan 1998; Adoni and Schwendler 1996). أما الموجة الثانية فلم تتجاوز حدود معان، وأشعلت فتيلها معارضة الهجمات الصاروخية التي شنتها إدارة كلينتون على العراق (Schwendler 2002). وفي الحالتيْن، تجاوز نطاق المظالم، بما في ذلك المطالبة باستقالة الحكومة، نطاق المسببات المباشرة ليشمل التشكيك في جوهر سياسات الملك حسين الاقتصادية والاجتماعية والخارجية.

بلغت المبادرات التشريعية القمعية ذروتها بعدما خلف الملك عبد الله الثاني الملك حسين في عام ١٩٩٩.

اعتلى الملك عبد الله الثاني العرش في سنّ السابعة والثلاثين، واستهلّ عهده بوعود التطوير والتحرير. وسرعان ما أصبحت خصخصة قطاع البث الإذاعي والتلفزيوني الوطني، في خضم هذا الزخم الإصلاحي، أحد أهداف برنامج الملك عبد الله الرئيسية، فسعى من خلاله إلى الارتقاء بالصحافة الأردنية لتتماشى مع معايير الشفافية الدولية وتحويل البلاد إلى مركز إقليمي بارز للبث الدولي (Sakr 2013, 100-102). لكنْ، تبيّن أن المبادرات المتعددة التي اتُخذت في هذا الصدد لم تكن سوى واجهة جميلة وبرّاقة. ففي عام ٢٠٠١، تمّ حلّ وزارة الإعلام بمبادرة ملكية وجرى إنشاء مدينة إعلامية حرة للصحافة الدولية في عمّان. وفرض تعديل لقانون العقوبات قيودًا على حرية التعبير طالت جميع الأفراد العاملين داخل أراضي المملكة. شملَ ذلك معاقبة أي تشهير مزعوم يستهدف العائلة المالكة، والأجهزة الأمنية، وأعضاء البرلمان، وحلفاء الأردن الدوليين، فضلًا عن أي أعمال "من شأنها تقويض نظام الحكم السياسي في الأردن أو التحريض على مناهضته أو الأعمال الفردية أو الجماعية التي تهدف إلى تغيير كيان الدولة الاقتصادي أو الاجتماعي أو أوضاع المجتمع الأساسية في الأردن" (ICNL 2019). وعلى نحو مماثل، وضعَ قانون الإعلام المرئي والمسموع لعام ٢٠٠٢ حدًّا لاحتكار الدولة للبث التلفزيوني، لكنَّه في المقابل وسَّعَ نطاق القيود الرئيسية على المضمون الصحافي لتشمل المحطات التلفزيونية الخاصة المرخصة (Sakr 2013, 104). أخيرًا، صادق الأردن في عام ٢٠٠٧ على أول قانون معني بالحق في الحصول على المعلومات في المنطقة، غير أنَّ تطبيقه الملموس بقي حبرًا على ورق، وظلّ تدخل الأجهزة الأمنية في ممارسة النشاط الصحافي مستشريًا (Tweissi 2019, 121-122).

أسفر ذلك عن تقييد انتشار وسائل الإعلام الجديدة (المحطات التلفزيونية الخاصة والمحطات الإذاعية والقنوات الفضائية) في مناخ من الخطوط الحمراء المتعمدة الواسعة النطاق وإنما المُبهمة، والعقوبات المفروضة، ومتطلبات الترخيص والمتطلبات البيروقراطية الإلزامية، التي تؤدي فعليًا إلى ممارسة الرقابة الذاتية عند أي تغطية للشؤون الداخلية الأردنية.

برر المسؤولون الأردنيون التناقض الواضح بين الانفتاح الرسمي وتشديد القيود على المحتوى بذريعة الحرب العالمية على الإرهاب التي أطلقتها هجمات ١١ أيلول/سبتمبر على مركز التجارة العالمي في نيويورك، في وقت شكّلت فيه الانتفاضة الثانية (٢٠٠١) والغزو الأميركي للعراق (٢٠٠٣) وتداعياته السياسية والاقتصادية تحديات هامة لاستقرار النظام. في الواقع، شكّل هذا التناقض نموذجًا عن الاستراتيجية المزدوجة التي سعى الملك عبد الله الثاني من خلالها إلى ترسيخ حكمه. فقد آثر من جهة إعادة ترسيخ هيكل السلطة الاستبدادي في المملكة من خلال تجديد الشراكة التاريخية في الحكم بين النظام الملكي والجيش وشرق الأردن. وعزَّز من جهة أخرى الالتزام بالإصلاح الديمقراطي والتحديث عن طريق التعددية واعتماد حملات التنمية الوطنية الدورية، بهدف توفير الشرعية لعملية تسريع التحوّل النيوليبرالي الأردني التي ينتهجها الملك، وترسيخ سمعته الدولية كقائد إقليمي مثقّف، وربما تعزيز سلطته. طُبِّقت قيود الصحافة ضمن هذا الإطار الأوسع نطاقًا ليس كوسيلة قمعية لتضييق الخناق على الأصوات المعارضة أو طمس الفضائح فحسب، بل كإجراء تأديبي أساسي يخدم صياغة السرديات في البلاد من رأس الهرم.

٢ من "الأردن أولاً" إلى حراك عام ٢٠١١: السرديات الوطنية والتغيرات الاجتماعية وأوجه إعادة ترسيخ الطابع الاستبدادي في العقد الأول من عهد الملك عبد الله الثاني

منذ تبوّأ الملك عبد الله الثاني الحكم، بذل جهودًا حثيثة في محاولةٍ لإرساء التوازن بين بناء قاعدة قوية متينة من جهة، وتنفيذ الأجندة النيوليبرالية من جهة ثانية؛ وهي عملية توفيقية اقترنت بتحدّياتٍ خاصّة.   

استنادًا إلى التحديد الدقيق لعملية الاستقلال الأردني والخصائص الإثنية-القومية التي تتّصف بها البلاد، ارتكز تاريخيًا الحكم السياسي للنظام الملكي الهاشمي على ولاء سكان الضفة الشرقية الريفية ونُخَبِها السياسية العشائرية، في مقابل الشريحة السكانية التي تتألف بمعظمها من فلسطينيين متحضّرين. وفي خلال سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي تحديدًا، ترسّخ هذا الولاء بشكل خاص من خلال توفير تقديمات اجتماعية مستدامة لسكان الضفة الشرقية وتوفير فرص عمل آمنة لهم في القطاعيْن العام والعسكري المتنامييْن، بالإضافة إلى إدماج النخب السياسية الاقتصادية في الجهاز الحاكم، والأجهزة الأمنية، ومؤسسات الدولة. ساعد تدفق العائدات الأجنبية في الدائرة الاقتصادية الوطنية والتي تمثّلت بتحويلات المغتربين والمساعدات الخارجية التي موّلتها الطفرة النفطية الخليجية في إعادة إنتاج هيكل القوة هذا. وعندما أجبرت أزمة الديون التي حلّت في المملكة في أواخر ثمانينيات القرن الماضي الملك حسين على وضع السياسات الاقتصادية الأردنية في يد صندوق النقد الدولي، تمكن الملك من إعادة إبرام العقد الاجتماعي مع المجموعات المستهدفة المؤيدة له من خلال ترجيح كفة ميزان الانفتاح السياسي في التسعينيات لصالح سكان الضفة الشرقية والخصخصة المستجدّة وإنما المضبوطة لأصول الدولة الاستراتيجية (Greenwood 2003a). وفي الوقت نفسه، عوّض عن تراجع الدعم الحكومي والإنفاق على الرعاية الاجتماعية جزئيًا من خلال إعداد برامج مصممة لسكان الضفة الشرقية ومخصصة للأسر ذات الدخل المنخفض (الدعم، ريادة الأعمال الصغيرة)، وقبل كل شيء، عسكرة توفير خدمات الرعاية الاجتماعية من خلال زيادة الميزانية العسكرية وتخصيصها لتعزيز فرص العمل والمزايا الاجتماعية للعسكريين وأسرهم، مثل معاشات التقاعد والقروض السكنية والمنح الدراسية وخدمات الرعاية الصحية والتعاونيات العسكرية (Baylouny 2008, 301-302). وكثرت أيضًا الاستعانة بالمصادر الخارجية الخاصة وعسكرة الرعاية الاجتماعية في عهد الملك عبد الله الثاني الذي عمد، بالتزامن مع عملية تسريع التحول النيوليبرالي الأردني، إلى زيادة عديد العسكريين من خلال إنشاء هيئات شرطية جديدة، وإعادة تشكيل نمط الإنفاق العسكري عبر إعادة توزيع ميزانية الدروع والمدفعية الثقيلة وتخصيصها لبناء صناعة دفاعية محلية تجارية تنتج المعدات وتوفر الخدمات وتقوم بالأبحاث وتقدّم التدريب على المستويين الوطني والإقليمي على حد سواء (Baylouny 2008, 302; Marshall 2013; Tell, 2015). وعزز أيضًا الملك عبد الله الثاني إدماج المخابرات في أجهزة الدولة وأبقى على قوانين الانتخابات التي تعطي الأفضلية للنخب الموالية. وتزامن ذلك مع محاولات أجراها الملك لدمج طبقة وسطى جديدة من شباب الضفة الشرقية المثقفين (ويُطلق عليهم اسم جيل عبد الله) في القاعدة الاجتماعية الأساسية للنظام. فعزز مشاركتهم المباشرة في عمليات التحرير السياسي والاقتصادي التي ترعاها الدولة عن طريق لجان التنمية الوطنية وحقوق الإنسان، والمؤسسات الاجتماعية والمنظمات غير الحكومية، والجوائز والمكافآت الممنوحة برعاية الملك، وبرامج التعليم العالي (Kreitmeyr 2019; İşleyen and Kreitmeyr 2021).

توفَّرَ إطار شرعنة الطابع النيوليبرالي الأردني على يد الملك عبد الله من خلال إطلاق حملات تنمية وطنية دورية ترعاها الدولة، سعى عبرها الملك إلى إدراج متطلبات سياسة الأردن الاقتصادية والخارجية الجديدة ضمن المعايير الرئيسية التي تحدد الهوية الأردنية، علمًا أن أُسس إعادة تحديد الهوية وُضعت في سياق حملة "الأردن أولًا" في عام ٢٠٠٢.   

أُطلقت المبادرة رسميًا في أواخر تشرين الأول/أكتوبر ٢٠٠٢، في حين أثار الاستياء الشعبي بشأن حزمة جديدة من الضرائب غير المباشرة، والمخاوف من اندلاع حرب جديدة على العراق، واغتيال المسؤول في وكالة التنمية الدولية، لورانس فولي، على يد جماعة إسلامية في عمان، موجةً من التوترات الاجتماعية في المعاقل التاريخية الجنوبية للنظام الملكي (Schwendler 2002). طرحَ الملك حملة "الأردن أولاً" كفلسفة حكم شاملة تهدف إلى إبرام عقد اجتماعي جديد بين الأردنيين من خلال اعتماد مبدأ وطني يقوم على "الوحدة في التنوع" وينتج عن تطبيق إصلاحات ديمقراطية شاملة وإعادة تحديد العلاقات بين الدولة والفرد واعتبار الشراكات بين القطاعيْن العام والخاص كمحرك رئيسي للتنمية الاجتماعية الاقتصادية (السياسة الأردنية - الأردن أولاً).

هدفت الحملة بشكل عام، كما أفادَ "العودات والشبول"، إلى إعداد المواطنين الأردنيين للتغييرات الاجتماعية والسياسية السريعة التي تترقبها البلاد في السنوات القادمة، وقد تضمنت خارطة الطريق التي استعرضها الملك في خطاباته التفسيرية خطوطها العريضة المتوقعة (al-Oudat and Alshboul 2010, 81-82). إنَّ النهج الخطابي الرئيسي الذي سعى الملك من خلاله إلى إرساء الطابع النيوليبرالي على النظام المدني الأردني المعاد صياغته كسمة فريدة جديدة للهوية الوطنية الأردنية، هو نهجٌ يرمي إلى جعل الالتزام التام بــ"فلسفة الحكم'' الجديدة كأسمى أوجه الولاء الذي قد يكّنه المواطنون للوطن ومصالحه العليا، وبالتالي هو القاسم المشترك البسيط الذي يفصل بين الأردني الحقيقي المخلص والناقد غير الوطني (الملك عبد الله الثاني 2002). ووضع الملك أيضًا عن طريق هذه الخطوة حدودًا للخطاب الذي يجوز استخدامه في العمل السياسي والمعارضة، ومنح الديوان الملكي إطارًا شرعيًا لقمع و/أو تكذيب أي جهة فاعلة سياسية لا تتماشى بالكامل مع الأجندة الملكية و/أو لاستبعادها عن صنع القرار. وتعزَّز أيضًا التماثل المطلق للأردن مع رؤية الملك بفضل إدراج السمات التي تُميِّز خطاب الملك عبد الله الثاني المتعلّق بالإصلاح النيوليبرالي ضمن خطاب الاستقرار والاستثنائية الذي لطالما استخدمه النظام الملكي الهاشمي لصياغة تمثيله الذاتي (El-Sharif 2014). وهدف ذلك إلى ترسيخ الصورة الدولية للأردن في عهد الملك عبد الله الثاني كواحة استثنائية للسلام والازدهار والتقدم في خضم الاضطرابات الإقليمية، وتوفير الشرعية المحلية لإعادة تنظيم سياسته الخارجية الموازية غير الشعبية ومواءمتها مع الولايات المتحدة (راين 2004). وكافأت الولايات المتحدة الأردن بمبلغ مالي ضخم حصل عليه كمساعدات سنوية لعبت دورًا محوريًا في تشكيل التحوّل النيوليبرالي في البلاد وتطبيقه، ومواصلة تمويل النفقات العسكرية والنفقات العامة (Barari 2015). ولعبت أيضًا المساعدات الخارجية دورًا أساسيًا في توسيع وترسيخ نطاق عملية اختراق المجتمع المدني الأردني واستقطابه والتحكّم به، التي أبصرت النور في عهد الملك حسين، فتحوّل في إطارها انتشار منظمات المجتمع المدني والمنظمات غير الحكومية والمبادرات الهادفة إلى تعزيز حقوق الإنسان والمناصرة، وتقديم المعونة إلى الطبقات الاجتماعية المحرومة، وتشجيع المشاركة السياسية، إلى أداة أخرى للإدماج المهيمن (Tauber 2019). وتوارى إذًا التحول القمعي المتشدّد في إدارة الدولة للمعارضة السياسية والذي أعقب إطلاق حملة "الأردن أولاً" خلف واجهة عنوانها تعزيز الديمقراطية، مما كبحَ جماح خطاب الديمقراطية الليبرالية. وترافقت هذه العملية بانتظام مع فرض القيود على الصحافة وتطبيق هذه القيود استراتيجيًا، وارتكزت هذه القيود على مبدأ عقابي مصمّم بعناية، مفاده: "اضرب واحد ليتعلّم مائة"، ويهدف إلى منع النشر العالمي لأي خبر أو حدث مثير للجدل يتعارض مع السردية الرسمية الصادرة عن المملكة. وشمل ذلك أيضًا حالات المعارضة البسيطة نسبيًا لأشخاص يعبّرون عن استيائهم من الوضع الاقتصادي في البلاد. وفي عام ٢٠٠٧ مثلًا، تعرّض صحافيين من قناة الغد المصرية للاعتداء على يد قوات الأمن عندما حاولا تغطية إضرابًا لسائقي الباصات في عمان (Freedom House 2008). أما في ما يتعلق بالأحداث الكبرى، فقد مُنعت الصحافة الدولية في عام ٢٠٠٢ من دخول مدينة معان الجنوبية عندما نفّذ الجيش عملية عسكرية واسعة النطاق حاصرَ فيها المدينة لأيام، واعتُقل صحافيين من قناة الجزيرة القطرية بسبب قيامهما بنقل الأخبار CPJ 2003). ومُنع أيضًا نشر مزاعم الفساد بشكل منهجي، وخضعت التغطية الدولية للتظاهرات المؤيدة لفلسطين أو للعراق لرقابةٍ صارمة (Schwendler 2003, 18-23; Greenwood 2003b). 

ومع ذلك، لم يكفِ على المدى المتوسط لا الاستقطاب ولا الإقناع، ولا العقاب ولا القمع، لحجب الاستياء الشعبي الاقتصادي والسياسي المتزايد من السياسات النيوليبرالية والاستبدادية التي تجسدت في نهاية المطاف من خلالها "فلسفة الحكم" التي انتهجها الملك عبد الله الثاني. نشأت بؤرة المعارضة الأولى تحديدًا في صفوف المجموعات الريفية المؤيدة تاريخيًا للنظام الملكي في الضفة الشرقية، حيث فشلت عسكرة الرعاية والضخ المستمر لأموال التنمية في التعويض الملائم عن تفكيك الرعاية العامة، وهشاشة الوظائف العامة وتقلّصها، والتضخم المتسارع. واتسم أيضًا الاستياء الشعبي بهوية معينة إذ صب حتمًا تنفيذ أجندة الملك النيوليبرالية في مصلحة القطاع الخاص الحضري الذي يسيطر عليه الفلسطينيون، وذلك بعد التقسيم العرقي القومي للعمل الذي ظهر على مر السنوات نتيجة توسع للقطاع العام (Tell 2015, 6). أما البؤرة الثانية فظهرت لدى فئات الطبقات الوسطى الحضرية السياسية (اليساريين والإسلاميين) والمثقفة (النقابات المهنية والصحافيين والطلاب) التي ازداد استيائها، بعدما عقدت آمالًا كبيرة على وعود الديمقراطية التي قطعها الملك عبد الله الثاني في بداية عهده، بسبب الانفتاح الرسمي الظاهري للملك وقيوده المشددة على هوامش المعارضة السياسية.  

٣ عام ٢٠١١ وما بعده: خطاب الملك عبدالله الثاني لشرعنة سلطته من جديد

صحيح أنّ بعض الإشارات الأوّلية للأزمة كانت قد بدأت تلوح في النصف الثاني من العقد الأوّل في الألفية الثالثة، بقي التململ الاجتماعي المتزايد في الأردن جمرًا تحت الرماد حتّى العقد الثاني (Ababneh 2016). تغيّر المشهد بشكل جذري اعتبارًا من عام ٢٠١٠، مع ظهور نزعة جديدة من الخصخصة وعلى إثر تداعيات أزمة ٢٠٠٨-٢٠٠٩ المالية القاسية على الاقتصاد الأردني التي أطلقت شرارة موجة غير مسبوقة من الاضطرابات العمّالية (Jordan Labor Watch 2011). يُعزى هذا التصعيد إلى النجاح في استنفار عمّال مرفأ العقبة، الذي كان له وقع "الدومينو" على القطاعين العام والخاص. أدّت هذه الصحوة إلى انضمام العسكريين المتقاعدين، الذين لطالما مثّلوا إحدى أهمّ القواعد الموالية للنظام الملكي على مرّ التاريخ، إلى صفوف المعارضة الاجتماعية، فنجحوا في تشكيلِ تحالفٍ جمعَ القوميّين في الضفة الشرقية الذين يتحدّون سياسات الملك عبدالله الثاني الاقتصادية، وممارسات السلطة، والخطاب القومي في الصميم (Tell 2015). نشأ هذا العصيان من الإشاعات التي رأت في مشروع تأسيس الأردن كوطن بديل للفلسطينيين أمرًا واجبًا (Tell 2015, 5). سرعان ما تشابك استنفار العسكريين المتقاعدين مع حركة الإسلاميين والمجموعات اليسارية المثيرة للجدل بُعيد الانتخابات النيابية في شهر تشرين الثاني/نوفمبر من عام ٢٠١٠، التي ركّزت أيضًا في مواجهتها السياسية على السياسات الاقتصادية في المملكة والسعي وراء إصلاحات ديمقراطية حقيقية والفساد المستشري (Tell 2015). تفاقم الوضع عام ٢٠١١، عندما هبّت رياح الثورة من كافة أنحاء المنطقة فوصلت إلى الساحل الشرقي لنهر الأردن.

بدأت التحركات الإجتماعية الأولى في شهر كانون الثاني/يناير في مدينة ذيبان، ثمّ عمّت باقي المدن الريفية في الضفّة الشرقية قبل وصولها إلى العاصمة. تزامن توسّع نطاق التحركات جغرافيًا مع توسّع طيف الاستنفار على صعيد الجهات الفاعلة اجتماعيًا، وأبرزها قادة العشائر، والأهمّ من ذلك، الشبكة الناشئة والمتوسّعة من الناشطين الشباب المنظّمين في إطار العديد من المنصات غير الرسمية والجماعات ولجان التنسيق المناطقية في الريف والمدينة على حدّ سواء (Yom 2015). التقت مطالب كل هذه الجهات المختلفة على ثلاث نقاط أساسية، وهي: فرض القيود الدستورية على السلطة الملكية، وإجراء انتخابات جديدة وفق قانون انتخاب أكثر إنصافًا، واقتلاع الفساد المستشري في الدولة من جذوره، وكلّها مطالب مشمولة في المناداة باستقالة رئيس الوزراء سمير الرفاعي على الفور (Yom 2014, 234). بلغت هذه الموجة المبكرة من التحرّك ذروتها في ٢٤ آذار/مارس، عندما أطلقَ ائتلافٌ من الناشطين الشباب الصاعدين (أو ما عُرف بـ"شباب ٢٤ آذار") دعوةً عبر مواقع التواصل الاجتماعي للمشاركة في اعتصام مفتوح عند دوّار الداخلية وسط عمّان. غير أنّ مبادرة ٢٤ آذار تعرّضت لقمع وحشي على يد "الشبيحة"، أي الجماعات الموالية للمنظومة والمناهضة للثورة بشتّى أساليب العنف من دون حسيب أو رقيب، الأمر الذي حال دون توفّر مساحة دائمة للاعتصام.  ومع تطوّرالتحركات الإجتماعية، برزت انقساماتٌ اجتماعية-جغرافية، فضلًا عن الفوارق بين الأجيال، وذلك في مختلف أطياف التحرّكات. ومع ذلك، استمرّت التحرّكات الإجتماعية (Yom 2014, 243-47). في الواقع، بين عام ٢٠١١ والانتخابات النيابية عام ٢٠١٣، شهدت البلاد نحو ٨۰۰۰ مظاهرة. أمّا الذروة الثانية فأتت في شهر تشرين الثاني/نوفمبر ٢٠١٢، عندما أشعلَ رفع الدعم عن المحروقات موجةً جديدة ومستمرّة من التظاهرات (Al-Khalidi 2012).

بالرغم من أنَّ الحراك الأردني اتّبعَ وضعية إصلاحية وليس ثورية، وشاركَ بمعدل أقل بكثير من الحراك في مصر وتونس، إلا أنّ المطالب العامة التي رفعتها مختلف الفئات التي اعتصمت في الشوارع شكّلت تحديًا غير مسبوق لاستمرارية عهد الملك عبدالله الثاني وشرعيّته. يكمن التحدّي الأوّل في استبعاد شريحة الشباب في الضفة الشرقية الداعمة تاريخيًا للنظام الملكي من الهياكل السلطوية المهيمنة التي نظّمت علاقتها بالدولة. تَجسّد هذا الشرخ في شعار "حقوق، لا مكارم" الذي رفعه شباب الضفة الشرقية للمطالبة بحقوقهم الاجتماعية والاقتصادية. بالتالي، حُرِمَ هؤلاء من آليات "السعي وراء الريع" التي هيمنت سابقًا على السياسات الريفية المثيرة للجدل لنقلها مباشرةً إلى ساحة الإصلاحات السياسية الشاملة (Yom 2014, 242-244). أمّا ثاني أكبر تحدٍّ، فكان النتائج المتطرّفة لممارسات الملك عبدالله الثاني المتناقضة من حيث خطابه وحكمه، التي طالت الطبقات الوسطى في المدن والتي كان يسعى الملك إلى ضمّها إلى قاعدته الشعبية، فباتت الآن تتحدّى سلطة الملك تحديدًا بسبب التغيير الديمقراطي الموعود. أخيرًا وليس آخرًا، أظهر الحراك إلى الجمهور العالمي الهوّة الكبيرة بين صورة الأردن التي يحرص الملك على تحديدها ونقلها بكل دقّة وعناية، وبين الواقع الملموس على الأرض.

استنادًا إلى هذه الخلفية، لجأ الملك كردّ أوّلي إلى استيعاب المطالب الشعبية جزئيًا كوسيلة لاقتناص فرصة الحراك من أجل تلميع صورة آليات الدمج، التي كان يسعى وراءها سابقًا لبسط هيمنته. وضع أسس هذه العملية في شهر شباط/فبراير ٢٠١١، من خلال استبدال رئيس الوزراء الرفاعي بالسياسي المحنّك معروف البخيت، الذي اختير بحسب "سام يوم"، لخلفيّته العسكرية وجذوره العشائرية، لاستمالة المحتجّين (Yom 2014, 233). تلا هذه الخطوة إنشاء العديد من اللجان المؤقّتة المكلّفة بتنفيذ الإصلاحات الدستورية والانتخابية والإصلاحات لمكافحة الفساد التي كانت تنادي بها الساحات. ولعلّ أهمّها لجنة الحوار الوطني المؤلّفة من ٥٢ عضوًا بمن فيهم الممثّلين عن المعارضة الجديدة، والتي كُلّفت بتحديد أجندة العمل لإرساء نظام ملكي دستوري في المملكة. بموازاة رعاية الخطاب حول الحوار والإصلاح من خلال اللجان، أتت محاولة "إعادة شراء" ولاء المناطق الريفية والعمّال في القطاع العام، وذلك من خلال إلغاء رفع الدعم، وإقرار تصحيح الأجور، وزيادة المعاش التقاعدي. مرّةً جديدة، أتى التمويل من الولايات المتحدة ودول الخليج التي سارعت إلى تقديم التبرّعات للحفاظ على استقرار الأردن، خوفًا من حصول اضطرابات كبيرة في المنطقة (Josua 2016, 16-18). لكن سرعان ما اتّضح أنّ الاستراتيجيّتين لم تُفلحا في الحدّ من ضغط الحركة الشعبية وضمّ نخب جديدة إلى هيكليّة السلطة الملكية، ممّا أدّى إلى غضّ النظر بسرعة عن الاستراتيجية الشمولية للعودة إلى الممارسات القمعية والإقصائية التي كان قد لجأ إليها الملك سابقًا لإعادة إنتاج نظامه السلطوي.

اعتبارًا من شهر آذار/مارس ٢٠١١، بدأ اعتقال الشباب الناشطين في الحراك بشكل منتظم، وتعرّضت التظاهرات في الأرياف والمدن إلى القمع بعنف (Yom 2014, 235-236). أوجد النظام حجّة فورية لهذا النهج القمعي من خلال تعديل قانون التجمّعات العامة الذي فرض على المتظاهرين الحصول على موافقة وزارية مسبقة، الأمر الذي ساعد السلطات على معاقبة أي مبادرة متمرّدة بشكل استراتيجي (Freedom House 2013). وصلت الأمور إلى ذروتها خلال التظاهرات المعارضة للتقشّف في شهر تشرين الثاني/نوفمبر ٢٠١٢، عندما كرّرت القوى الأمنية الأحداث التي شهدتها مدينة معان عام ٢٠٠٢ واستخدمت قبضتها الحديدية ضدّ المتظاهرين في الطفيلة، وذلك لضرب عصفورَين بحجر واحد، أوّلًا إخماد نقطة التظاهرات الأكثر تطرّفًا، وثانيًا تشكيل رادع عن التحركات المعادية للنظام في المستقبل (Paul 2012).

أمّا أرضيّة القمع الثانية، فكانت الإنترنت. مع بدء دخول أولى المدوّنات والصحف الإلكترونية المشهد الإعلامي المحلي في منتصف العقد الأوّل من الألفية الثالثة، ساهم غياب التشريعات المقيّدة للإنترنت في مساعدة هذه الوسائل على نشر الأخبار والآراء بحرية أكبر نسبيًا، وبالتالي زاد الاعتماد عليها كمصدر بديل للمعلومات والنقاشات. بحلول عام ٢٠٠٩، أشارت الأرقام إلى أنّ أكثر من ٥٠ في المائة من مستخدمي الإنترنت في الأردن يلجؤون إلى المواقع الإخبارية الإلكترونية للاطلاع على آخر المستجدات، وكانت الحصة الأكبر للوسائل الإعلامية المستقلّة مثل موقع Ammannews.net أو Sarraynews.com (IREX 2009). بالأهميّة ذاتها، شكّلت منصات التواصل الاجتماعي مثل فيسبوك وتويتر أداة أساسية للناشطين في الحراك لتنظيم التحركات ونقل إحداثياتها، وإطلاق النقاشات حول المسائل القانونية المحظورة، وفتح كوّة في جدار الخطوط الحمراء التي تخنق وسائل الإعلام التقليدية. فرضت الدولة المبادرة القمعية الأولى عام ٢٠١٢ مع تعديل قانون المطبوعات والنشر الذي نصّ على إلزام أي موقع إلكتروني ينشر المواد الإخبارية بخصوص "شؤون المملكة الداخلية أو الخارجية" بالتسجيل لدى الحكومة وتعيين رؤساء تحرير منتسبين إلى نقابة الصحافيين الأردنيين الخاضعة لسيطرة الحكومة (Folio 2015). تسبّب ذلك بحجب نحو ٣٠ موقع إلكتروني عام ٢٠١٣ فقط، وأُشهِر سيف "ديموقليس" الدائم فوق رؤوس وسائل الإعلام التي تمكّنت من الحصول على رخصة. تلت هذه المبادرة سلسلةٌ من التعديلات على قوانين مكافحة الإرهاب والجرائم الإلكترونية، التي وسّعت تعريف أعمال الإرهاب والجرائم الإلكترونية التي تسري عليها الجزاءات لتطال معظم أشكال التعبير عن الرأي التي تُعاقب عليها قوانين المطبوعات، فطبّقت على شبكة الإنترنت برمّتها الترتيبات التأديبية التي تفرضها الخطوط الحمراء لخنق الإعلام التقليدي، بما في ذلك التعليقات والمنشورات الشخصية على مواقع التواصل الاجتماعي. في الواقع، حرمت هذه التعديلات الصحافيين على المواقع الإلكترونية من حظر اعتقالهم لممارسة مهنتهم بطريقة قانونية كما كانت قد نصّت التعديلات على قانون المطبوعات والنشر عام ٢٠١٢ (IPI 2015). اتّضحت نتائج هذه المبادرات على الفور. ففي عام ٢٠١٥، أشار استبيان أجراه "مركز حماية وحرية الصحافيين" إلى أنّ ٩٥ في المئة من الصحافيين الأردنيين باتوا يمارسون الرقابة الذاتية بشكل روتيني (CDFJ 2015)، كما شهدت العقوبات القضائية وتعاميم منع النشر ضدّ الصحافيين على المواقع الإلكترونية والمواقع الإخبارية ارتفاعًا ملحوظًا (مراجعة المستند الأوّل).

المصادر: فريدوم هاوس، لجنة حماية الصحافيين، تقارير سنوية مختلفة

بكل فصاحة، بدأ فرض القيود الجديدة على حريّة الإعلام بالكامل بُعيد الانتخابات التي جرت في شهر كانون الثاني/يناير ٢٠١٣ والتي سجّلت عمليًا نهاية العملية التجميلية المليون لتأسيس الديمقراطية الدفاعية في تاريخ البلاد، مع أنّ الملك وضعها منذ اليوم الأول في إطار خطوة أساسية في المسار نحو الانتقال التدريجي للأردن إلى نظام الملكية الدستورية. شهدَ عام ٢۰١٦ الإنهاء الحاسم لهذه المسألة من خلال عدد من التعديلات الدستورية التي منحت الملك الصلاحية الحصرية لتعيين ولي العهد والوصي على العرش، ورئيس مجلس الأعيان وأعضاء المجلس، ورئيس المحكمة الدستورية وأعضائها، وقاضي القضاة، وقائد الجيش، إلى جانب مدير عام دائرة الاستخبارات العامة وقوّات الدرك (Abu Rish 2016). وعلى خلفية هذه الانتكاسات الديمقراطية الصارخة، اعتمد الملك عبدالله الثاني إطارًا تشريعيًا هدفه أن يضمّ إلى خطابه الإصلاحي حملة شاملة تقوم على الاستعلاء على المجتمع الأردني ومعاملته معاملة الأطفال، بحيث تمّ تصوير المجتمع بصورة منتظمة على أنّه غير ناضج أبدًا من الناحية الديمقراطية – وبالتالي لا يزال بحاجة إلى مساعدة من السلطة ليتعلّم ممارسات المواطنة السليمة والحوكمة وأصول المنطق السياسي الإيجابي – من أجل إدارة الانتقال المفاجئ إلى النظام الدستوري الكامل الذي كان يتمنّاه لبلده. تجلّت الأدلّة حول عدم النضج هذا في أي شكل من أشكال الانحراف المعارض عن مبادرات الاستمالة المفروضة من قِبل السلطات العليا والتي حدّدها الملك كنمط قانوني وحيد للإصلاح، بما في ذلك مقاطعة الانتخابات والمشاركة في لجنة الحوار الوطني من قِبل الأحزاب والشخصيات المعارضة، وأبرزها جبهة العمل الإسلامي (King Abdallah II 2012). تزامنت هذه النظرة مع إحياء الملك خطابه الهاشمي الاستثنائي والمتمحور حول الاستقرار في موازاة الردّ القمعي الذي لجأت إليه غالبية الأنظمة الإقليمية التي طالها الربيع العربي، والفتنة التي تلت (الانقلابات العسكرية، والصراع المدني، وتصاعد التطرّف الإسلامي، بحسب كل حالة). استُخدمت هذه الحجج تباعًا لتُشكّل مصادقة ذاتية للمرة المليون لنداء الملك الديمقراطي الجوهري المزعوم، وسيفًا يُشهر دائمًا لطلب ولاء الشعب والدعم الدولي. مرّةً جديدة، أُعدّت المسودّة لهذه الصيغة الجديدة الاستطرادية في سلسلة من أوراق المناقشة التي نُشرت اعتبارًا من شهر كانون الأول/ديسمبر 2012، حيث حضّر الملك، مستخدمًا لغة التدرّج والديمقراطية الليبرالية، الأرضية لتأجيل التغيير البرلماني الموعود بشكل نهائي، ولسنّ القوانين التي تضمن تركيز الصلاحيات أكثر فأكثر، التي من خلالها تجسّدت إصلاحاته في نهاية المطاف. [1] في إطار هذه العملية، جاء بالتزامن فرضُ قيودٍ جديدة على حرية الصحافة والإعلام ليتبيّن أنّه عنصرٌ محوريّ في كبح ظهور وانتشار الروايات البديلة والنقاشات في مهدها، الأمر الذي أعاد للنظام الملكي احتكار تمثيل البلاد، الذي اخترقه الحراك والإنترنت مؤقّتًا.

٤  النيوليبرالية، مجددًا: التدقيق في حدود وفعاليّة خطاب الملك عبدالله الثاني بعد الحراك

ولو أنّ طيفًا واسعًا من الخبراء والناشطين والمؤسّسات العالمية قد سلّطَ الضوء على أوجه الخلل الديمقراطية لحركة الإصلاح التجميلية بعد الحراك في الأردن وفصّلها منذ اليوم الأوّل، تمكّنت الاستراتيجية الخطابية التي اتّبعها الملك في تحقيق بعض النجاح. ينطبق ذلك تحديدًا على جمهور الملك عبدالله الثاني المستهدف عالمًيا (أي القوى الغربية وآراء نخبها المتحرّرة، وتحديدًا الولايات المتحدة الأميركية) (Robin 2019, 224)، الذي وضعَ النظام والتطوّرات السياسية في الأردن بعد الحراك ضمن إطار كَبَحَ بالكامل الخطاب الاستثنائي والتدرُّجي للملك عبدالله الثاني. في بداية الانتخابات البرلمانية عام ٢٠١٣، وصفت صحيفة نيويورك تايمز الحدث بأنّه خطوة صغيرة لكن عظيمة نحو خطة الملك بتحويل المملكة إلى دولة ديمقراطية، مع التأكيد على الأهمية الحاسمة للقانون الانتخابي الجديد ونتائج الاقتراع التي لم تُمثّل الأغلبية (Abu Rish 2013). نجح الخطاب الملكي حول التدرّجية وعدم النضج الديمقراطي في إحكام قبضة ما على طبقة ثابتة من الشعب الأردني (Martínez 2017). في استطلاعٍ للآراء مثلًا عام ٢٠١٧، أعلن ٩٢ في المئة من المُستطلَعين أنّهم يدعمون الإصلاح السياسي التدريجي، و٧ في المئة فقط أعربوا عن ثقتهم بالأحزاب السياسية (Arab Barometer 2017). لكنَّ هذه النجاحات النسبية في مجال الإصلاح السياسي لم تُترجَم في إنشاء تبعات نيوليبرالية مسالمة. ظهر الاختبار الأول لهذا الفشل في أواخر ربيع ٢٠١٨، عندما أشعل مشروع قانون جديد بمفعول رجعي على ضريبة الدخل بالتزامن مع رفع أسعار النفط أسبوعًا من المظاهرات المُناهِضة للتقشّف على صعيد البلاد.

ومع أنَّ المسبّبات الرئيسية لحراك ٢٠١١ كانت نابعة في الأساس من الانعكاسات الاجتماعية والاقتصادية للمشروع النيوليبرالي في الأردن وتداعياته السياسية، لم تتغيّر الأجندة الاقتصادية الوطنية بعد الحراك عن تلك التي كانت مُعتمَدة في الماضي القريب. تُعزى هذه الاستمرارية جزئيًا إلى الأداء السيئ على الصعيد الاقتصادي الشامل الذي استمرّت البلاد بتسجيله، في ظلّ تراجع أسعار النفط، والأهمّ من ذلك، الانخفاض الحاد في مداخيل السياحة، وخسارة السوق السورية واستمرار تدفّق اللاجئين بسبب الاضطرابات في المنطقة. تفاقمَ تأثيرُ الأزمة بسبب فشل الدولة في خلق فرص عمل لائقة، ومعالجة مشكلة بطالة الشباب، واحتواء الارتفاع المطّرد في كلفة المعيشة. وتفاقمَ الوضع في الربع الأوّل من عام ٢٠١٨ مع تطبيق سلسلة جديدة من مبادرات التقشّف الصارمة، إذ دفعت الأوضاع الحرجة في حسابات الدولة النظامَ الملكي إلى التفاوض مع صندوق النقد الدولي للحصول على قرض مشروط جديد. فبدأت التحرّكات الشعبية المناهضة للتقشّف في ٣٠ أيّار/مايو وهدأت في ٧ حزيران/يونيو، عندما قام رئيس الوزراء الجديد عمر الرزاز، بُعيد استقالة رئيس الوزراء الملقي في ٤ حزيران/يونيو 2018، بسحب مشروع القانون مؤقّتًا. شملت الجهات الفاعلة في هذه التحرّكات الشعبية ائتلافًا من القوى الاجتماعية القديمة والجديدة من الأرياف والمدن ومن مختلف الطبقات، بما في ذلك النساء والشباب وفئات متنوّعة من أصحاب المهن الحرّة والمهنيين والموظّفين أصحاب الدخل المتوسط والعالي الذين لم يشاركوا سابقًا في التحرّكات المناهضة للتقشّف. أتت تحرّكات حزيران/يونيو على نفس القدر من الأهمية واشتكت بشكل أساسي ومباشرةً من صندوق النقد الدولي و"سياسية التفقير" النيوليبرالية التي اعتمدها المشرّعون في الأردن بانتظام على مرّ العقدين الأخيرين من الزمن ((Ababneh 2018). تحدّت هذه التحرّكات بصراحة الخطاب الملكي الذي يُرجع جذور الأزمة المستمرّة إلى الوضع الاقتصادي الإقليمي، وإلى معادلة النيوليبرالية والازدهار والهوية الوطنية التي اعتمد القصر الملكي عليها لإعادة صياغة صفقته السلطوية (Ababneh 2018).

بعد التقييد الجائر للحرية الإعلامية الذي تلا الحراك، لغاية ٤ حزيران/يونيو، بالكاد حصلت التحرّكات ضدّ فرض الضرائب على أي تغطية إعلامية من الوسائل الأردنية الرسمية (Akeed 2018). علاوةً على ذلك، مُنِعَ عدّة صحافيين جسديًا من التغطية (Freedom House 2018; Freedom House 2019). عوّضت مواقع التواصل الاجتماعي جزئيًا عن كمّ أفواه وسائل الإعلام التقليدية، ونجحت في نقل صورة التحرّكات داخل الأردن وخارجه. إزاء هذا التأثير العكسي وغير المتوقّع حيال رقابة الدولة، جاء ردّ النظام بمحاولة تطبيق تعديل آخر تقييدي على قانون الجرائم الإلكترونية، لكنَّ الضغوطات من المجتمع المدني والناشطين أثبطت هذه المحاولة المبكرة مؤقّتًا (Araz 2020).[2]

أمّا الاختبار الثاني والمهمّ لفشل الخطاب الملكي في إنشاء تبعيات نيوليبرالية مسالمة، فتمثّل بإضراب المعلّمين عام ٢٠١٩. منذ التحرّكات الشعبية الأولى عام٢٠١٠، شكّل المعلّمون الأردنيون إحدى أكبر القوى الاجتماعية وأنشطتها في تحريك المشهد الوطني الثائر (Joplin 2021). تزامن تصدّرهم للمشهد الاجتماعي-السياسي مع عملية أوسع من إعادة التنظيم الثائر خارج الهيئات الاتحادية القائمة المتآمرة مع الدولة والتي بادر بها مجموعة من العاملين في القطاع العام في أواخر العقد الأوّل من الألفية الثالثة، كردّة فعل على فشل تلك الهيئات في تقديم أجوبة وافية للتدهور الحاد في ظروف العمل والمعيشة الناجم عن العقد الأوّل من السياسات النيوليبرالية التي اتّبعها الملك عبدالله الثاني (Adley 2012). أفضت إعادة التنظيم عام ٢٠١١ إلى الحصول على اعتراف رسمي بنقابة المعلّمين الأردنيين المستقلة بعدَ طولِ معاناة، والتي أصبحت الهيئة الممثّلة الرئيسية لنحو ١٠٠ ألف أستاذ في المدارس الرسمية. وإلى جانب المشاركة الفاعلة في أهمّ التحرّكات المعارضة خلال العقد، شكّلت الرواتب أحد التحديات الأساسية أمام النقابة. اعتلت هذه المسألة سلم الأولويات مجددًا بُعيد سياسة التقشّف عام ٢٠١٦، حيث اجتمعت الضرائب الجديدة مع ارتفاع كلفة المعيشة لتحدّ من القدرة الشرائية لرواتب المعلّمين إلى حدود خطّ الفقر النسبي (Nusairat 2019). وكانت النقابة قد نظّمت إضرابًا عام ٢٠١٤ لمدّة أسبوعين للمطالبة بتصحيح رواتب المعلّمين بما يتماشى مع معدلات التضخّم. بحسب النقابة، عُلّق الإضراب بعد التوصّل إلى اتفاق غير رسمي مع الحكومة، التزمت فيه الأخيرة برفع الأجور بنسبة ٥۰ في المئة بحلول عام ٢٠١٩ على أبعد تقدير (7iber 2019). ولأنّ هذا التعهّد بقي حبرًا على ورق، بدأت نقابة المعلّمين الأردنيين عام ٢٠١٩ بإرسال عدد من طلبات الاستجداء إلى الحكومة للمطالبة بالوفاء بتعهّدها السابق. جاء ردّ الحكومة بربط الزيادة المطلوبة ونسبتها ٥۰ في المئة بمشروع أوسع يقوم على إعادة الهيكلة النيوليبرالية لقطاع التعليم ويشترط إلغاء العلاوات على أداء المعلّمين. أمّا القشّة التي قصمت ظهر البعير، فأتت في ٥ أيلول/سبتمبر، عندما أقدمت الشرطة على استخدام العنف المفرط لفضّ اعتصام سلمي للمعلّمين في وسط عمّان، ما دفعَ المعلّمين إلى الإعلان عن إضراب مفتوح إلى حين تحقيق كلّ مطالبهم، بما في ذلك الاعتذار رسميًا عن أعمال القمع في ٥ أيلول/سبتمبر. بدأ الإضراب في ٨ أيلول/سبتمبر وانتهى في ٦ تشرين الأول/أكتوبر، عندما قامت الحكومة، وبعد شهر من التفاوض والعناد، بتلبية مطالب المعلّمين.

صحيحٌ أنّ الإضراب لم يتخطَّ حدود مكوّناته وأجندة عمله المحدّدة، إلا أنّ الحكومة نظرت إلى تطوّراته بكثير من القلق. ارتبط مصدر الخوف الأوّل في احتمال امتداد الإضراب، في حال النجاح، إلى فئات أخرى من العمّال، وتحديدًا في القطاع العام، وفي تلك الحالة لا تملك الخزينة ما يكفي من التغطية المالية. أمّا مصدر القلق الثاني فيرتبط بالتأييد الشعبي الواسع للإضراب بين مختلف طبقات المجتمع وعلى امتداد المناطق الجغرافية (Jarar and Ali 2019)، في مرحلةٍ كانت فيها التوتّرات الاجتماعية-الاقتصادية بعيدة كلّ البعد عن أي حلول. بين شهر شباط/فبراير وآذار/مارس ٢٠١٩، على سبيل المثال، نظّم مئات الشباب العاطلين عن العمل من المناطق الريفية المحرومة مسيراتٍ باتّجاه العاصمة للمطالبة بخلق فرص العمل لهم (al-Sharif 2019). على نطاقٍ أوسع، ومنذ شهر كانون الثاني/يناير ٢٠١٩، تمّ تسجيل ٦٢ تحركاً إجتماعياً على الأقل للمطالبة بالحقوق الاجتماعية-الاقتصادية (مركز العلوم الإجتماعية للأبحاث التطبيقية، مسح التحرّكات الاجتماعية في الأردن). من هذا المنطلق، لجأت الحكومة في استراتيجيتها الأولية إلى عادتها القديمة باستخدام الخطاب السلطوي، فسعت إلى فرض حلّها الخاص للنزاع من خلال استغلال حسّ ولاء المعلّمين لوطنهم بمواجهة المصاعب المالية. [3]أطلقت الحكومة بموازاة ذلك حملة واسعة لانتزاع الشرعية من المعلّمين من خلال وصم الإضراب، ووضعه ضمن إطار الانتهاك الدستوري والأخلاقي الفاضح لحقّ الطلاب المقدّس بالحصول على التعليم. ساهم في تحقيق هذه العمليّة المزدوجة سلاحٌ تنفيذيّ محوريّ، وهو الصدى المتجدّد الذي لاقاه خطاب الحكومة المهيمن والذي ضمنته القيود الجديدة على الحرية الإعلامية، ولا سيّما من خلال تركيز معظم التغطية للشؤون الداخلية في يد وكالة الأنباء التابعة للدولة "بترا" (Al-Khudari, Al-Quraan and Al-Zoubi 2021). استُخدمت وكالة "بترا"، هذه المرة، ومنذ اليوم الأوّل، لنقل صورة السلطة المناقضة لخطاب المعلّمين وكلّ مَن يتعاطف معهم عبر مواقع التواصل الاجتماعي. وكما يتبيّن في تحليل المحتوى الوارد بشكلٍ مُلخَّص في المستند رقم ٢، من بين ١٤٧ خبرًا نقلته وكالة بترا حول إضراب المعلّمين، فقط ٢ في المئة منها نقلت مواقف نقابة المعلّمين الأردنيين، مقابل ٨٥ في المئة كُرّست لنقل (٢١ في المئة) أو تأييد (٦٤ في المئة) خطاب الحكومة المهيمن وصياغته الاستراتيجية. شملت هذه الأخيرة المواقف السياسية للقوى والمؤسسات السياسية الأخرى البارزة (٢٤ في المئة)، ومواقف القوى الاجتماعية (١٦ في المئة) والمبادرات (٨ في المائة) المعادية للإضراب أو المعوّضة عنه، كما شملت أيضًا سردية متحيّزة جدًا لأيّام الإضراب (١٨ في المائة)، بحيث ركّز القسم الأكبر من المحتوى على ما نجمَ عن الإضراب من مشاكل وإزعاج. انعكس هذا التحيّز للحكومة أيضًا إلى حدّ كبير في التغطية التي قدّمتها أهمّ وسائل الإعلام التقليدية المحلية (الصحافة والمواقع الإلكترونية الإخبارية)، والتي، بحسب دراسة أجرتها لجنة حماية الصحافيين، اتّسمت بدرجة متدنّية جدًا من تعدّد الآراء والاعتماد المفرط للتغطية (٧۰ في المائة) على المواد المستنسخة من مصادر تابعة لمؤسّسات الدولة (CDFJ 2019). 

على الرغم من هذه الجهود المستمرّة، وعشيّة الأسبوع الثالث، لم يُظهر موقف المعلّمين، ولا الدعم الشعبي لهم، أي إشارة من إشارات التواني، ممّا استدعى الحكومة إلى اللجوء إلى أساليب أكثر شراسةً، بدءًا بالتهديد بصرف جماعي للمعلّمين في حال عدم تعليق الإضراب فورًا. غير أنّ هذه المبادرة لم تنجح سوى في تأجيج سخط الشعب، وسرعان ما اتّضح أنّه لا مفرّ من تحقيق مطالب المعلّمين رسميًا وبالكامل من أجل الحدّ من تصاعد الأزمة.

الخلاصة

إنَّ أحد الشروط الأساسية لنجاح الخطاب السياسي، وتمامًا كما قالَ "بيير بورديو"، هو درجة التطابق بين الصورة التي يرسمها هذا الخطاب من جهة، والصورة العالقة في أذهان الجمهور من جهة أخرى حيال العالم الاجتماعي الذي يتواجدون فيه (Bourdieu 1981).

حاولنا في هذا المقال أن نُبيّن أنّه، ومنذ اعتلاء الملك عبدالله الثاني العرش، وُضعت الخطط والاستراتيجيات لتكون القيود المفروضة على الحرية الإعلامية، وتطبيقاتها على المستوى التنفيذي، مبادئَ قاطعة وتأديبية شاملة تضمن للملك، بالإكراه والتعظيم، سيطرةً مُحكمة على السردية السائدة في البلاد. وعلى ضوء التحدّي الذي فرضَ إعادة إنتاج خطاب الملك عبدالله الثاني المهيمن جرّاء الحراك ونتائجه، لاقى الخطاب التدرُّجي حول الاستقرار، الذي استخدمه الملك لتشريع إعادة تمترسه في السلطة للمرة المليون، آذانًا صاغية لدى جمهوره الدولي المستهدف. هذا المزيج بين الواقع الملموس على الأرض (الفوضى المتنامية في المنطقة، والفرص الإصلاحية المحدودة، والتأثير والتبعية المحدودَين للأحزاب السياسية) وسياسة كمّ الأفواه التي اتّبعتها الدولة، قد أمَّنَ الحدّ الأدنى من الظروف العملية لإضفاء نوع من الأرجحية الأدائية لتصوّراته المسبقة. ينطبق الأمر نفسه على القبضة التي نجحت الخطابات حول التدرّجية والأحزاب السياسية في إحكامها على الجمهور المحلّي. من جهة أخرى، لا تزال تجارب الفقر والتقهقر الناجمة عن السياسات النيوليبرالية طوال عقدَين من الزمن، تُشكّل تحديًا كبيرًا أمام صياغة تبعيّات نيوليبرالية مسالمة، على الرغم من الاحتلال غير المسبوق للمساحة الخطابية التي توصّل إليها الملك عبدالله الثاني من خلال القيود المتزايدة على الصحافة والحرية الإعلامية.

في ظلّ فشل سياسة الإقناع، في السنة والنصف الماضية، لجأ النظام الأردني بشكل متزايد إلى القمع الاجتماعي (HRW 2021). ساهمت جائحة كوفيد-١٩ في تطبيق هذه الاستراتيجية القمعية، إذ أمّنت إطار العمل القانوني للنظام ليُعلن حالة طوارئ، وبالتالي تضييق الخناق على المعارضة الاجتماعية والسياسية. في شهر تمّوز/يوليو ٢٠٢٠ ، تمّ استغلال هذه القيود على التظاهر لمداهمة فروع نقابة المعلّمين الأردنيين وإقفالها في كافة أرجاء الوطن واعتقال عدد من القادة (HRW 2020a). وتزامنت هذه القيود مع تطبيق أحكام آنية للتعتيم الإعلامي لمنع التغطية الإعلامية للعديد من المبادرات القمعية التي تمارسها الدولة ضدّ جهات المعارضة والتحرّكات الاجتماعية المعادية للنظام، فضلًا عن التغطية المستقلّة لإدارة الدولة للجائحة (HRW 2020b). غير أنّه، وعلى الرغم من التراجع الملموس في عدد التحرّكات بسبب إجراءات الإقفال المطوّل لمنع انتشار الجائحة، فشلت هذه المبادرات القمعية حتّى الآن في فكّ التحرّكات بما يتناسب مع الجهود القمعية التي تمارسها الدولة (مركز العلوم الإجتماعية للأبحاث التطبيقية، المسح). علاوةً على ذلك، بدأ تشديد الرقابة الإعلامية يلفت انتباه وسائل الإعلام الدولية والمراقبين حول العالم (Kingsley, Sweis and Schmit 2021). لذا يُمكن القول إنّه، وفي غياب الإصلاحات السياسية والاقتصادية المستدامة على أُسُس أكثر إنصافًا وشمولية، لن ينجح القمع والرقابة وحدهما في ضمان التبعية الاجتماعية المسالمة والتأييد الدولي للنظام الأردني، وهما عاملان ساهما في العقود الماضية في إعادة إنتاج النظام.

 

قائمة المراجع

7iber. 2019. “لماذا يعتصم معلمو ومعلمات الأردن؟ “, 7iber, September 05, 2019. https://www.7iber.com/politics-economics/لماذا-يعتصم-معلمو-ومعلمات-الأردن/

Ababneh, Sara. 2016. “Troubling the Political: Women in the Jordanian Day-Waged Labor Movement.” International Journal of Middle East Studies 48, no. 1 (Feb): 87–112. https://doi.org/10.1017/S0020743815001488.

———. 2018. “‘Do You Know Who Governs Us? The Damned Monetary Fund,’”. MERIP Blog, June 30, 2018. https://merip.org/2018/06/do-you-know-who-governs-us-the-damned-monetary-fund/.

Abu Rish, Ziad. 2013. “Romancing the Throne: The New York Times and The Endorsement of Authoritarianism in Jordan.” Jadaliyya – جدلية, February 03, 2013.  https://www.jadaliyya.com/Details/27961.

———. 2016. “The Facade of Jordanian Reform: A Brief History of the Constitution.” Jadaliyya – جدلية, May 31, 2016. https://www.jadaliyya.com/Details/33315

Adley, Fida. 2012. “The Emergence of a New Labor Movement in Jordan,” MERIP 264, (Fall 2012). https://merip.org/2012/08/the-emergence-of-a-new-labor-movement-in-jordan/.

Akeed. 2018. “Official Media Absent; Facebook Leading Protests,” Akeed, April 06, 2021. http://www.akeed.jo/en/post/1742/Official_Media_Absent_Facebook_Leading_....

Al-Khalidi, Suleiman. 2012. “Jordan lifts fuel subsidies, sparks protests, Reuters, November 13, 2012. https://www.reuters.com/article/jordan-gasoline-prices-idUSL5E8MDCKK2012...

Al-Khudari, Majid Numan, Al-Quraan Muhamad I., and Al-Zoubi Ashraf Faleh. 2021. “The Reliance of the Jordanian Daily Newspapers on the Jordan News Agency as the Main Source of News and Its Impact on Content.” Psychology and Education Journal 58, no. 2 (Feb): 4776–90. https://doi.org/10.17762/pae.v58i2.2869.

Al-Sharif, Omar. 2019. “Hundreds of Jordanians march toward capital demanding jobs”. Al-Monitor, March 5, 2019. https://www.al-monitor.com/originals/2019/03/jordan-youth-march-sit-in-royal-palace-unemployment.html#ixzz6zgllucUF

Alnajjar, Abeer. 2021. “What's wrong with Jordanian media?”. OpenDemocracy, April 9, 2021. https://www.opendemocracy.net/en/north-africa-west-asia/whats-wrong-jord...

Andoni, Lamis, and Jillian Schwedler. 1996. “Bread Riots in Jordan.” Middle East Report, no. 201 (Winter): 40–42. https://doi.org/10.2307/3012771.

Arab Barometer. 2017. “Jordan Five Years After the Arab Uprisings”, Arab Barometer, August 1, 2017. https://www.arabbarometer.org/wp-content/uploads/Jordan_Public_Opinion_Survey_2016.pdf

Araz, Sevan. 2020. “Jordan adopts sweeping cybersecurity legislation”. Middle East Institute, January 30, 2020. https://www.mei.edu/publications/jordan-adopts-sweeping-cybersecurity-legislation

Barari, Hassan A. 2015. “The Persistence of Autocracy: Jordan, Morocco and the Gulf.” Middle East Critique 24, no. 1 (Jan): 99–111. https://doi.org/10.1080/19436149.2014.1000084.

Baylouny, Anne Marie. 2008. “Militarizing Welfare: Neo-Liberalism and Jordanian Policy.” Middle East Journal 62, no. 2 (Spring): 277–303.

Bourdieu, Pierre. 1981. “Décrire et prescrire.” Actes de la Recherche en Sciences Sociales 38, no. 1: 69–73. https://doi.org/10.3406/arss.1981.2120.

CDFJ. 2019. “الحياد الغائب في تغطية إضراب المعلمين في وسائل الإعلام”, Committee to Defend the Freedom of Journalists, Septemebr 2019. https://cdfj.org/wp-content/uploads/2019/09/%D8%AA%D9%82%D8%B1%D9%8A%D8%B1-%D8%A7%D8%B6%D8%B1%D8%A7%D8%A8-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B9%D9%84%D9%85%D9%8A%D9%86.pdf

CPJ. 2003. Attacks on the Press 2002: Jordan. Committee to Protect Journalists, March 31, 2003

https://cpj.org/2003/03/attacks-on-the-press-2002-jordan/

El-Sharif, Ahmad. 2014. “Constructing the Hashemite Self-Identity in King Abdullah II’s Discourse.” International Journal of Linguistics 6, no. 1 (Feb): 34–52. https://doi.org/10.5296/ijl.v6i1.5170.

Folio, Ryan. 2015. “The 2012 Amendment to Jordan’s Press and Publications Law: The Jordanian Government’s Stigmatization Campaign against News Websites.” Jadaliyya – جدلية, December 19, 2015. https://www.jadaliyya.com/Details/32794.

Freedom House. 2008. Freedom of the Press 2008 - Jordan, 29 April 2008, available at: https://www.refworld.org/docid/4871f610c.html

———. 2013. Freedom in the World 2013 - Jordan, 23 April 2013, available at: https://www.refworld.org/docid/5180c904a.htm

———. 2018. Freedom on the Net 2018 – Jordan, November 1, 2018, available at:  https://www.refworld.org/docid/5be16b0dc.html;

———. 2019. Jordan: Freedom on the Net 2019 Country Report, Freedom House https://freedomhouse.org/country/jordan/freedom-net/2019

 

Greenwood, Scott. 2003a. “Jordan’s ‘New Bargain:’ The Political Economy of Regime Security.” Middle East Journal 57, no. 2 (Spring): 248–68.

———. 2003b. “Jordan, the al-Aqsa Intifada and America’s ‘War on Terror’”, Middle East Policy 10, n°3: 90-111

Sakr, Naomi. 2013. ‘We Cannot Let it Loose’: Geopolitics, Security and Reforms in Jordanian Broadcasting” in Tourya Guaaybess (ed.), National Broadcasting and State Policy in Arab Countries. Palgrave Macmillan. 96-116

HRW. 2021. “World Report 2021: Jordan”. Human Rights Watch, https://www.hrw.org/world-report/2021/country-chapters/jordan

———. 2020a. “Jordan: Teachers’ Syndicate Closed; Leaders Arrested”. Human Rights Watch, July 30, 2020. https://www.hrw.org/news/2020/07/30/jordan-teachers-syndicate-closed-leaders-arrested

———. 2020b. “Jordan: Escalating Repression of Journalists”. Human Rights Watch, August 18, 2020. https://www.hrw.org/news/2020/08/18/jordan-escalating-repression-journalists

ICNL. 2019. “The Right to Freedom of Expression Online in Jordan”, International Center for Not-for-Profit Law, May 2019, 10 https://www.icnl.org/wp-content/uploads/Guide-to-Internet-freedoms-in-Jordan-English.pdf

IREX. 2009. “Media Sustainability Index 2009 – Jordan”, available at: https://www.irex.org/sites/default/files/pdf/media-sustainability-index-middle-east-north-africa-2009-jordan.pdf

IPI. 2015. “Jordan’s Online Media Freedom at Stake,” International Press Institute, November 19, 2015, https://ipi.media/jordans-online-media-freedom-at-stake/

İşleyen, Beste, and Nadine Kreitmeyr. 2021. “‘Authoritarian Neoliberalism’ and Youth Empowerment in Jordan.” Journal of Intervention and Statebuilding 15, no. 2 (Mar): 244–63. https://doi.org/10.1080/17502977.2020.1812996.

Jones, Adam. 2002. “From Vanguard to Vanquished? The Tabloid Press in Jordan.” Political Communication 19, no. 2 (Apr): 171–87. https://doi.org/10.1080/10584600252907434.

———. 1998. “Jordan: Press, Regime, and Society Since 1989”. Montréal : Consortium Universitaire pour les Études Arabes.

Marshall, Shana. 2013. “Jordan’s Military-Industrial Complex and the Middle East’s New Model Army,”. MERIP. https://merip.org/2013/06/jordans-military-industrial-complex-and-the-middle-easts-new-model-army/.

Jarar, Shaker and Ali Doa, “إضراب من أجل الصالح العام”, 7iber, September 14, 2019. https://www.7iber.com/politics-economics/إضراب-من-أجل-الصالح-العام/.

Jordan Labor Watch. 2011. “Labor Protests in Jordan 2010”. Report Series, Issue 1/2011, February 2011. http://library.fes.de/pdf-files/bueros/amman/10104.pdf

Joplin, Ty. “Jordanian Teachers Union Leaves Behind Legacy of Wins”, Labor Notes, May 03, 2021. https://labornotes.org/blogs/2021/05/learning-jordans-militant-teachers-union

Josua, Maria. 2016. “If You Can’t Include Them, Exclude Them: Countering the Arab Uprisings in Algeria and Jordan.” GIGA Working Papers 258 – 05/2016. https://pure.giga-hamburg.de/ws/files/21197835/wp286_josua.pdf

King Abdallah II. 2002. “Letter to Ali Abul Ragheb on the national interest”, October 30, 2002. https://kingabdullah.jo/en/letters/letter-ali-abul-ragheb-national-interest

———. 2012. “Our Journey to Forge Our Path Towards Democracy”, Discussion Paper, December 29, 2012. https://kingabdullah.jo/en/discussion-papers/our-journey-forge-our-path-towards-democracy

Kingsley, Patrick, Rana F. Sweis and Eric Schmitt. 2021. “Royal Rivalry Bares Social Tensions Behind Jordan’s Stable Veneer”. The New York Times, April 10, 2021. https://www.nytimes.com/2021/04/10/world/middleeast/jordan-king-crown-pr....

Kreitmeyr, Nadine. 2019. “Neoliberal Co-Optation and Authoritarian Renewal: Social Entrepreneurship Networks in Jordan and Morocco.” Globalizations 16, no. 3 (Apr): 289–303. https://doi.org/10.1080/14747731.2018.1502492.

Lebanon Support. 2021. “Mapping of Collective Actions in Jordan”. https://civilsociety-centre.org/cap/collective-actions-mapping-jordan

Lucas, Russell. 2003. “Press Laws as a Survival Strategy in Jordan, 1989–99.” Middle Eastern Studies, no 4 (Oct): 81-98. https://doi.org/10.1080/00263200412331301797.

Martínez, José Ciro. 2017. “Jordan’s Self-Fulfilling Prophecy: The Production of Feeble Political Parties and the Perceived Perils of Democracy.” British Journal of Middle Eastern Studies 44, no. 3 (Jul): 356–72. https://doi.org/10.1080/13530194.2016.1193805.

Najjar, Orayb Aref. 1998. “The Ebb and Flow of the Liberalization of the Jordanian Press: 1985–1997.” Journalism & Mass Communication Quarterly 75, no. 1 (Mar): 127–42. https://doi.org/10.1177/107769909807500113.

Nusairat, Tuqa. 2019. “Teachers’ Protest Challenges Jordanian Status Quo,” Atlantic Council, September 27, 2019, https://www.atlanticcouncil.org/blogs/menasource/teachers-protest-challenges-jordanian-status-quo/.

Oudat, Mohammed Ali Al, and Ayman Alshboul. 2010. “‘Jordan First’: Tribalism, Nationalism and Legitimacy of Power in Jordan.” Intellectual Discourse 18, no. 1 (Jun): 65-96

Paul, Katie. 2012. “In Jordan's Tafilah, Demands Escalate for King’s Downfall”. Al-Monitor, November 16, 2012. https://www.al-monitor.com/originals/2012/al-monitor/jordan-king-talifah.html

Phillips, Colfax, 2019. “Dhiban as Barometer of Jordan’s Rural Discontent,” MERIP 292, n°3 (Fall-Winter) https://merip.org/2019/12/dhiban-as-barometer-of-jordans-rural-discontent/.

Robins, Philip. 2019. A History of Jordan. Cambridge: Cambridge University Press

Robinson, Glenn E. 1998. “Defensive Democratization in Jordan.” International Journal of Middle East Studies 30, no. 3 (Aug): 387–410.

RSF. 2021. Reporters Without Borders - “Jordan”. Reporters Without Borders https://rsf.org/en/jordan

Ryan, Curtis R. 2004. “‘Jordan First’: Jordan’s Inter-Arab Relations and Foreign Policy Under King Abdullah II.” Arab Studies Quarterly 26, no. 3 (Summer): 43–62.

———. 1998. “Peace, Bread and Riots: Jordan and the International Monetary Fund.” Middle East Policy 6, no. 2 (Oct): 54–66. https://doi.org/10.1111/j.1475-4967.1998.tb00308.x.

Rugh, William A. 1979. The Arab Press: News Media and Political Process in the Arab World. New York: Syracuse University Press

Schwedler, Jillian. “More Than a Mob: The Dynamics of Political Demonstrations in Jordan.” Middle East Report, no. 226 (Spring): 18–23. https://doi.org/10.2307/1559278.

———. 2002. “Occupied Maan,” MERIP Blog, March, 12, 2002 https://merip.org/2002/12/occupied-maan/.

Tauber, Lilian. 2019. ‘Social entrepreneurship, civil society, and foreign aid in Jordan’ in Natil, Ibrahim, Chiara Pierobon, and Lilian Tauber, (eds). The Power of Civil Society in the Middle East and North Africa: Peace-Building, Change, and Development. London: Routledge https://doi.org/10.4324/9780429265006.

Tell, Tariq. 2015. “Early Spring in Jordan: The Revolt of the Military Veterans.” Carnegie Middle East Center. https://carnegie-mec.org/2015/11/04/early-spring-in-jordan-revolt-of-military-veterans-pub-61448.

Tweissi, Basim. 2019. “Media Reform in Jordan: Severe Transformations.” Confluences Méditerranée 110, no. 3: 113–26. https://doi.org/10.3917/come.110.0113.

———. 2021. ‘Jordan: Media’s Sustainability during Hard Times’ in Kozman Caludia and Carola Richter (eds.). Arab Media Systems. Open Book Publishers: 55-71 https://doi.org/10.11647/OBP.0238.

Yom, Sean L. 2015. “The New Landscape of Jordanian Politics: Social Opposition, Fiscal Crisis, and the Arab Spring.” British Journal of Middle Eastern Studies 42, no. 3 (Jul): 284–300. https://doi.org/10.1080/13530194.2014.932271.

———. 2014. “Tribal Politics in Contemporary Jordan: The Case of the Hirak Movement.” Middle East Journal 68, no. 2 (Spring): 229–47.

 ———. 2009. “Jordan: Ten More Years of Autocracy.” Journal of Democracy no. 4 (Oct): 151–66.

https://www.journalofdemocracy.com/articles/jordan-ten-more-years-of-autocracy/.

Younes, Ali. 2020. “Jordan imposes state of emergency to curb coronavirus pandemic”. Al-Jazeera, March 17, 2020. https://www.aljazeera.com/news/2020/3/17/jordan-imposes-state-of-emergency-to-curb-coronavirus-pandemic  

 


[1] السلسلة الكاملة من أوراق المناقشة الخاصّة بالملك عبدالله الثاني متوفّرة على موقعه الإلكتروني الرسمي عبر الرابط التالي: https://kingabdullah.jo/en/vision/discussion-papers

[2] بعد سنوات من التخبّط، نجحت الحكومة الأردنية أخيرًا في تعديل قانون الجرائم الإلكترونية في شهر كانون الثاني/يناير 2020 (Araz 2020)

About the author(s):
Rossana Tufaro:

Dr. Rossana Tufaro is a Research Fellow and a researcher in Contentious Politics - MENA at the Centre for Social Sciences Research and Action, with a focus on Lebanon and Jordan. In the past years, she devoted most of her research activities to the investigation of Lebanese labor history and the history of Lebanese popular politics in the global 1960s from a transnational perspective. Her main research interests include the history of popular and contentious politics in the Levantine region, the political economy of the MENA region, and the history of transnational radical cultures in the Mediterranean area. Over the years, she has lectured in a variety of international conferences and universities, and has been affiliated with numerous Lebanese and Italian academic institutions. Rossana is currently a teaching Assistant of Contemporary History of the Arab Middle East at the University of Rome “La Sapienza”. Rossana has a PhD in Studies on Africa and Asia, she specialised in the social and political history of contemporary Lebanon.

ORCID: https://orcid.org/0000-0002-6814-8736
Facebook: https://www.facebook.com/rossana.tuf/
Twitter: https://twitter.com/rossana_tuf