بيان حول اعتماد الاستراتيجية الوطنيّة للحماية الاجتماعيّة الأولى من نوعها في لبنان

يشيد مركز العلوم الاجتماعية للأبحاث التطبيقيّة (CeSSRA) باعتماد لبنان الاستراتيجية الوطنيّة الأولى للحماية الاجتماعيّة التي تشكّل نقطة محورية نحو العدالة الاجتماعية في البلد. وتمثّل هذه الاستراتيجية خطوةً حاسمةً لإرساء عقدٍ اجتماعيٍّ جديدٍ بين الدولة ومواطنيها، تكون الحقوق الاجتماعيّة إحدى ركائزه الأساسيّة.
 
طُوّرت هذه الاستراتيجية من خلال مسار تشاوري طويل مع الجهات المعنية الحكومية وغير الحكومية، وقد صُمّمت لتلبّي الاحتياجات الفوريّة في مجال الحماية الاجتماعية وترسي أُسُسًا استراتيجيّة للوصول الطويل الأمد والمستدام إلى الحقوق. وتتوافق الاستراتيجيّة مع دستور لبنان والتزاماته الدوليّة من خلال تكريس الحماية الاجتماعية كحقٍّ أساسيّ من حقوق الإنسان.
تجمع الاستراتيجيّة بين النهج القائم على دورة الحياة والنهج القائم على الركائز، فتضمن منظورًا يتمحور حول الإنسان ويتطرّق إلى التدابير الفوريّة للحدّ من الفقر، كما يضع ركائز طويلة الأمد لإنشاء نظام حماية اجتماعيّة شامل يقوم على الحقوق ويستند إلى خمس ركائز: المساعدة الاجتماعية، التأمين الاجتماعي، الوصول المالي إلى الخدمات (الصحة والتعليم)، الإدماج الاقتصادي وتفعيل سوق العمل، والرعاية الاجتماعية.
وتهدف هذه الاستراتيجية بمختلف ركائزها إلى توحيد النظام المجزّأ حاليًا وتعزيز التنسيق بين قواعد البيانات والبرامج، وتبسيط العمليات البيروقراطيّة، وضمان التعاون بين الوزارات والمؤسسات.
 
بالتزامن مع احتفاء المركز بهذا الحدث الهام في تاريخ لبنان وصنع السياسات الاجتماعيّة في البلد، بيد أننا ندرك حدود هذه الاستراتيجيّة التي يعتمد تطبيقها، على المدى القصير، على سنّ تشريعات محدّدة لها.
وعلى الرغم من أن الاستراتيجيّة التي صيغت في البداية كانت شاملة، إلا أنّ الاستراتيجية المعتمدة في شكلها الحالي تستبعد غير المواطنين/ات. سيؤدّي هذا الاستبعاد لغير المواطنين/ات حتمًا إلى تفاقم حالات الهشاشة لدى السكان، مما يمكن أن يعيق الهدف العام المتمثّل في الحماية الاجتماعية الشاملة، وإنشاء نظامٍ شاملٍ وعادلٍ للحماية الاجتماعية، وتحقيق مجتمع ٍأكثر عدلاً في نهاية المطاف.
 
تتطلب الأزمات المالية والاقتصادية المستمرّة مراقبةً يقظة واتخاذ تدابير تكيفيّة لضمان الاستدامة المالية لهذه الاستراتيجية. إذ أنه منذ صياغتها، حدثت تغيّرات اقتصاديّة ملحوظة في البلد، بما في ذلك التدهور المفجع في مؤشرات الفقر، وزيادة تآكل مدخرات الأفراد، وانخفاض مستمرّ لقيمة العملة الوطنية، واستنزاف احتياطيات العملات الأجنبية، والإلغاء الكامل للدعم على السلع الأساسيّة من دون أيّ إجراءات مُقابِلة لمكافحة التضخّم. مما يحتّم إذًا الحاجة إلى تحديث آليات تمويل الاستراتيجيّة. ويؤدي التصعيد الأخير للصراع على الحدود الجنوبية للبنان إلى تفاقم الوضع الاقتصادي، كما يفرض أولويات حماية عاجلة للتخفيف من تداعيات الحرب.

 ينبغي أن تشكّل هذه الاستراتيجية جزءًا لا يتجزأ من سيرورة سياسية ديمقراطية قائمة على المساءلة والمشاركة والمراقبة من المواطنين/ات لضمان التنفيذ المناسب لركائزها المختلفة، فضلاً عن خلق الحيز المالي المناسب للسماح بتخصيص الأموال وصرفها بهدف تمويل الاستراتيجيّة وتنفيذها واستدامتها.