You are here
Muna commits suicide after years of suffering from violence
Muna commits suicide by intake of drugs. Her body was covered with bruises and investigations proved that Muna had been suffering from abuse by her husband for many years.
العنف الأسري يقتل منى... انتحاراً
آمال خليل
يمعن مجلس النواب في «تمييع» قانون حماية النساء من العنف الأسري. مماطلة ممثلي الشعب، يترتب عنها نتائج خطرة بين النساء، تصل إلى حد الموت. منى انتحرت بعدما ضاقت بها الحياة. العنف كان عاملاً أساسياً دفعها إلى القرار، رغم أن القانون برّأ زوجها
طفح يأس منى. لم تعد تستطيع انتظار النواب والوزراء والرؤساء والمؤسسات الرسمية والجمعيات الأهلية، وحتى الأهل، لكي يضعوا حداً لمعاناتها. اتخذّت قرارها: الانتحار. تناولت تسع حبات من أدوية مختلفة وفارقت الحياة بعد ساعات.
في 24 أيلول الفائت، أصدر المحامي العام الاستئنافي في الجنوب القاضي طارق منيمنة مذكرة توقيف بحق منير (الاسم مستعار)، زوج منى، بتهمة التسبّب في وفاة زوجته استناداً إلى المادة 564 من قانون العقوبات. مصدر مطلّع أوضح لـ«الأخبار» بأن قرار التوقيف استند إلى أسباب عدة أوّلها «تأخر منى لأكثر من عشر ساعات بين تناولها الأدوية ووصولها إلى المستشفى برفقة منير وولديهما القاصرين، ما جعل إمكانية إنقاذ حياتها مستحيلة. وثانيها وجود كدمات على يديها وقدميها. وثالثها اعتراف الزوج أمام القوى الأمنية التي أبلغتها إدارة المستشفى بالحادثة، بأنه كان يضربها ويعنّفها بشكل دائم. فيما كانت شقيقة منى تصرخ بصهرها، لدى وصولها إلى المستشفى: «ماذا فعلت بأختي؟».
ووفق مصدر مطلّع، أقرّ منير بأنه كان يضرب منى ويعنّفها بشكل مستمر. لكنه أكد أنها تناولت الأدوية في غيابه وغياب ولديه، قبل أن يفاجأ بها طريحة الفراش لا تقوى على الحركة. وبرغم أنه وولديه أشارا عليها بالذهاب إلى المستشفى، إلا أنها رفضت. وحين فقدت الوعي تماماً حملوها وتوجهوا بها إلى المستشفى. أما عن الكدمات في أنحاء من جسدها، فقد ردّها الزوج إلى احتمال ارتطامها بالدرج خلال حملها إلى المستشفى.
النيابة التي وجهت التهمة الرئيسية لمنير، أوقفت أيضاً ولديه لمعرفة ظروف عيش والدتهما وملابسات إقدامها على تناول الأدوية وسبب تأخرهما مع والدهما في نقلها إلى المستشفى.
وبعد إجراء التحقيقات الأولية مع الثلاثة وادعاء النيابة عليهم، حُوّلت القضية إلى قاضي التحقيق بلال حلاوي الذي استمع إليهم. جلسات الاستماع جرت وهم كانوا لا يزالون قيد التوقيف في نظارة قصر عدل صيدا. حلاوي وجد أن لا علاقة سببية مباشرة للزوج بتناول زوجته للأدوية، وأنها أقدمت على فعل الانتحار بملء إرادتها. وبالتالي، ما من داع لتوقيفه وفقاً للمادة 564 من قانون العقوبات التي تعاقب على التسبب في وفاة شخص ما. أحال حلاوي خلاصة تحقيقاته إلى النيابة العامة لإبداء رأيها في طلب إخلاء السبيل الذي قدمه منير. إلا أن الأخيرة طلبت رد الطلب، واستأنفت قرار حلاوي بإخلاء سبيله. الهيئة الاتهامية، حيث حوّل الملف للنظر والبت، صادقت على رأي حلاوي ووجدت أن الزوج غير مدان قانونياً وأن فعل انتحار منى كان إرادياً. في الثالث من الشهر الجاري صدر قرار بترك منير وولديه.
بعين القانون، منير ليس مداناً في التسبب بموت زوجته. لكن هل هو بريء فعلاً من دم منى؟.
في محيط منزل الزوجية حيث انتحرت منى في منطقة صيدا، حاولت «الأخبار» رسم ملامح من الحياة التي قررت صاحبتها الشابة إنهاءها. العدد القليل من الجيران الذين قبلوا التحدث إلينا، أكدوا أن منى كانت «تعيش في الجحيم. إذ كانت تتعرض للعنف وسوء المعاملة من زوجها بشكل دائم. وعندما كان يطردها من المنزل، كانت تلجأ إلى أهلها الذين كانوا يجبرونها على العودة إليه». ويلفتون إلى أن العنف «لم يكن من نصيب الزوجة فقط، بل إن ولديه وابنته الوحيدة (جميعهم قاصرون)، كانوا يتعرّضون للضرب بشكل دائم». وإن كانت الوالدة قد اختارت الانتحار، فإن ابنتها اختارت الهرب خطيفة مع شاب بهدف الزواج منه.
اللافت أن أقرباء الزوجين كانوا يردّون سبب وفاة منى لدى سؤالهم إلى تعرضها لحادث سير. «شو منجرّص حالنا؟» تقول إحدى قريباتها. الجرصة برأيهم هي الانتحار. ماذا عن تعرّضها للضرب؟. توضح قريبتها بأن منى كانت قد تقدّمت بأكثر من شكوى ضد منير في المخفر بسبب ذلك. لكنها كانت لاحقاً تسقط الشكوى وتعود إلى منزل الزوجية. اختلفت نصائح المحيطين بها لمواجهة واقعها. فمنهم من نصحها بتركه والاستقلال عنه وعن أسرتها التي لم تستقبلها يوماً والاعتماد على نفسها بالعمل. ومنهم من نصحها بالرضوخ للأمر الواقع في بيئة لن ترحمها في حال طلبت الطلاق وتركت أولادها وقررت العيش بمفردها. منى عملت بالنصيحة الثانية، ليس لأنها «مازوشية»، بل لأنها وجدت نفسها وحيدة في مواجهة العنف الزوجي.
ليلى عواضة، المحامية في منظمة «كفى عنف واستغلال»، وجدت أن المجتمع والدولة ومجلس النواب، هم المدانون. ولفتت إلى أن تأخر إقرار قانون حماية النساء من العنف الأسري قد يتسبّب في مصير أسود لنساء أخريات، إما يقتلن أنفسهن أو يقتلن المعنّف. فلو كان القانون قد أقرّ بنسخته الأصلية، لكانت منى وجدت نفسها أمام خيارات عدة لمواجهة العنف الزوجي غير الانتحار. إذ يعتبر القانون في مادته الثالثة العنف الأسري جرماً معاقباً عليه. أما مادته الرابعة فتنص على تعيين نائب عام استئنافي أسري في كل محافظة. فيما تنصّ الخامسة على تشكيل قطعة متخصصة في المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي مهمتها تلقي الشكاوى والتحقيق في شأنها. والأهم أن المادة السادسة منه تعطي الحق للشهود والضحايا ومقدّمي الخدمات الطبية في القطاعين الخاص والعام ومراكز تقديم المساعدة في هذه الحالات، بأن يقدّموا ادعاء أو شكوى مباشرة إلى الضابطة العدلية. كما أن القانون يوفّر لها ولأولادها الحماية لمنع استمرار العنف أو التهديد به.
القانون في الأدراج
لم تنتظر منى أن تقرّر اللجان النيابية المشتركة البحث الجدي في قانون «حماية النساء من العنف الأسري» المدرَج على جدول أعمالها منذ أكثر من شهر. خلال تلك الفترة، استحوذ قانون الانتخاب على ما عداه، ليوضع قانون الحماية على الرف. علماً بأنه كان قد أرسل أخيراً من اللجنة الفرعية التي كانت قد شكلتها اللجان سابقاً، بهدف وضع ملاحظاتها على القانون الذي حوّل إلى مجلس النواب وفقاً للمرسوم رقم 4116 بتاريخ 28 أيار 2010 بعدما كان مجلس الوزراء قد أقرّه في 6 نيسان من العام ذاته.