كشف خفايا تاريخ النزوح: اللجوء المُطوَّل للأكراد السوريين في اسطنبول

Publishing Date: 
June, 2020
Dossier: 
Migration, Mobility and Circulation
Author(s): Adnan KeğiSaygun Gökarıksel
Abstract: 

يُلقي هذا المقال نظرةً ناقدة على مسألة حوكمة اللجوء في تركيا، مُستعرِضًا النضالات والتطلّعات والرغبات التوّاقة اليومية للمهاجرين السوريين الأكراد الذي يقطنون حيّ ديمير كابي، داخل مدينة اسطنبول. يهدف المقال إلى رسمِ صورةٍ مقتضبة لحركة النزوح الكردية بأوجهها الجغرافية التي تتعدّى حدود الدولة القومية، مُسلِّطًا الضوء على التأثير الكبير الذي تُخلّفه الفوارق الاجتماعية والتراتبيات الطبقية والجندرية والعرقية في تجارب المجموعات المُقيمة في هذا الحيّ. يستند هذا العمل إلى بحثٍ ميداني إثنوغرافي، ينطوي على مشاهداتٍ مباشرة ومحادثات، إلى جانب 25 مقابلة معمّقة شبه مُنظَّمة مع عددٍ من المهاجرين الأكراد. ويُعتبَر هذا البحث الإثنوغرافي السياقيّ واعدًا بشكل خاصّ، لفهم الحياة اليومية للمهاجرين وتاريخ نزوحهم وهجرتهم بمراحله المختلفة، سواء داخل حدود الدولة الواحدة أو عبر الحدود. ولا بدَّ من التنويه بأنَّ هذا التاريخ ليسَ ماضيًا غابرًا، بل هو تاريخٌ تتكشّف طيّاتُه في زمننا الحاضر، في إطار التراتبيات الاجتماعية الحالية وفي خضمّ الأزمات المستمرَّة في سوريا والعراق، التي تؤثّرُ تأثيرًا بالغًا على مشاعر وتوقّعات وذكريات الشعب الكردي الماكث حاليًا في ديمير كابي. في كلّ مسار حياة يصفُه هذا المقال بإيجاز، ترتسمُ معالمَ كفاحٍ مرير من أجل بناءِ حياةٍ مستقرّة وغنيّة نسبيًا، في ظلّ الظروف المتردّية التي تفرضها الأزمات المتواصلة والرأسمالية النيو ليبرالية الاستبدادية.

Keywords: Migration Governance, Migration, Migrant Workers, refugees

To cite this paper: Adnan Keği, Saygun Gökarıksel,"كشف خفايا تاريخ النزوح: اللجوء المُطوَّل للأكراد السوريين في اسطنبول ", Civil Society Knowledge Centre, Lebanon Support, 2020-06-01 00:00:00. doi: 10.28943/CSR.004.002

[ONLINE]: https://civilsociety-centre.org/paper/unravelling-histories-displacement-protracted-refugeehood-syrian-kurds-istanbul
Cited by: 0
Embed this content: 
Copy and paste this code to your website.
Full text: 
Full text

المقدّمة

غالبًا ما تتمّ الإشادة بتركيا باعتبارها البلد الذي يستضيف أكبرَ عددٍ من اللاجئين في العالم، حيث تضمّ في كنفِها أكثر من 3.5 مليون لاجئ سوري. ومن بين جميع المُدُن التركية، تحتضن اسطنبول أعلى نسبة من اللاجئين السوريين الذين يُناهِز عددُهم 600 ألف لاجئ. غير أنَّ هذه الأرقام تشمل اللاجئين "المُسجَّلين" فقط، ولا تتضمّن المهاجرين من البلدان الأخرى على غرار العراق وأفغانستان.1 لكنَّ العدد الهائل للمهاجرين السوريين لا يُترجَم ببساطة في ظهورهم العامّ ومشاركتهم الفاعلة في الحياة السياسية للمدينة أو البلد. فإذ يُقيم معظم المهاجرين السوريين في الأحياء المنخفضة الدخل في اسطنبول، غالبًا ما يتمّ إقصاؤهم عن باقي المدينة، ما يضعهم في وضعٍ ضعيف على وجه التحديد، في ظلّ الظروف المتردّية التي تفرضها الرأسمالية النيو ليبرالية الاستبدادية والسياسات الأمنية القومية.

تميل منظّمات المجتمع المدني، التي تتعاون بشكلٍ وثيقٍ مع الدولة، إلى تعزيز حالة الضعف والتهميش التي يُعانيها المهاجرون السوريون. تعتمد هذه المنظّمات والوكالات الحكومية لغةَ الميدان الإنساني أو تلك الخاصَّة بالعثمانية الحديثة، فتنظر إلى المهاجرين السوريين بوصفهم "ضيوفًا"، ما يدفع بها إلى بناءِ علاقةٍ هرمية مع المهاجرين. وفي هذه العلاقة، يُعَدّ المهاجرون بشكلٍ رئيسي بمثابة ضحايا بحاجة للحماية أو الإنقاذ، أو مجرّد مُستفيدين من خدمات "حُسن الضيافة"، والمقصودُ بذلك الخدمات الاجتماعية الخاصّة المرصودة لهم. في الحالتَيْن، يتمّ تصوير اللاجئين إلى حدٍّ كبير على أنّهم أشخاص غير فاعلين، من المفترض أن يكونَ وجودُهم في تركيا مؤقّتًا، ولا ينتمون إلى نظام الحكم الوطني.2 بالتالي، لا تُشكِّل حياتهم وتطلّعاتهم وعواطفهم اعتباراتٍ مهمّة، بل تقتصر الاعتبارات المهمّة على أعدادهم المطلقة والمعلومات الإحصائية التي تجمعها الوكالات الحكومية من أجل "إدارتهم" بمزيدٍ من الكفاءة والسرعة، عن طريق السياسات التنازلية من الأعلى إلى الأسفل، وعبر مختلف مشاريع "الإدماج"، أو الاستيعاب، أو الترحيل.

يُجري هذا المقال تحليلًا ناقدًا حول هذا النوع من حوكمة اللجوء، مُستعرِضًا النضالات والتطلّعات والرغبات التوّاقة اليومية للمهاجرين السوريين المُقيمين في حيّ ديمير كابي، داخل مدينة اسطنبول. ويُخفي هذا التركيز الإثنوغرافي على الحياة اليومية الحضرية في ديمير كابي، بعضَ المفاجآت في طيّاته. فعندما شرعنا في البحث، أدركنا أنَّ ديمير كابي تجمع في الواقع بين المهاجرين الأكراد من عفرين3 في شمال غرب سوريا، وأكراد محافظة بدليس في كردستان تركيا، الذين تمّ تهجيرهم قسريًا في التسعينيات نتيجة اشتداد الحرب بين الدولة التركية وحزب العمّال الكردستاني. وينتقل تركيزنا الإثنوغرافي تدريجيًا للبحث في اللقاء "غير المتوقّع" بين هذه المجموعات الكردية المهاجرة المختلفة، التي لطالما شرذمتها الحدود الإقليمية السيادية للدولتَيْن القوميتَيْن التركية والسورية. وأدركنا أنَّ خلفَ مشكلة اللجوء المزعومة التي تبدو "حديثة العهد"، ثمّة تاريخٌ طويل من النزوح والتجريد، اختبرَه الشعب الكردي داخل حدود الدولة القومية الواحدة وعبر الحدود في الشرق الأوسط. فبعد عقودٍ من الفصل الذي أقامته تلك الحدود، كيف استطاعت هذه المجموعات الكردية أن تَجِدَ ما يجمع بينها في الفضاء الحضري المحدّد في ديمير كابي؟ ما هي التحدّيات والاحتمالات التي تكتنف هذا اللقاء؟ كيف تجلَّت الفوارق الاجتماعية والتراتبيات الطبقية والجندرية والدينية في علاقاتهم الاجتماعية وحياتهم اليومية؟ وكيف تؤثّر الدولة التركية ومنظّمات المجتمع المدني على هذه العلاقات؟

من أجل سبر هذه الأسئلة، نقترح أوّلًا النظر في التصنيفات الجامعة، على غرار "المهاجرين السوريين"، التي تخفي الفوارق الاجتماعية أو أوجه عدم المساواة القائمة على الطبقة والنوع الاجتماعي والعرق والدين، والتي تُحدِث انقسامًا بين المهاجرين وترسم حدود العوالم الاجتماعية التي يعيشون ضمنها في تركيا. في المقام الثاني، يتضمّن هذا المقال تقييمًا ناقدًا للمقاربات المرتكزة على الدولة القومية المهيمنة على الدراسات حول اللجوء أو الهجرة. فعوضًا عن اعتبار الحدود الإقليمية للدولة القومية عنصرًا طبيعيًا أو مسلّمًا به، نرى أنّه من الضروري التركيز على علاقات القوى الاجتماعية التاريخية الكامنة وراءها. نهدف في دراستنا إلى طرحِ إشكاليةٍ حول الحدود الإقليمية للدولة القومية، من خلال تأطير تجربة المهاجرين السوريين الأكراد في التاريخ الطويل لكردستان وجغرافيّته. ولا يعني ذلك نكران أهمية حدود الدول القومية في فصل الشعوب وتشكيل هويّتهم. غير أنّنا نحاول فهم طريقة تأثير الحدود على اختلافها، المادّية والرمزية منها، على الحياة اليومية للمهاجرين. وسنتطرّق إلى المقاربات الناقدة المماثلة لدراسات اللجوء التي تركّز على الممارسات المرتبطة بالحدود.4 وأخيرًا، نعتبر هذا البحث الإثنوغرافي السياقي واعدًا بشكلٍ خاصّ لفهم الحياة اليومية للمهاجرين واختبارهم لتاريخ النزوح والهجرة المتعدّد الطبقات، سواء داخل الحدود أو عبرها. ونُشدِّد مرّة أخرى على أنَّ هذا التاريخ ليس ماضيًا غابرًا، بل هو تاريخٌ تتكشّف طيّاتُه في الحاضر، ضمن التراتبيات الاجتماعية الحالية وفي خضمّ الأزمات المستمرّة في سوريا والعراق التي تؤثّر تأثيرًا بالغًا في مشاعر الشعب الكردي الماكث حاليًا في ديمير كابي وتوقّعاته وذكرياته.

يتألّف المقال من قسمَيْن رئيسيَّيْن. يعرض القسم الأوَّل نبذةً موجزة عن تاريخ الهجرة وتاريخ النزوح اللذين يتقاطعان في ديمير كابي. ويستعرض كذلك الملامح الرئيسية لحوكمة اللاجئين التي تقودُها سلطات الدولة التركية. أمّا القسم الثاني من المقال فيقّدم لمحةً إثنوغرافية عن حياة بعض المهاجرين الأكراد من سوريا في ديمير كابي. ومن خلال هذه النظرة، نُسلِّط الضوء على كيفية ارتباط مجموعتَيْن كرديتَيْن، أي التي من سوريا والتي من تركيا، ضمن المساحة المحدّدة لهذا الحيّ، إلى جانب التحدّيات التي يواجهونها في مختلف مجالات الحياة، لا سيّما العمالة غير النظامية وسوق الإسكان. تؤثّر الفوارق الاجتماعية والتراتبيات الطبقية والجندرية والعرقية إلى حدٍّ كبير في تجارب هاتين المجموعتَيْن، حيث تُكافِحان من أجل كسب العيش وبناء علاقات قوامُها التضامن. وينطوي كلّ مسار من المسارات الحياتية التي نصفها بشكلٍ موجز، على جهدٍ مرير لإرساء حياة مستقرّة وغنيّة نسبيًا، في ظلّ الظروف المتردّية التي تفرضها الأزمة المستمرّة والرأسمالية النيو ليبرالية الاستبدادية.

اسطنبول، مساحة نزوح متداخل للأكراد

منذ البداية، ساهمَ نزوح الأكراد في رسم ملامح تاريخ الهجرة القسرية في تركيا، وطريقة إدارة السلطات التركية لها. تحتلّ اسطنبول مكانةً خاصّة في هذا التاريخ. فعلى الرغم من أنَّ تركيا اعتُبِرَت، منذ الستّينيات، بلدًا مصدرًا للهجرة، لا سيّما هجرة اليد العاملة إلى أوروبا،5 إلّا أنّها تحوَّلت شيئًا فشيئًا إلى "مركز إقليمي يستقبل موجات مستمرّة من الهجرة القسرية".6 ومؤخّرًا، منذ العام 2011، باتَتْ تركيا تُشكِّل بلدَ عبورٍ للمهاجرين المتوجّهين إلى أوروبا، علمًا أنَّها تُشكِّلُ فعليًا بلدَ لجوءٍ، لا سيّما للاجئين من بلدان الشرق الأوسط.7 ولعلَّ الحدث الأوّل والوحيد الذي شَهِدَ وصولًا أو "تدفّقًا جَمَاعيًا" واسع النطاق للاجئين قبل الحرب الأهلية السورية كانَ توافُد اللاجئين الأكراد ممّا يُعرَف اليوم بإقليم كردستان-العراق بين العامَيْن 1988 و1991، حيث وصلَ عدد اللاجئين المُسجَّلين بحسب كمال كيريشي إلى "نحو نصف مليون". وعقب هذه الأحداث، قامَت تركيا بصياغة القواعد التنظيمية الخاصّة باللجوء عام 1994.8 وجاءَ التوغُّل العسكري التركي الأخير لمناطق الأكراد في شمال سوريا والعراق ليؤثّر أيضًا في حوكمتها للهجرة، ما تجلّى في الاستخدام المتزايد للتدابير الأمنية وصولًا إلى شنّ "حرب على الهجرة غير النظامية".

لقد تعرَّضَ الشعب الكردي في تركيا للعنف السياسي المُمنهَج وللتجريد والتفقير، منذ تأسيس الجمهورية التركية على الأقلّ.9 أمّا في سوريا فلا يختلف وضع الأكراد كثيرًا. في الواقع، اتَّصَفَ تاريخ سوريا، بعد الانتداب الفرنسي، بسياساتٍ حكومية مناهضة للأكراد، وصلَتْ في العام 1962 إلى حدّ سلب حقوق المواطنة من 120 ألف كردي من المُقيمين في منطقة الجزيرة، بحجّة عدم توفُّر أدلّة تُثبِت إقامتهم في البلد منذ 1945.10

وفي حين لم تبرز أيّ حوادث عنف مُعلَن، أدَّت سياسة التفقير المُمنهَج للأكراد إلى هجرةٍ (قسرية) – وهي إحدى الوسائل الأكثر استخدامًا من قِبَل الدول لتفكيك عمليات "التمرّد ضدّها" في المنطقة. ويمكن ملاحظة هذا النمط أيضًا لدى السوريين الأكراد الذين تمّ تشريدهم إلى المُدُن الكبرى في سوريا.

على نحو مشابه، تمّ تشريد الأكراد الأتراك بشكلٍ قعلى الرغم من وجود عدد كبير من اللاجئين السوريين في تركيا، تُعتبَر النقاشات العامة حول هذه المسألة محدودة جدًا. فالغالبية العظمى للأشخاص يُعَدّون مجرّد متفرّجين على سياسات الدولة المصمّمة لإدارة اللاجئين، ما يصعّب بشدّة إقامة علاقات اجتماعية متبادلة بين المهاجرين السوريين والمجتمع التركي بشكلٍ عام. يسلّط هذا القسم الضوء على بعض العناصر الرئيسية لحوكمة الهجرة التي تقودُها حكومة حزب العدالة والتنمية. وتحمل طريقة الحوكمة هذه تأثيرات خاصّة على الظروف المعيشية للشعب الكردي – أكانوا مواطنين أتراك أم لا -  في ديمير كابي، كما هو مُفصَّلٌ في الأقسام التالية.

منذ الخمسينيات وصولًا للعام 2013، كانت القوانين أو الأنظمة الخاصّة بالمهاجرين واللاجئين في تركيا محصورةً. فغالبًا ما ركَّزَت الدولة بشكلٍ رئيسي على مراقبة هذه المجموعات بواسطة المؤسّسات الأمنية، من دون أن تنخرط مباشرةً في أيّ أحكام اجتماعية. وبعد العام 2013، بدأت حكومة حزب العدالة والتنمية11 بالاهتمام بهذه المسألة بمزيد من الوضوح والاستباقية. فإلى جانب فرض سيطرتها على الأرض من خلال تعزيز سلطة وزارة الداخلية، اعتمدت الحكومة استراتيجياتٍ "ليبرالية" على الورق في الإطار القانوني لحوكمة اللاجئين. وعلى الرغم من أنَّ هذه سري، نظرًا لحرب مكافحة التمرّد في الأقاليم الكردية في تركيا، ما أدّى إلى حرمانهم من سُبُل عيشهم الرئيسية. وفي أوائل التسعينيات، خلال الحرب بين حزب العمّال الكردستاني والجيش التركي، أُجبِر الكثير من الأكراد على لعب دور "حرّاس" في قراهم. أمّا الذين رفضوا ذلك فلم يكن لديهم خيار آخر سوى مغادرة قراهم التي مزّقتها الحرب، والانضمام إلى الطبقة العاملة في المُدُن الكبرى غرب تركيا، لا سيّما اسطنبول. وخلال التسعينيات، تمّ إخلاء حوالي 4000 قرية ومستوطنة ريفية صغيرة. وفي حين تُشير الإحصاءات الرسمية إلى 370 ألف نازح، تتراوح الأعداد المعطاة من قِبَل المنظّمات الإنسانية المستقلّة بين مليون وأربعة ملايين شخص.12 إذًا، لطالما كانت اسطنبول مدينةً للمهاجرين. علاوةً على ذلك، وخلافًا لموجات الهجرة قبل التسعينيات، تميّزت موجات الهجرة هذه بكونها أقلّ دائريةً وأكثر ديمومةً بطبيعتها.

تجدرُ الإشارة إلى أنَّ جميع الأتراك البدليسيين المشاركين في المقابلات في ديمير كابي هم من تلك القرى التي ما زالت مُعرَّضة حتّى اليوم لنزاعاتٍ مسلّحة. ومنذ العام 2012، "اختارَ" النازحون الأكراد من سوريا أن يعيشوا أيضًا في أحياء اسطنبول التي يهيمن عليها الأكراد، على غرار أسن يورت، وكوجك جكمجة، وباشاكشهر.13 ومع وصول اللاجئين السوريين الأكراد، أصبحَ ديمير كابي، تمامًا كهذه الأحياء، إحدى أهمّ المساحات الحضرية التي شهدَت "موجات نزوح متداخلة"، حيث تجذَّرَ عنفُ الدولة وتلاقَت ذكرياتٌ مختلفة.14

حوكمة تركيا للاجئين السوريين

الاستراتيجيات بدَت وكأنّها تتمثّل بوجودٍ متزايدٍ على الأرض وباعتماد سياساتٍ أكثر ليبراليةً في التعامل مع الأشخاص غير المواطنين المُقيمين في البلد، إنّما هناك في الواقع ثغراتٌ كبيرة بين "السياسات كما هي مُصمَّمة (النواتج) والسياسات التي تؤثّر فعلًا على الحياة اليومية لكلّ مهاجر ولكلّ لاجئ (النتائج)".15

وأفضلُ مثالٍ على ذلك هو مشاركة اللاجئين في سوق العمل. ففي حين لا تُفرَض أيّ قيود في الحصول على رخصة عمل، غالبًا ما يختار أصحاب العمل عدم إصدار رخص العمل من أجل كسب المزيد من الأرباح، مستفيدين من غياب الإشراف القانوني أو ضعفه على الأرض. علاوةً على ذلك، أُدرِجَ طالبو اللجوء السوريون ضمن وضع "الحماية المؤقّتة" وتمّ تنظيم وجودهم بموجب قانون الأجانب والحماية الدولية.16 وأُنشئت المديرية العامة لإدارة الهجرة (DGMM)17 لتصبح الجهة الفاعلة الرئيسية في هذا المضمار. ومنذ ذلك الحين، لم تعُد المؤسّسات الأمنية مسؤولةً عن قضايا الهجرة. وكما يُشير دانيش ونزلي،18 شكَّلَت الحكومة أيضًا "تحالفاتٍ وفيّة" مع منظّمات غير حكومية كبيرة ومع المجالس البلدية المحلّية التي حافظت على ولائها لقواعد الحكومة وسياستها الدينية القومية المتعلّقة بالمساعدة الإنسانية. أمّا منظّمات المجتمع المدني والمجالس البلدية المُعارِضة أو "غير الوفية" فتمّ تهميشُها وإقصاؤها عن هذه التحالفات، من خلال فرض قيود على ممارساتها؛ حتّى أنَّ عددًا كبيرًا منها قد أُغلِق. وجاء اندلاع الحرب الأهلية السورية والتطوّرات السياسية التي شهدها الإقليم الكردي في سوريا ليؤمّن أرضًا خصبة لممارسات الدولة الاستبدادية والقمع المتزايد للجهات المُعارِضة، أكانت من الأطراف السياسية أو من المجتمع المدني. واشتدَّ ذلك جرّاء الحرب الحضرية في الأقاليم الكردية في تركيا في العامَيْن 2015 و2016، إلى جانب محاولة الانقلاب الفاشلة في 15 تمّوز/يوليو 2016 وحالة الطوارئ التي تلتها.

لكنَّ منظّمات المجتمع المدني "الأصغر حجمًا والأقلّ تنظيمًا" استمرّت مع ذلك في أنشطتها "المُرسَّخة وذات السياق المحدّد" لدعم السوريين. تشتمل هذه الأنشطة على المبادرات المحلّية والمجموعات التطوّعية ذات التمويل الصغير، التي تتمتّع بدرجة معيّنة من الاستقلالية. غالبًا ما تبقى أنشطة هذه المنظّمات محصورةً ضمن منطقة معيّنة (المدينة أو المنطقة أو حتّى الحيّ)، وتتراوح بين تقديم الخدمات الاجتماعية "القائمة على الاحتياجات" أو "القائمة على الحقوق"، وصولًا إلى الأنشطة الثقافية.19 غير أنَّ تأثير حكومة حزب العدالة والتنمية على حوكمة اللاجئين أدَّى بشكلٍ عام إلى زيادة احتراف السياسة واستخدامها كأداةٍ في حوكمة الدولة التركية للهجرة – ممّا آلَ بدوره إلى تضييق المساحة التي تنشط فيها هيئات المجتمع المدني.

كذلك، ساهمت الأزمة الاقتصادية في مفاقمة ظروف العمل وفي زيادة نسبة العمل غير النظامي في سوق العمل. فإنَّ الوضع القانوني المُبهَم للمهاجرين السوريين باعتبارهم "ضيوفًا" (باتوا يحصلون حاليًا على الحماية المؤقّتة) وضعف إشراف الحكومة على المسائل المرتبطة برخص العمل، قد أسفرَ عن بروز ديناميكيات استغلالية، حيث يشكّل المهاجرون السوريون "مصدرًا لليد العاملة الرخيصة". ومع تزايد المنافسة في سوق العمل، أصبحوا هدفًا سهلًا للسكّان الآخرين المهمّشين ذوي الدخل المنخفض والذين يمثّلون فقراء المُدُن في تركيا.20 في القسم التالي، سوف نناقش كيف يتعامل الأكراد السوريون، والأكراد الأتراك، مع الإطار القانوني، وسنتطرّق إلى المساحة الحضرية الطرفية لديمير كابي وكيفية تأثير ذلك على سُبُل عيشهم في ظلّ الظروف الصعبة للنظام الاستبدادي النيو ليبرالي المحافظ. وفي هذا السياق، سيتمّ إيلاء اهتمام خاصّ للطريقة التي يتأمّل فيها المتحدّثون في ماضيهم وحاضرهم، إلى جانب تأثير الديناميكيات الجندرية والطبقية على تجاربهم المختلفة مع حالة الضعف والقدرة على التنقّل في اسطنبول (أو عدم القدرة على التنقّل). 

بين عفرين وبدليس وديمير كابي: مساحة النزوح وذاكرته

في شهر آذار/مارس 2019، في حديقةٍ تُدعى حديقة الجوز (Ceviz Bahçesi) في ديمير كابي، اجتمعَ بعض الرجال الأكراد الطاعنين في السنّ، مرتدين القبّعات التقليدية والسراويل الفضفاضة، للعب الداما والزهر على الطاولات المسقوفة في الحديقة. وكانَ هؤلاء قد نزحوا من منطقة بدليس التركية نتيجة حرب مكافحة التمرّد التي شنّتها الدولة في التسعينيات. وكانت مجموعاتٌ أخرى من الرجال جالسة في الحديقة على حدة، غير أنّهم كانوا يتحدّثون اللغة الكرمنجية، مع بعض الفوارق المحلّية الواضحة. كانوا أيضًا رجالًا طاعنين في السنّ من مجتمعٍ كرديٍ نازحٍ آخر، وتحديدًا من منطقة عفرين السورية أو جبل الأكراد. وبشكلٍ عام، كانَ من الصعب رؤية نساء سوريات في المساحات العامة من الحيّ. فالمرأة الأولى التي تحدّثنا إليها كانت العمّة سيفريي،21 البالغة 55 عامًا من العمر. هي أمٌّ لستّة أطفال، تعيش في ديمير كابي منذ أن غادرت قريتها في عفرين قبل حوالي ستّ سنوات. وبحسب ما فهمناه من سرد العمّة سيرفيي، تتّصف حديقة الجوز بمكانةٍ خاصّة في عملية استقرارها. ففي لحظةٍ معيّنة خلال حديثنا معها، وبعد أن لاحظنا عدم ارتياحها إزاء الإقامة في تركيا، سألناها ما إذا كانت الإقامة في اسطنبول قد تحسّنت منذ وصولها قبل ستّ سنوات. فقالت: 

عندما وصلتُ إلى هنا، كانت الحياة صعبةً في البداية، صعبةً للغاية. فالمنفى (xerîbî)22 صعب. ما من شيءٍ يشبهه. لو لم يكن الأمر خطيرًا ومخزيًا، كنتُ لأعودَ [إلى سوريا] حالًا. لم أكن قادرة على تحمُّل العيش هنا. كنتُ أجلس في الحديقة (حديقة الجوز) كلّ يوم منذ الصباح الباكر وحتّى ساعات المساء المتأخّرة. لم أستطع البقاء في المنزل. لم أتحمّل البقاء في الداخل. بقيتُ على هذه الحال لمدّةِ سنةٍ كاملة. في الحديقة، كنتُ أستطيع أن أتنفّس الصعداء قليلًا. كنتُ أرى أشخاصًا يجلسون ويتمشّون، والخَضارُ يعمّ المكان. وإنْ التقيتُ بشخصٍ آخر من عفرين أو [أيِّ منطقةٍ أخرى في] سوريا، كانت تتسارعُ نبضات قلبي. كُنّا نجلس معًا، ونتحدّث، ونسترخي بعض الشيء.

اقتبسنا هذا الحديث بالتفصيل من أجل تسليط الضوء على الطريقة التي تؤثّر فيها المساحة المادّية، والحديقة بالتحديد، على تجارب النزوح والاستقرار لدى المتحدّثين السوريين الأكراد الذين تكلّمنا معهم. لا تقتصر هذه المساحة المادّية على محيطٍ أو إطارٍ للعلاقات الاجتماعية، بل تُساهِم في بناء هذا المحيط أو هذا الإطار من خلال إثارة الذكريات، وربط الأشخاص ببعضهم البعض، وتوجيه نظرتهم للعالم. فالعفرينيون، تمامًا كالنازحين الآخرين، يمثّلون "تعدّدية الارتباطات بالأماكن، وذلك عبر الإقامة فيها وتذكّرها وتخيّلها".23

دارَ هذا الحديث مع العمّة سيفريي في صالونٍ للحلاقة افتتحته سينّيت وزوجها وايسي مؤخّرًا. ولقد تحوّلَ هذا الصالون إلى موقعٍ مهمٍّ آخر للبحث، كونه جمعَ عددًا من الأشخاص ما كنّا لنتمكّن من الالتقاء بهم بطريقةٍ أخرى. ومن خلال التركيز على المحادثات العادية التي يُجريها زوّار الصالون، استطعنا أن نُلاحِظ كيف يلجأ المهاجرون العفرينيون إلى تشارُك ذكرياتهم عن الأحداث التي خاضوها، وطريقة تعبيرهم عن مشاعر الخسارة والاشتياق إلى عفرين، إلى جانب التحدّيات اليومية التي تنطوي عليها الحياة في اسطنبول. ونظرًا للظروف الاقتصادية المتردّية ورقابة الدولة، حوصر الكثير من العفرينيين في حيّ ديمير كابي، الأمر الذي أضافَ زخمًا مُضاعفًا لذكرياتهم حول الوطن الأمّ والنزوح. جاءت هذه الذكريات لتتوسّط حديثهم عن تحدّياتهم الحالية، لا سيّما الصعوبات الاقتصادية الناتجة عن الأزمة الاقتصادية الراهنة. في الواقع، لكي يتمكّنوا من تسديد تكاليف الإيجار الآخذة في الارتفاع بشكلٍ عشوائي، والفواتير المتزايدة للخدمات الأساسية، يتوجّب عليهم قضاء وقت طويل نسبيًا وبذل جهد حثيث في ظلّ ظروف استغلالية وغير نظامية في العمل، لا سيّما في قطاعَيْ النسيج والبناء.

أشارَ معظم المتحدّثين إلى أنَّ البحث عن معيشةٍ أفضل (ma’işet24 بالتركية) شكَّلَ الحافز الرئيسي الذي دفعَ بهم إلى مغادرة سوريا. كذلك، لم ينكر المتحدّثون أنَّ الحرب الأهلية كانَ لها الدور الرئيسي في نزوحهم. غير أنَّ تجربتهم مع الحرب، تمامًا كتجربتهم مع النزوح، يمكن أن تتّصف بتعدُّدية الطبقات. فبحسب "غمليش وآخرين"،25 حتّى "في الحالات القصوى من المعاناة على غرار المجاعة والحرب"، ما "من عاملٍ واحدٍ فقط يحفّز على" الهجرة. [...] "فيجب النظر إلى الهجرة باعتبارها عمليةً يقوم فيها الأفراد بتغيير حالتهم الراهنة عن وعي، بحثًا عن حياةٍ أفضل". في هذا الإطار، إنَّ أنماط هجرة العفرينيين ما قبل الحرب، مصحوبةً بوضع عفرين من الحرب الأهلية، وصولًا إلى التوغُّل التركي في عام 2018، هي أمثلةٌ تُجسِّد كيف قد يكون للمهاجرين أو اللاجئين حوافز متعدّدة تدفع بهم إلى الانتقال إلى مكان إقامتهم الحالي. بعد تفقيرهم المُمنهَج، كانَ العفرينيون يكسبون معيشتهم في المُدُن الكبرى في سوريا، لا سيّما في حلب. أمّا خلال فترة الحرب الأهلية فتميّزت المناطق الكردية في سوريا بشكلٍ عام بالاستقرار "النسبي". وعلى وجه التحديد، لم تُستهدَف عفرين، على عكس كوباني والجزيرة، من قِبَل داعش أو غيره من المجموعات الإسلامية المسلّحة أو الموالية للنظام السوري. وعليه، استقبلت المنطقة عددًا هائلًا من الأشخاص النازحين داخليًا من المناطق الأخرى التي طالها النزاع، لا سيّما حلب. بالتالي، بدأ العفرينيون بمغادرة سوريا، قبل أن تصبح عفرين منطقة نزاع مسلّح.

في هذا الإطار، يُعتبَر ماضي الهجرة لدى كلٍّ من سينّيت ووايسي متشابهَيْن، كما هي حال العديد من قصص النزوح لدى الكثير من العفرينيين. كانَ سينّيت ووايسي، المتحدّران من عفرين، يعيشان في حلب، إلى حين اندلاع الاشتباكات في المدينة. في حلب، عملَ وايسي خيّاطًا لمدّة عشر سنوات على الأقلّ، في حين كانت سينّيت تُدير صالونًا لتصفيف الشعر. كانَ وايسي يتولّى المهام المالية والبيروقراطية للصالون خلف الكواليس، في حين كانَت سينّيت وشقيقتها تُديران الصالون. ونظرًا للعلاقات غير المتكافئة بين الجنسَيْن في الحيّ، تمثَّلَت مهمّة وايسي الرئيسية في إضفاء طابع اجتماعي مقبول على هذه المؤسّسة التي تُديرها امرأتان. فغالبًا ما أشارَ السوريون الأكراد الذين أُجريَت معهم المقابلات إلى أنَّ الحرب والنزوح أنعما على المرأة ببعضٍ من الحرّية والتمكين، إذ لم تكن هذه الأخيرة قبل الحرب تُشارِك في الأنشطة الاقتصادية خارج المنزل. غير أنَّ "تمكين" النساء هذا في الأوساط الاقتصادية خارج المنزل، عادةً ما يحدُث في ظلّ ظروف سلبية، سيّما وأنَّ النساء والأطفال اللاجئين السوريين يشكّلون مصدرًا أسهل لليد العاملة الرخيصة التي يتمّ استغلالها في أماكن العمل غير النظامية. بالتالي، كانت سيّنيت تتمتّع بنجاحٍ نسبي في صالون تصفيف الشعر الخاصّ بها. ولكنْ، في بلدٍ حيث يُعاني نظام إصدار رُخَص العمل للاجئين من عيوب عديدة، لا تحصل نساء كثيرات على فرصةٍ كهذه لإنشاء مؤسّسات تجارية خاصّة بهنّ.

شدَّدَ كلٌّ من سينّيت ووايسي على الترحيب الحارّ الذي تلقّياه من سكّان ديمير كابي عند وصولهما إلى الحيّ. غير أنّهما أشارا بحزنٍ إلى أنَّ علاقاتهما مع المُقيمين المحلّيين الأكراد تغيّرت لاحقًا. فكانَ الجميع، بما في ذلك المهاجرون السوريون وسكّان ديمير كابي، يعتقدون بأنَّ استقرار المهاجرين السوريين الأكراد سيكون قصير الأمد. وهذا ما اعتقده أيضًا كلٌّ من سينّيت ووايسي. ولكنْ، أثناء القيام بهذا العمل الميداني، كانا قد دخلا سنتهما السابعة في الحيّ.

أعربَ العديد من المهاجرين العفرينيين الأتراك بالفعل عن رغبتهم بالعودة. وهذا ما دفعَ جزئيًا بالبعض منهم إلى البقاء في تركيا أو إقليم كردستان عوضًا عن الهجرة إلى أوروبا. ومن وقتٍ إلى آخر، خلال أيّام العطل الإسلامية مثلًا، يقوم العفرينيون بزيارة مسقط رأسهم عفرين، فيسافرون إمّا من خلال تصاريح رسمية وإمّا بمساعدة المهرّبين. إنّما بعدَ أن أطلقَ الجيش التركي "عملية غصن الزيتون" في مطلع العام 2018،26 أصبحت هذه الزيارات شبه مستحيلة بالنسبة إلى العفرينيين. فلم يصبح السفر إلى عفرين خطيرًا وحسب، بل أصبح السفر عن طريق التهريب باهظَ الكلفة بشكلٍ متزايد. وهكذا، اضمحلَّ أملُ العفرينيين بالعودة، حيث بدت المسافة التي تفصلهم عن موطنهم أكبر من أيِّ وقتٍ مضى. وبذلك، أضحت العائلات أكثر تشرذمًا وتشتُّتًا.

ولأسباب مختلفة، إنَّ العفرينيين الذين بقوا في سوريا هم بمعظمهم من الأهل الطاعنين في السنّ. فلم يتحمّلوا بغالبيتهم العبء المعنوي المترتّب عن مغادرة موطنهم، في حين لم يتمكّن آخرون من اجتياز الرحلات المحفوفة بالمخاطر التي تتطلّب قوّةً جسدية. ولقد شدّدت سينّيت عدّة مراتٍ على أنّها لم ترَ أهلها منذ أكثر من ستّ سنوات. أمّا وايسي فشرحَ لنا أنَّ والدته البالغة 55 عامًا من العمر توفّيت "قهرًا"، حين شهدت على توغُّل الجيش التركي وتعرَّضَت للتهجير القسري. وأعربَ كذلك عن اقتناعه بأنّ هذه المآسي لها تداعياتٌ وخيمة على الكثير من العفرينيين الكبار في السنّ. فقد تلاشى أمل العودة إلى سوريا لدى الكثير من العفرينيين في تركيا. باتوا يشعرون وكأنّهم عالقون في تركيا، ما دفعَ بهم إلى الهجرة إلى أوروبا، غير آبهين بخطورة الرحلات التي توجّب عليهم اجتيازها في البحر، سيّما وأنَّ فُرَص إعادة توطينهم رسميًا محدودةٌ للغاية. ونتيجةً لذلك، أصبحت الدولة التركية العاملَ الأساسي الذي ساهمَ في مفاقمة نزوح هؤلاء الأشخاص. فقد لعبت الدولة التركية دورًا رئيسيًا في نزوحهم وكانت السبب في تأخّر عودتهم. علاوةً على ذلك، اضطّر المهاجرون السوريون إلى تحمُّل عبء الأزمة الاقتصادية الوشيكة التي قلَّصَت خيارات التوظيف والإسكان المُتاحة لهم.

علاقات التضامن الكردية في ظلّ الظروف المتردّية

في يومٍ آخر من البحث الميداني، كانت حديقة الجوز العامة، كالمعتاد، تعجّ بكبار السنّ العفرينيين والبدليسيين، وهم يلعبون الشطرنج والداما على طاولات الحديقة. وهناك، التقينا بالعمّ هيمي، رجلٌ يبلغ 52 عامًا من العمر، يعيش في ديمير كابي منذ ستّ سنوات. فشرحَ لنا أنّه كانَ يعمل في دمشق لكسب معيشته إلى حين اندلاع الحرب. وإذ لم يكن قادرًا على الاستقرار في أيِّ مكانٍ في عفرين، كونها كانت مكتظّة بالنازحين، ما كانَ منه إلّا أن أتى إلى ديمير كابي علمًا منه بأنّها كردية بمعظمها، لأنّه يفضّل العيش وسط أشخاص يتحدّثون الكردية وسبقَ أن اختبروا أنواعًا مماثلة من الظلم ضدّ الأكراد. كذلك، توقَّعَ العمّ هيمي أن يَجِد بعض شبكات التضامن الكردية في الحيّ، للحصول على فُرَص العمل والمسكن. وعلى الرغم من أنّه حصلَ بالفعل على المساعدة من هذه الشبكات، إلَّا أنَّ تلك المساعدة بقيت محدودة. وعلى عكس الكثير من التوقّعات، تحوَّلَ الوجود السوري في تركيا إلى وجودٍ طويل الأمد. إضافةً إلى ذلك، إنَّ التجريم المتزايد للمجموعات الكردية في تركيا منذ العام 2015، الذي شكَّلَ نهايةً لعملية السلام بين الدولة التركية والحركة السياسية الكردية، قد أثَّرَ سلبًا على شبكات التضامن الكردية. ثمّ أتى التوغُّل العسكري في شمال سوريا مؤخّرًا ليُعمِّق مشاعر العزلة والخوف من إعلان هويتهم الكردية – وأكثر من ذلك هو الخوف من إقامة التحالفات التضامنية الكردية. أخيرًا، تمّ إغلاق العديد من الشبكات الكردية في تركيا، ما كلّفها خسارة مواردها وقدرتها على العمل التضامني، بحيث باتت تحتاج هي نفسها إلى الدعم.

وفي خضمّ المصاعب الاقتصادية وانعدام الاستقرار الاجتماعي والسياسي المتزايد في ديمير كابي، أعربَ السوريون الأكراد المُشارِكون في المقابلات عن شعورهم بالتشتّت والعزلة. فإنّهم يتنافسون مع الأكراد الأتراك والمجموعات المحرومة الأخرى على الموارد الشحيحة، كالمسكن والعمل، وعلى خدمات الرعاية المتردّية، على غرار خدمات الرعاية الصحّية والتعليم. ولقد كانَ العمّ هيمي واضحًا للغاية عندما تحدّث عن نقص الدعم الذي تلقّاه في أوقات الشدّة، حينَ كانَ يبحث عن عمل، فقال: "لم نرد يومًا ولا نريد أيَّ شيءٍ من الشعب التركي. نحن بشر، نحن أقوياء". غير أنّ إيجاد فرصة عمل كانَ أمرًا شبه مستحيل، لا سيّما بالنسبة إلى مهاجرٍ سوري في منتصف العمر. فعلى الرغم من أنّه عَمِل ميكانيكيًا في دمشق، بدا وكأنّه ما من حاجةٍ لخدماته في ديمير كابي، حيث يفضّل أرباب الأعمال توظيف أطفال المهاجرين السوريين بصورةٍ غير شرعية، لأنّهم يشكّلون يدًا عاملة أقلّ كلفةً يسهُل استغلالها أكثر من الراشدين النساء والرجال. وفي الوقت عينه، كانَ يتمّ توظيف النساء المهاجرات الشابّات في سوق العمل غير النظامي، باعتبارهنّ "ضعيفات" و"يمكن الاستغناء عنهنّ"، فيُشكِّلْنَ بالتالي يدًا عاملة رخيصة. فعن طريق الإهمال في الإشراف على تراخيص العمل للمهاجرين، عمدَت حكومة حزب العدالة والتنمية إلى ترك المهاجرين السوريين رهناء لتقلّبات سوق العمل غير النظامي المَرِن.

وإلى جانب هذه الصعوبات والعيش بين ظروف الاستغلال الشديد والتخلّي، يواجه المهاجرون السوريون كذلك تزايدًا في المشاعر المعادية للمهاجرين، تُغذّيها أقاويل شائعة بأنَّ السوريين يستنزفون الموارد العامة الشحيحة بدون وجه حقّ، وينافسون الطبقة العاملة المحلّية الثانوية. ووسط هذا الوضع المحفوف بالمخاطر الذي يجعل من اللاجئين كبشَ فداء، وظروف العيش والعمل المتردّية، يكافح العديد من الأشخاص كالعمّ هيمي من أجل الحفاظ على حياتهم عبر إيجاد وظائف مؤقّتة. ويبدو أنّه من الصعب تطوير علاقات التضامن بين الأكراد والحفاظ عليها في ظلّ هذه الظروف.

ومن المؤكّد أنَّ الأكراد المهاجرين من سوريا لم يختبروا جميعهم هذا التحدّي المتمثّل بالظروف الاقتصادية الصعبة بطريقةٍ مماثلة، كما هي حال شيمام البالغة من العمر 22 عامًا. تعيش شيمام مع أسرتها في حيّ بايرام تيبي في باشاكشهر، الذي لا يبعد كثيرًا عن ديمير كابي. وعلى غرار ديمير كابي، يُعتبَر باشاكشهر حيًّا لذوي الدخل المنخفض، يقطنه أكراد سوريون وأكراد أتراك بشكل رئيسي. غادرَت شيشام وأسرتها مدينة حلب منذ سبع سنوات، وكانت أسرتها من العائلات العفرينية القليلة القادرة على تكبُّد التكاليف المادّية لبناء حياة جديدة، أي استئجار منزل قابل للسكن وتأمين الخدمات الأساسية. كذلك، يملك شقيق شيشام معملًا للأنسجة، ممّا سمحَ للأسرة بجمع رأس المال.

تمامًا كما سينّيت، استطاعَت شيمام أن تصبح "ناجحةً" نسبيًا في الحياة الاقتصادية في تركيا. فبعد اندلاع الاشتباكات في حلب عام 2012، قامَ باقي أعضاء أسرتها باجتياز البوّابة الحدودية والانضمام إلى شقيق شيمام، الذي وصلَ قبل ثلاثة أشهر. وخلافًا لمعظم العفرينيين في هذا السنّ – الذين هم بمعظمهم رجالٌ غير متزوّجين – حصلت شيمام على دعمٍ كبيرٍ من أسرتها، ما أثَّرَ على مسار الهجرة الذي خاضته. فمن خلال دعم أسرتها، أنهت سنتها الأخيرة من التعليم الثانوي في تركيا. وفي وقتٍ لاحق، أخذت دروسًا خصوصية باللغتَيْن التركية والانكليزية. فسمحت لها قدرتها على تحدّث الكردية والعربية والانكليزية والتركية بطلاقة في أن تبدأ بالعمل، خلال السنوات الثلاث المنصرمة، كمترجمةٍ تحريرية وفورية بدوامٍ جزئي في اثنين من المنظّمات غير الحكومية الدولية الرائدة في مجال الهجرة. وفي الوقت عينه، كانت تدرس هندسة الأغذية في جامعةٍ خاصّة في اسطنبول. وكونها مُدرِكة للصعوبات والتحدّيات العامة التي يواجهها نظراؤها العفرينيون، أقرّت شيمام واعترفت بالامتياز الذي تنعم به، لأنّها تملك أسرةً داعمةً لها عاطفيًا ومادّيًا.

أمّا عندما سألناها عن تجاربها الأوّلية مع الهجرة في تركيا، فقدّمت لنا سردًا قصيرًا وواضحًا حول ما جرى في كلّ سنة على حدة، متحدّثةً بالكردية: "في العام الأوّل بعد وصولي إلى تركيا، عانيت من الاكتئاب". وأضافت:

لم أشهد كثيرًا على الحرب الأهلية في سوريا. لم أرَ مشاهد الدماء أو ما شابه. لكنَّني نزحت من مدينتي، تاركةً أصدقائي ومدرستي بشكلٍ خاصّ. لم أكن أعرف اللغة [هنا في تركيا]. كنت أرى الأشخاص يضحكون ويتحدّثون مع بعضهم البعض ويتنزّهون طوال الوقت وفي كلّ مكان. ولكنْ، [بما أنّني قد هربت]، لم أكن أعرف أيًّا منهم. ولهذا السبب، عانيت من الاكتئاب. إلّا أنَّ المدرسة تبقى السبب الرئيسي. كنت أحبّ دراستي. وثمّ، عندما اضطررت إلى المغادرة، لم يبقَ لي شيء. كنتُ أتحدّث إلى أمّي كلّما شعرت بالإحباط. كُنّا نخرج سويًّا. أمّا الأصدقاء القلائل الذين كنت أعرفهم في تركيا، فلم يكونوا يشاركوننا العقلية نفسها، على الرغم من أنّ معظمهم من الأكراد من اسطنبول. وكانوا يعملون في جميع الأحوال. والكثيرون منهم يقولون: ’أنتم السوريون، لقد جئتم إلى هنا لتدمّروا بلدنا كذلك‘ وأشياء من هذا القبيل.

وخلال سنوات الدراسة الطويلة واكتساب اللغات، عانت شيمام – على الرغم من وضعها المميّز نسبيًا مقارنةً بالمهاجرين السوريين الأكراد الآخرين – في كسب معيشتها. فكما تشرح الموضوع باقتضاب، تقول إنّها اضطرّت إلى أن تصنع شيئًا من نفسها: 

مع الوقت، يَصِل المرء إلى لحظةٍ معيّنة فيقول: ’سوف أبقى في هذا المكان مع هؤلاء الأشخاص لبعض الوقت. ينبغي عليّ أن أصنعَ شيئًا من نفسي. ما الذي أقوم به هنا؟‘ [...] عليك أن تبرهن لهم أنّك تعمل بجهد، لكيْ يفهموا أنّك من البشر، ولست مجرّد شخص سوري هارب من الحرب. أنت عاملٌ مجتهد.

كانَ هذا الموقف فاعلًا: فلا يمكن للمرء أن يعتبر أيَّ شيءٍ من المسلّمات. ولعلّ انتقال شيمام بين اللغات خلال الحديث قد وَضَّحَ أمورًا كثيرة. فهي تكافح من أجل إعادة بناء حياتها في اسطنبول. ويشكّل ذلك، إلى حدٍّ ما، كفاحًا من أجل استعادة الحياة "الطبيعية" التي قوّضها النزوح القسري وظروف اللجوء القاسية في اسطنبول.

الخلاصة

إنَّ جميع التجارب الحياتية التي نوقشت في هذا المقال بشكلٍ موجز، تُقدِّم نظرةً عن الأساليب المختلفة التي يناضل المهاجرون السوريون الأكراد من خلالها، بغية تغيير ملامح مسارات حياتهم، التي غالبًا ما اقتصرت على الأوضاع التي يتمّ تصوريهم فيها عادةً، أي أنّهم ضحايا الحرب الأهلية المستمرّة واللجوء المؤقّت والاستثنائي في تركيا. كانت السنة الأولى التي قضتها شيمام في اسطنبول مشابهة لتلك الخاصّة بالعمّة سيفريي، بحيث تمثّلت بالإنهاك نتيجة التهجير والاكتئاب. وفي حين استطاعَت العمّة سيفريي تحمّل ذلك، عبر قضاء الوقت في حديقة الجوز مع نظرائها العفرينيين، عوّلت شيمام على أسرتها وعلى "العمل الشاقّ"، كما وصفته. تمّ مؤخّرًا قبول إعادة توطين شيمام في بلدٍ أوروبي. فنظرًا إلى خلفيتها التعليمية ومهاراتها اللغوية وصغر سنّها، تُعتبَر شيمام من الأقلّية "المحظوظة" بين اللاجئين السوريين الأكراد. أمّا العمّة سيفريي من جهة أخرى فعلى الرغم من أنّها بنت حياتها من جديد على مرّ السنوات في اسطنبول، لا تزال تُعتبَر "مهاجرةً غير نظامية"، كونها لا تحمل الوثائق المطلوبة. وعليه، هي واحدةٌ من بين مئات آلاف السوريين الأكراد الذين ينتظرون مستقبلًا مجهولًا يبقى رهينة أهواء ومصالح السياسات الدولية وحوكمة اللاجئين والحروب بالوكالة في سوريا. وفي مواجهةِ مستقبلٍ مجهول وفي ظلّ السياسات التقييدية المتزايدة، اضطرّت سينّيت إلى إغلاق أبواب صالون تصفيف الشعر الخاصّ بها مؤخّرًا. واليوم، وبعد أن باتَت المسافة التي تفصل العمّ هيمي عن عفرين أبعد من أيِّ وقتٍ مضى، في ظلّ السيطرة التركية التي يفرضها الأمر الواقع، احتفظَ العمّ بأمل العودة إلى مستقبلٍ مجهول وبعيد المنال.

انطلاقًا من مسارات الحياة المختلفة للسوريين الأكراد في اسطنبول، يُسلَّط الضوء على الطريقة التي يختبرون من خلالها الفوارق الاجتماعية والتراتبيات الطبقية والجندرية والإثنية في الأحياء المنخفضة الدخل في اسطنبول. بالتالي، تكشف تجارب الهجرة عن معطيات جوهرية حول هيكليات القوى التي تؤثّر في المستويات المختلفة لحياة المتحدّثين. فهي تُشير إلى الممارسات الحدودية الضرورية لإنشاء الدولة والرأسمالية. ولا تقتصر هذه الحدود على الحدود الإقليمية السيادية للدولة القومية، بل تشمل أيضًا الحدود المادّية والرمزية المتمثّلة بالطبقة الاجتماعية والعرق والنوع الاجتماعي. يواجه العديد من المجموعات، من مواطنين أتراك وغيرهم، هذه الديناميكيات، غير أنَّ المهاجرين، نظرًا لوضعهم القانوني، مُعرَّضون بشكل خاصّ لأنواع التهميش والإقصاء المختلفة، نتيجة الممارسات الحدودية هذه. ومن المفارقة أنَّ الحرب الأهلية الدائرة في سوريا لمَّت شمل الأكراد في اسطنبول، بعد سنواتٍ طويلة من الفصل جرّاء الحروب وحدود الدول القومية. في ديمير كابي، تسنَّت لمجموعاتٍ كردية مختلفة فرصة التفاعل والعيش جنبًا إلى جنب. غير أنَّ دراستنا أظهرت أنَّ بناء علاقات التضامن بينهم ليسَ عمليةً سهلةً بتاتًا، بل هي عملية مليئة بالتوتّرات والمعضلات والتحدّيات المنبثقة عن الظروف السياسية والاقتصادية المتردّية، فضلًا عن التراتبيات الطبقية والجندرية والإثنية التي تطبع تاريخ الشعب الكردي وظروف معيشته الراهنة. إنّما تجدرُ الإشارة إلى أنَّ منظّمات المجتمع المدني الخاصّة بالدولة التركية والموالية للحكومة تُساهِم بشكلٍ ملحوظ في تهميش المهاجرين وتغييبهم عن الصورة وإضعافهم، نظرًا للاستراتيجيات القانونية الغامضة والتدابير الأمنية التي اعتمدتها، فضلًا عن العلاقات الهرمية التي أقامتها مع المهاجرين.

هدفَتْ دراستُنا الإثنوغرافية بشكلٍ جزئي إلى إلقاء الضوء على أنَّ المهاجرين السوريين ليسوا مجرّد متلقّين غير فاعلين للمساعدات أو الخدمات العامة التي تقدّمها مؤسّسات الدولة ومنظّمات المجتمع المدني الموالية للحكومة، بل هم عناصر فاعلون يحاولون كسب معيشتهم. ليسوا مجرّد مُستهلِكين لهذه الخدمات، بل يساهمون أيضًا في الحياة الاجتماعية الحضرية. بالتالي، نعتبر أنَّ أيَّ انخراطٍ تقدّمي اجتماعي مع المهاجرين ينبغي أن يعمل على إرساء الظروف اللازمة  لبناء حياة عامة مزدهرة للمواطنين وغير المواطنين على حدٍّ سواء.

قائمة المراجع

سيدا ألتو، "الطائفية في الجزيرة السورية: المجتمع والأرض والعنف في ذاكرة الحرب العالمية الأولى والانتداب الفرنسي،" (1915 – 1939)، أطروحة دكتوراه غير منشورة، أوترخت، جامعة أوترخت،2011.

نرجيس كانيفي،"إدارة الهجرة غير النظامية: السوريون في تركيا ودورهم في النقلة النوعية لدراسات الهجرة القسرية،" منظورات جديدة بشأن تركيا، 2016، المجلّد 54، ص. 9 -32.

ستيفين كاسلز، هاين دي هاس ومارك ج. ميلر،زمن الهجرات، نيويورك،  بالغريف ماكميلان، 2014.

ديديم دانيش وديلارا نزلي، "تحالفٌ وفيّ بين المجتمع المدني والدولة: الجهات الفاعلة والآليات لاستيعاب اللاجئين السوريين في اسطنبول،" صحيفة الهجرة الدولية، 2018،  المجلّد57(2)، ص. 143 – 157. 

ديدام دانيش وديلارا نزلي، المرجع السالف الذكر؛ إيدير مين وديريا أوزكول، "مقدّمة المحرّرين: الحياة المتردّية واللاجئون السوريون في تركيا،" منظورات جديدة بشأن تركيا،2016، المجلّد 54، ص. 1 – 8.

إيلينا فديان-قاسمية،"العلاقات بين اللاجئين في سياقات النزوح المتداخل،" الصحيفة الدولية للأبحاث الحضرية والإقليمية، 2016، متوفّر عبر الرابط التالي: https://www.ijurr.org/wp-content/uploads/2016/11/Refugee-Spotlight-Overl... [آخر زيارة للرابط في 3 آب/أغسطس 2019].

جورج غمليس، روبرت ف. كيمبر ووالتر ب. زينير، الحياة الحضري، لونغ غروف، مؤسّسة وايفلاند للنشر، 2010.

أنور غوناي، "في الحرب والسلام: تحويل روايات العنف في اسطنبول الكردية،" أميركان أنثروبولوجست، 2019،  المجلّد 121، ص. 554 – 567.

حارز حليلوفيتش، أماكن الألم: النزوح القسري، والذاكرة الشعبية، والهويات العابرة للحدود المحلّية في المجتمعات البوسنية التي مزّقتها الحرب، نيويورك، بيرغهان بوكس، 2007.

أحمد إيكدويغة وداملا ب. أكسل، "حقائق الهجرة واستجابات الدول: إعادة التفكير في سياسات الهجرة الدولية في تركيا،" في: س. كاسلز، د. أوزكول، و م. أ. كوباس (ناشرون)، بعنوان التحويل الاجتماعي والهجرة، 2015، ص. 115 – 131.

إمباكت – أبحاث المجتمع المدني والتنمية،"الأثر الاجتماعي-الاقتصادي لموجات النزوح في شمال سوريا"، برلين،  إمباكت – أبحاث المجتمع المدني والتنمية، أيّار/مايو 2019، ص. 9، متوفّر عبر الرابط التالي: 

https://www.impact-csrd.org/socioeconomic-impact-of-displacement-waves-i... [آخر زيارة للرابط في 3 آب/أغسطس 2019].

غولاي كيليكاسلان، "الهجرة القسرية والمواطنية والمساحة: حالة اللاجئين السوريين الأكراد في اسطنبول،" منظورات جديدة بشأن تركيا، 2016 ،المجلّد 54، ص. 77 – 95. 

كمال كريشي "تركيا: بلد انتقالي من الهجرة الصادرة إلى الهجرة الوافدة"، السياسة المتوسّطية، 2007، المجلّد 12(1)، ص. 91 – 97.

راجارام، بريم كومار، "اللاجئون كشعب فائض: العرق، والهجرة، وأنظمة القيمة الرأسمالية،" الاقتصاد السياسي الجديد،2018، المجلّد23(5)، ص. 627 – 639.

هيلين ماكريث وشيفين غولفر سانيش، "المجتمع المدني واللاجئون السوريون في تركيا،" كجثنه، جمعية المواطنين تركيا، 2017، متوفّر عبر الرابط التالي: https://www.hyd.org.tr/attachments/article/215/civil-society-and-syrian-... [آخر زيارة للرابط في 3 تشرين الأوّل/أكتوبر 2017].

ساندرو ميزادرا وبريت نيلسو، الحدود كمنهجية، أو تكاثر العمل، دورهام، منشورات جامعة ديوك، 2013.

كيلسي ب. نورمان، "الإدماج، أم الإقصاء، أم اللامبالاة؟ إعادة تحديد خيارات المشاركة في الدول المُضيفة للمهاجرين واللاجئين في بلدان "العبور" المتوسّطية،"صحيفة الدراسات الإثنية ودراسات الهجرة ، 2019، المجلّد 45(1)، ص. 42 – 60.

دينيز. ش. سيرت، "من ترجمة المهارات إلى خفض القيمة: إلغاء أهلية المهاجرين في تركيا،" منظورات جديدة بشأن تركيا، 2016، المجلّد 54، ص. 97 – 117.

فيلي ياديرجي، الاقتصاد السياسي لأكراد تركيا: من الامبراطورية العثمانية إلى الجمهورية التركية، كامبريدج، منشورات جامعة كامبريدج، 2017.

 

  • 1. ديديم دانيش وديلارا نزلي، "تحالفٌ وفيّ بين المجتمع المدني والدولة: الجهات الفاعلة والآليات لاستيعاب اللاجئين السوريين في اسطنبول،" صحيفة الهجرة الدولية، 2018، المجلّد57(2)، ص. 143 – 157.
  • 2. المرجع نفسه.
  • 3. منطقة عفرين هي أحد المعاقل الكردية الثلاثة الرئيسية في سوريا، إلى جانب كوباني (عين العرب) والجزيرة. تُعرَف تاريخيًا بإسم جبل الأكراد، وهو إسمٌ يعودُ إلى الزمن العثماني. أمّا Çiyayê Kurmênc فهي الترجمة الكردية الحرفية وهو الإسم الشائع الذي يطلقه سكّان عفرين على المنطقة. تُعتبَر عفرين البلدة الرئيسية في المنطقة المؤلّفة من 360 إلى 366 بلدةً. في هذا العمل، نستخدم الأسماء الكردية التي يستعملها المشاركون في البحث للدلالة على هذه الأماكن. كذلك، استُخدِمَت اللاحقة الكردية “-î” في أواخر أسماء المُدُن باللغة الانكليزية (مثلاً: Efrînî (عفريني) وBitlîsî (بدليسي)) للدلالة على مكان إقامة الأشخاص وأصلهم.
  • 4. ساندرو ميزادرا وبريت نيلسو، الحدود كمنهجية، أو تكاثر العمل، دورهام، منشورات جامعة ديوك، 2013؛ بريم كومار راجارام، "اللاجئون كشعب فائض: العرق، والهجرة، وأنظمة القيمة الرأسمالية،" الاقتصاد السياسي الجديد،2018، المجلّد 23(5)، ص. 627 – 639.
  • 5. ستيفين كاسلز، هاين دي هاس ومارك ج. ميلر، زمن الهجرات، نيويورك، بالغريف ماكميلان، 2014.
  • 6. نرجيس كانيفي، "إدارة الهجرة غير النظامية: السوريون في تركيا ودورهم في النقلة النوعية لدراسات الهجرة القسرية،" منظورات جديدة بشأن تركيا، 2016، المجلّد 54، ص. 9 -32.
  • 7. كمال كريشي، "تركيا: بلد انتقالي من الهجرة الصادرة إلى الهجرة الوافدة"، السياسة المتوسّطية، 2007، المجلّد 12(1)، ص. 91 – 97؛ دينيز. ش. سيرت، "من ترجمة المهارات إلى خفض القيمة: إلغاء أهلية المهاجرين في تركيا،" منظورات جديدة بشأن تركيا، 2016، المجلّد 54، ص. 97 – 117.
  • 8. كمال كيريشي، المرجع السالف الذكر، ص. 95.
  • 9. أنور غوناي، "في الحرب والسلام: تحويل روايات العنف في اسطنبول الكردية،" أميركان أنثروبولوجست، 2019، المجلّد 121، ص. 554 – 567؛ فيلي ياديرجي، الاقتصاد السياسي لأكراد تركيا: من الامبراطورية العثمانية إلى الجمهورية التركية، كامبريدج، منشورات جامعة كامبريدج، 2017.
  • 10. سيدا ألتو، "الطائفية في الجزيرة السورية: المجتمع والأرض والعنف في ذاكرة الحرب العالمية الأولى والانتداب الفرنسي،" (1915 – 1939)، أطروحة دكتوراه غير منشورة، أوترخت، جامعة أوترخت،2011.
  • 11. حزب العدالة والتنمية هو حزب سياسي يتولّى الحكم في تركيا منذ العام 2002. تأسَّسَ كـ"حزب ديمقراطي محافظ"، واكتسَبَ طابعًا استبداديًا متزايدًا تحت القيادة المركزية المطلقة لرجب طيب أردوغان. وقد تصاعدت الممارسات الاستبدادية للحكومة بشكلٍ ملحوظ، لا سيّما منذ عام 2013، بعد القمع العنيف لمظاهرات حديقة غيزي.
  • 12. أنور غوناي، المرجع السالف الذكر.
  • 13. غولاي كيليكاسلان، "الهجرة القسرية والمواطنية والمساحة: حالة اللاجئين السوريين الأكراد في اسطنبول،" منظورات جديدة بشأن تركيا، 2016 ،المجلّد 54، ص. 77 – 95.
  • 14. إيلينا فديان-قاسمية،"العلاقات بين اللاجئين في سياقات النزوح المتداخل،" الصحيفة الدولية للأبحاث الحضرية والإقليمي، 2016، متوفّر عبر الرابط التالي: https://www.ijurr.org/wp-content/uploads/2016/11/Refugee-Spotlight-Overl... [آخر زيارة للرابط في 3 آب/أغسطس 2019].
  • 15. كيلسي ب. نورمان، "الإدماج، أم الإقصاء، أم اللامبالاة؟ إعادة تحديد خيارات المشاركة في الدول المُضيفة للمهاجرين واللاجئين في بلدان "العبور" المتوسّطية،"صحيفة الدراسات الإثنية ودراسات الهجرة، 2019، المجلّد 45(1)، ص. 42 – 60.
  • 16. أحمد إيكدويغة وداملا ب. أكسل، "حقائق الهجرة واستجابات الدول: إعادة التفكير في سياسات الهجرة الدولية في تركيا،" في: س. كاسلز، د. أوزكول، و م. أ. كوباس (ناشرون)، بعنوان التحويل الاجتماعي والهجرة، 2015، ص. 115 – 131.
  • 17. “Göç İdaresi” باللغة التركية كما يُشير إليها المهاجرون على نطاقٍ واسع. يعود تاريخ المنظّمة على مستوى البلاد إلى العام 2013 فقط، عقب التوافُد الجَمَاعي للاجئين السوريين.
  • 18. ديديم دانيش وديلارا نزلي، المرجع السالف الذكر.
  • 19. هيلين ماكريث وشيفين غولفر سانيش، "المجتمع المدني واللاجئون السوريون في تركيا،" كجثنه، جمعية المواطنين تركيا، 2017، متوفّر عبر الرابط التالي: https://www.hyd.org.tr/attachments/article/215/civil-society-and-syrian-... [آخر زيارة للرابط في 3 تشرين الأوّل/أكتوبر 2017].
  • 20. ديدام دانيش وديلارا نزلي، المرجع السالف الذكر؛ إيدير مين وديريا أوزكول، "مقدّمة المحرّرين: الحياة المتردّية واللاجئون السوريون في تركيا،" منظورات جديدة بشأن تركيا،2016، المجلّد 54، ص. 1 – 8.
  • 21. إنَّ جميع أسماء المتحدّثين هي أسماء مستعارة استُخدِمت لتجنّب التعرّف إلى هويتهم. نستخدم، في كامل النصّ، مصطلحات القرابة قبل بعض الأسماء – لا سيّما أسماء كبار السنّ. وقد استُخدِمت هذه المصطلحات في المقابلات، كقاعدةٍ أخلاقية لإظهار الاحترام. فمصطلح Ap-ê بالكردية يعني "العمّ"، في حين أنَّ مصطلح met-a يعني "العمّة".
  • 22. "X" بالكردية يُلفَظ مثل حرف "خ" بالعربية.
  • 23. حارز حليلوفيتش، أماكن الألم: النزوح القسري، والذاكرة الشعبية، والهويات العابرة للحدود المحلّية في المجتمعات البوسنية التي مزّقتها الحرب، نيويورك، بيرغهان بوكس، 2007.
  • 24. شكّلت كلمة Ma’işet (معيشة) أحد المصطلحات الأكثر استخدامًا بين العفرينيين في المقابلات.
  • 25. جورج غمليس، روبرت ف. كيمبر ووالتر ب. زينير، الحياة الحضري، لونغ غروف، مؤسّسة وايفلاند للنشر، 2010.
  • 26. بحسب تقريرٍ نشرته مؤخّرًا منظمةٌ من المجتمع المدني تُدعى إمباكت – أبحاث المجتمع المدني والتنمية (التي كانت تُمعرَف سابقًا بـCitizens for Syria أو مواطنون من أجل سوريا): "(...) يتّصف الوضع في منطقة عفرين، التي أصبحت تخضع للسيطرة التركية بحكم الواقع بعد عملية "غصن الزيتون" (كانون الثاني/يناير – آذار/مارس 2018)، بمستوياتٍ مرتفعة من انعدام الاستقرار. فهناك، ساهمَ تهجير السكّان المحلّيين وإعادة توطين الأشخاص النازحين داخليًا في تفاقم التوتّرات الإثنية القائمة أصلًا. ويتّسم الوضع بفوارق هائلة بين السكّان المحلّيين والأشخاص النازحين داخليًا من حيث التمتُّع بالأمن الشخصي وكسب المعيشة وحرّية التنقل والقدرة على ممارسة التقاليد الخاصّة. كذلك، وقعَ السكّان المحلّيون في منطقة عفرين ضحية الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان والممارسات التمييزية التي تفرضها المجموعات المسلّحة المُعارِضة، التي يُعتبَر أيضًا أنّها تُخصِّص الامتيازات للأشخاص النازحين داخليًا المرتبطين بها".أنظر: إمباكت – أبحاث المجتمع المدني والتنمية، "الأثر الاجتماعي-الاقتصادي لموجات النزوح في شمال سوري،ا" برلين، إمباكت – أبحاث المجتمع المدني والتنمية، أيّار/مايو 2019، ص. 9، متوفّر عبر الرابط التالي: https://www.impact-csrd.org/socioeconomic-impact-of-displacement-waves-i... [آخر زيارة للرابط في 3 آب/أغسطس 2019].
About the author(s):
Adnan Keği:

Adnan Keği is a PhD candidate of History at Université de Paris since 2020. He completed his MA thesis entitled A New Episode of Displacement: The Protracted Exile of Syrian Kurds in Istanbul’s Demirkapı Neighbourhood in 2019 at Sociology department of Bogazici University in Istanbul. He has worked in an international refugee organisation in 2017 and 2018.

ORCID: https://orcid.org/0000-0001-9627-4257

Saygun Gökarıksel:

Saygun Gökarıksel is an Assistant Professor of Sociology at Boğaziçi University. His current research explores the legal and political anthropology of human rights and reckoning with the communist past in Eastern Europe, with a focus on the themes of memory, labour, violence, and sovereignty. His most recent publications include “Facing History: Sovereignty and the Spectacles of Justice and Violence in Poland’s Capitalist Democracy” (Comparative Studies in Society and History, January 2019), (with Umut Türem) “The Banality of Exception? Law and Politics in “Post-Coup” Turkey” (South Atlantic Quarterly, January 2019) and "Neither Teleologies nor ‘Feeble Cries:’ Revolutionary Politics and Neoliberalism in Time and Space" (Dialectical Anthropology, March 2018).

Email: saygun.gokariksel@boun.edu.tr