الزواج في زمن الحرب والنزاع السياسي: حالة العراق

Publishing Date: 
December, 2023
Dossier: 
Gender Equity Network, Conflict Analysis Project
Author(s): Lucine Taminian
Abstract: 

يشهد العراق منذ مطلع الثمانينات اضطرابات كبرى، منها الحرب مع إيران في الثمانينات والتي امتدت طيلة عقد من الزمن، وحرب الخليج بين العامَين 1990 و1991، والعقوبات الاقتصادية بين العامَين 1990 و2003، والاحتلال الأمريكي في العام 2003، الذي تلاه نزاع طائفي وتهجير لأعداد كبيرة من السكان. وقد عززت أعمال العنف والعنف المضاد التي أعقبت حرب العام 2003 في العراق، وتصاعدت في العامَين 2006 و2007، الحدود بين الطوائف، وفرضت سطوة المسلحين على مجتمعاتهم، كما زادت الانقسامات بين الطوائف التي كانت تعيش سابقًا في مناطق مختلطة. وأدت سيطرة النزعة الطائفية والقبَلية على كافة جوانب الحياة العامة، بما في ذلك المسائل العائلية، إلى تسييس الزواج الذي أصبح محطّ نزاع اجتماعي-سياسي. لم يعد الزواج مسألة شخصية أو عائلية، بل تَحوَّلَ إلى مسألة سياسية على مستوى الطوائف والعشائر. تُناقِش هذه الدراسة التحولات في ممارسات الزواج بالاستناد إلى السِيَر الحياتية التي جُمعت بين العامَين 2005 و2009 لعراقيين مقيمين في الأردن، ولبنان، واليمن، وتركيا، والولايات المتحدة، ويمثلون شريحة واسعة من المجتمع العراقي.

Keywords: Family, War, Marriage, Iraq, Conflict

To cite this paper: Lucine Taminian,"الزواج في زمن الحرب والنزاع السياسي: حالة العراق", Civil Society Knowledge Centre, Lebanon Support, 2023-12-01 00:00:00. doi:

[ONLINE]: https://civilsociety-centre.org/ar/node/75943
Embed this content: 
Copy and paste this code to your website.
Full text: 
Full text
Picture source: al-monitor.com

المقدمة

ساهم ما شهده العراق من حروب ونزاع سياسي وطائفي بين العامَين 1980 و2006، في تعزيز سطوة الطائفية السياسية على كافة جوانب الحياة الاجتماعية-الثقافية والسياسية في المدن الكبرى مثل بغداد. وترافق ذلك مع تشديدٍ للأعراف القبَلية في مناطق العشائر، بما في ذلك أعراف الزواج. (حسن 2019؛ حداد 2017، 2014؛ خوري 2010؛ ماكو 2019؛ سعيد 2019). وأدى التطهير الطائفي الذي طال الأحياء المختلطة في بغداد بعد تفجير أحد المَعالِم الشيعية في العام 2006، إلى تسييس الزواج الذي أصبح محطّ نزاع اجتماعي-سياسي، وتَحوَّلَ زواج المرأة تحديدًا من مسألة شخصية أو عائلية إلى مسألة سياسية على مستوى الطوائف. أصبح الزواج الخارجي الذي يُسهِم في انفتاح المجتمع الذي ينتمي إليه الشخص، ويساعد في بلورة هوية تتخطى الحدود الطائفية، ضربًا من ضروب الخيانة؛ ما تسبب في انتهاء عدد من الزيجات بالطلاق. وفي المقابل، أصبح الزواج الداخلي الذي يزيد المجتمع انغلاقًا ويعزز الهوية الطائفية، بمثابة علامة من العلامات التي تدلّ على ولاء الشخص لمجتمعه. من جهة أخرى، سادت الأعراف القبَلية في مناطق العشائر نتيجة انهيار الدولة القومية وغياب حكم القانون، وشاع فيها الزواج بالإكراه وزواج الدم الواحد. (يافي 2000؛ الحيدري 2015).

سأُناقش في هذه الدراسة السياق الاجتماعي-الثقافي والسياسي المتغير لممارسات الزواج وكيف تَحوَّلَ الزواج إلى علامةٍ تدلّ على الولاء المطلق للمجتمع، وذلك من خلال إيجاز تاريخ هذه الممارسات قبل بروز الطائفية والقبَلية السياسية وبعدها. وفي مناقشتي للطائفية السياسية، سأصبّ تركيزي بالدرجة الأولى على بغداد، المدينة التي مزقها النزاع الطائفي بعد العام 2006، لأنتقل لاحقًا إلى المحافظات الجنوبية، موطن العشائر الكبرى، حيث سأتطرّق إلى مسألة الزواج بالإكراه وزواج الدم الواحد.

تستند مناقشتي للزواج قبل الاضطرابات وبعدها إلى السِيَر الحياتية لعراقيين مقيمين خارج العراق (الأردن، لبنان، اليمن، تركيا، والولايات المتحدة)، ويمثلون شريحة واسعة من المجتمع العراقي. جُمعت هذه السِيَر بين العامَين 2005 و2009 في إطارِ بحثٍ أوسع نطاقًا أُجري ضمن مشروع "التواريخ الشفوية للعراقيين المقيمين خارج العراق" (“The Oral Histories of Iraqis living Outside Iraq”) الذي نفذه "معهد الأبحاث الأكاديمية في العراق" (تاري). وقد أجريتُ أيضًا بحثًا إثنوغرافيًا مصغّرًا في موقعين في عمّان: كنيسة في شرق عمّان تلتقي فيها مجموعة من النساء بعد القُداس، وحي سكني تلتقي نساؤه المقيمات في منازل متجاورة في فترة ما بعد الظهر للدردشة والتحدث عن شواغلهن، كطلبات إعادة التوطين، والزواج، وآخر الأخبار في العراق.[1]

المحلة والقرابة والزواج

تشير المقولة العراقية "المرأة كالثيل" إلى الروابط التي تنشأ عن زواج النساء. الثيل هو عشبة زاحفة تمتد على مساحات واسعة من الأرض وتضرب جذورها حيثما تلامس التراب، لتشكل بساطًا كثيفًا. كذلك، يشكل زواج المرأة شبكةً تربط العائلات بعضها ببعض تمامًا كـ "الثيل" الذي ينمو أينما وُجد. إلا أن امتداد شبكة هذه العشبة يعتمد على عوامل "طبيعية"، في حين أن زواج المرأة يخضع للمعايير الاجتماعية، وتحكمه غالبًا الاعتبارات السياسية والاقتصادية التي تسمح بالزواج الداخلي فقط، أو تُجيز الزواج الداخلي والخارجي على السواء.

في المدن والقرى المشرقية القديمة، غالبًا ما كانت مجموعات الأقارب تُقيم في أحياء منفصلة ويتزاوج أفرادها ضمن حدود جماعاتهم فقط. وفي مدينة إربد الأردنية حيث وُلدتُ ونشأت، كانت الحامولات (سلالات الأنساب)، التي أقامت في الأحياء القديمة من المدينة، تعيش في حارات منفصلة، وتتشارك ملكية الأراضي والآبار جماعيًا، وتعتمد زواج الأنساب للحفاظ على أملاكها.[2] وبحسب الدراسات الإثنوغرافية لفلسطين في العام 1948، تُوصَف القرى "كمجتمعات يتشابك فيها الموقع، وصِلات القرابة، والزواج، والتنظيم الاقتصادي والاجتماعي" (إيزوتالو 2005، ص. 30). ويصف بطاطو (2004، ص. 18-19) المحلات القديمة، أي حارات بغداد في العشرينات، كمجتمعات ترابطت فيها الطبقات، والأديان، والطوائف، والإثنيات، وصِلات القرابة، والمواقع، والزيجات، وتلاصقت فيها المنازل لتُشكِّل عالمًا مغلقًا.[3]

تصف سعاد، وهي امرأة تبلغ من العمر تسعين عامًا، في سياق سردها لحياتها في بغداد، محلة الحيدرخانة، وهي حي قديم كانت تُقيم فيه العائلات الأرستقراطية لكبار المسؤولين السُنّة، على النحو التالي:[4]

أذكُر عندما كنا نقيم في الحيدرخانة؛ لم نكن نخرج قط إلى الشارع [لبلوغ منازل أقاربنا]. كان هنالك بوابات داخل المنزل، بوابات تربط المنازل بعضها ببعض. وكنا ننتقل من منزل إلى آخر عبر هذه البوابات. كان أقاربنا يعيشون في جوارنا على الجانبين: الأيسر والأيمن... أحاط بنا أقارب أبي من الجانبين. وكان أقارب أمي يعيشون في الجهة المقابلة. لم نكن نضطر للخروج إلى الشارع؛ فقد كان هنالك بوابة على السطح وأخرى في الطابق السفلي.

وقالت في حديثها عن الزواج: "السُنّة يتزوجون من السُنّة، والشيعة يتزوجون من الشيعة. لم يكن الزواج المختلط موجودًا في ذلك الحين... لأن الزيجات كانت كلها مُدبَّرة". ففي المجتمعات التي كانت تمنع التواصل بين العازبين من الرجال والنساء، كانت الزيجات تُدبَّر من نساء يخترن "شخصًا يعرفنه"، على ما قالت سعاد، في إشارة إلى أن الزواج المتكافئ، أو الذي يجمع أشخاصًا متساوين من الناحية الاجتماعية، كان القاعدة السائدة. يؤسس الزواج علاقة ذات أهمية اجتماعية بين عائلتَي الزوجين، ولهذا السبب كانت العائلات المرموقة تولي اهتمامًا خاصًا لترتيب الزيجات من أجل الحفاظ على مكانتها وتأسيس الروابط أو الحفاظ عليها، وبالتالي تعزيز شبكة حلفائها السياسيين والاجتماعيين (موندي 1995، ص. 172-173).

غالبًا ما كان الزواج الخارجي يُلاقى بالرفض من المجتمع الديني ومجموعات الأقارب في منطقة عقد النصارى، التي كانت تضم مسيحيين من عدة مذاهب. فقد اختارت ليلى مثلًا، وهي امرأة كلدانية قررت الزواج من رجل أشوري على الرغم من معارضة أهلها، الهروب والزواج على طريقة "الخطيفة"، ما أثار غضب عائلتها ودفعهم إلى مقاطعتها:

بصراحة، قررتُ الهروب لأن عائلتي عارضت زواجي [بالرجل الأشوري] بحجة أن الأشوريين يُجيزون الطلاق. لا يسمح الكلدان بزواج بناتهم بالأشوريين بسبب الطلاق، ولكنهم [أي عائلة الزوج] قالوا إنها "كذبة، وإن الطلاق غير جائز عندنا". لم أكن أحب الفتى[5] [زوجها المستقبلي]، ولكن عائلته أحبتني، فقد لاحظوا أنني مجتهدة، فقالوا لي: "تعالي إلى منزلنا". ذهبت ونظموا احتفالًا جميلًا [حفل زفاف] لي. تقدَّمَتْ عائلتي بشكوى بهدف زجه في السجن [أي زوجها]. فسألني القاضي: "هل أجبروكِ؟" فأجبت: "لا، بل ذهبت بكامل إرادتي". كنت في الثامنة عشرة في ذلك الحين. لم أكن أعرف أي شيء، ولكن والدته ووالده وشقيقته قالوا لي إنهم يحبونني ويرغبون في مجيئي إليهم. شعرت بالندم لاحقًا لأن عائلتي غضبت مني وقاطعتني لسنتين، لأنها كانت تعارض زواجي. وقاموا [أي عائلة الزوج] بإرسال [وسطاء] إلى عائلتي لتهدئة الأجواء، إلا أن ذلك لم ينجح. ولكنهم عادوا وتصالحوا معي لاحقًا.[6]

من خلال إشارتها إلى أن زواجها لم يكن بدافع الحب، بل بدافع حب عائلة الزوج لها الذي حثّها على الهروب، أرادت ليلى التنويه بأنها كانت شابة "حسنة السمعة". فالزيجات بدافع الحب تشير إلى فترة تودد قبل الزواج، وهو ما كان مرفوضًا في المجتمع. فقد كانت المرأة التي تقابل شابًا قبل الزواج تجلب العار لنفسها ولعائلتها.

لم تغير الهجرة من الريف إلى المدينة، التي تسارعت وتيرتها منذ قيام الدولة القومية في العام 1921، الكثير في التركيبة الديمغرافية للحارات السكنية. فقد هاجر عدد كبير من الشيعة الفقراء إلى بغداد واستوطنوا بشكل عشوائي في المناطق الخالية في الأجزاء الجنوبية-الشرقية للمدينة، حيث أقاموا في الصرايف.[7] تم تأهيل المستوطنات العشوائية في العام 1959، وتحولت مع مرور الزمن إلى مدن ذات غالبية شيعية. وتحدث ح. الصقر، وهو أستاذ جامعي وناقد أدبي هاجر والده إلى الحورية، وهي إحدى المدن العشوائية التي تم تأهيلها، عن مَيل المهاجرين إلى الحفاظ على الحياة الاجتماعية التي كانوا يعيشونها في القرية وعلى خياراتهم في ما خص الزواج:

"ينقل" المهاجرون من الريف أسلوب حياتهم الريفي إلى المدينة... يقيمون في منازل متجاورة في الأحياء نفسها التي تُسمى عادةً بأسماء القرى التي قدِموا منها: حي العمارة، حي الناصرية، إلخ... تتمسك العشائر في الجنوب بتقاليدها؛ فتعيش مجموعات الأقارب في منازل متجاورة ويتزوّج أفرادها من أقاربهم. ... فقد تزوج أعمامي وأخوالي وعماتي وخالاتي "منّا" كما فعل الآخرون أيضًا.

يُشير مصطلح "منّا" إلى الزواج ضمن حدود النَسَب والطائفة، وإلى أن علاقة قرابة غالبًا ما كانت تجمع بين الزوجين من جهتَي الأم والأب. كان نَسَب الصقر، على غرار أنساب المهاجرين الأخرى، يُمثِّل نوعًا من المجتمعات التكافلية حيث تساهم كل عائلة في نفقات زواج الأقارب، وفي دفع الدية، وتقديم الدعم للأقارب المحتاجين إلى المال، وتوفير السكن للمهاجرين الجدد ومساعدتهم في الاستقرار.

في مطلع القرن، شهد العراق عمومًا وبغداد خصوصًا، تغييرين رئيسيين على الصعيد الاجتماعي-الثقافي، وكان لهما أثر على وضع المرأة: تمكين المرأة وتغيير النسيج الاجتماعي للمدينة. وكانت مجلة "ليال"، وهي المجلة الأولى المخصصة للمرأة، وجريدة "الصحيفة"، ذات التوجه الماركسي، أول من نادى بتحرير المرأة وبحقها في الحصول على التعليم العالي، وبالمساواة بين الجنسين، والسفور. لقيت هذه الدعوات معارضة شديدة من رجال الدين (الحميري 2019؛ جريان 2017؛ العمري 2017). ولكن، في ظل تزايد أعداد المدارس الابتدائية للفتيات والحاجة إلى معلمات مؤهَّلات، أصبحت دار المعلمين العالية التي تأسست في بغداد في العام 1937 مختلطة، وتم قبول ثماني نساء فيها في العام 1939، تزامنًا مع قبول خمس طالبات في كلية الطب (العلاف 2019؛ زكي 2005). وكان الاحتشام ضروريًا لاسترضاء رجال الدين: ففُرض على جميع مَن تم قبولهن في دار المعلمين ارتداء العباية[8] والجلوس في الصفوف الأمامية، في حين توجب على مَن تم قبولهن في كلية الطب ارتداء ملابس محتشمة.

وعلى النقيض من ذلك، شهدت بغداد تغيرات هيكلية كبيرة رافقت بناء أحياء جديدة ومشاريع سكنية برعاية الدولة للمحترفين من كافة الأديان أو الطوائف أو الإثنيات في ضواحي المدينة. فبدأت العائلات تنتقل من المحلات القديمة إلى الضواحي، تاركةً منازلها لمستأجرين من مختلف الخلفيات الإثنية والدينية. أدى ذلك في كثير من الأحيان إلى انفصال العائلات الممتدة: فقرر بعض أفرادها البقاء في منزل العائلة القديم، فيما اختار آخرون الانتقال وتأجير منازلهم لمهاجرين أو لعائلات من أحياء أخرى أو لمؤسسات.[9] تم بيع منزل سعاد في الحيدرخانة لمطبعة، و"أصبحت الحيدرخانة بكاملها مركزًا للمطابع، وذلك لقُربها من شارع المتنبي".[10] وإلى جانب الأحياء المختلطة، أصبحت الأماكن العامة كالكليات المختلطة، ودور السينما، والنوادي، والنقابات، والأحزاب السياسية، والاتحادات، أماكن أتاحت للشبان والشابات التعارف، فوفرت سياقًا اجتماعيًا-ثقافيًا للزواج القائم على الصداقة و/أو الحب و/أو الانتماء إلى الحزب السياسي نفسه أو المنظمة نفسها، بدلًا من الدين أو الطائفة.

كان علي، وهو أستاذ جامعي متقاعد حائز على شهادة دكتوراه من اسكتلندا، وزوجته سلمى التي تحمل إجازة في الرياضيات، ناشطَين سياسيين علمانيين، وعضوَين في الهيئة الإدارية لنقابة المعلمين، عندما تعارفا وقررا الزواج. ينتمي علي إلى الطائفة الشيعية فيما تنتمي سلمى إلى الطائفة السنية:

"توجهنا إلى المحكمة وعقدنا زواجنا وفقًا لقانون الأحوال الشخصية لدى الطائفة السنية. لم يعارض أهلي ولا أهلها؛ فقد كانوا منفتحين... تتضمن المحكمة قسمًا يتولى عقد الزواج بحسب قانون الأحوال الشخصية لدى الطائفة السنية، وقسمًا آخر يتولى عقد الزواج بحسب قانون الأحوال الشخصية الجعفري [الشيعي]، وكان يُسأل طالبو الزواج في المحكمة ما إذا كانوا يرغبون في الزواج بحسب القانون الجعفري أو السني. لم أكن أهتم إذا كان القانون سنيًا أم جعفريًا".[11]

الطائفية السياسية وتسييس الزواج

بالاستناد إلى مفهوم القومية بحسب أندرسون الذي يعتبرها "مجتمعًا متخيلًا"، يقول "بشارة" (2019) إن الطائفية ليست نتاج الطائفة؛ بل على العكس، فالطائفية السياسية هي التي تولد الطائفة كمجتمع متخيل يمكن التحكم به في النزاع على الدولة في فترات الصراع. ويعتبر "سعيد"، في الدراسة التي أجراها حول الهوية الشيعية، أن الشيعة، وهو تعبير عقائدي وسياسي عن حق الإمام علي في الخلافة، ليست هي ما أتاح تكوين الهوية الشيعية، بل الهوية الشيعية هي هوية حديثة متخيلة عابرة للقومية، رسمتها الروايات التاريخية عن التشيع وأصبحت ممكنة من خلال تشكيل حزب مؤلف حصرًا من الشيعة باسم حزب الدعوة الإسلامية في العام 1958 والذي نتج عن عجز الدولة القومية عن تشكيل هوية وطنية (2019: 162-174).

مع اندلاع الحرب بين العراق وإيران، أدرك صدام الحاجة إلى قادة دينيين موالين ينشرون رؤيته الخاصة عن الإسلام، إضافةً إلى تقديم نفسه كمسلم ملتزم متحدر من نسب الأشراف (هلفونت، التاريخ غير محدد).[12] فأمر بإنشاء مؤسستَين للعلوم الدينية: كلية صدام لإعداد الأئمة والخطباء والدعاة، وجامعة صدام للعلوم الإسلامية؛ وكان الولاء لحزب البعث شرطًا لقبول الانتساب إلى المؤسستَين. وكان يتم توزيع الطلاب بعد التخرج، وغالبيتهم من المسلمين السنة، على الجوامع و/أو وزارة الأوقاف. وأطلق صدام كذلك الحملة الإيمانية في العام 1993، في محاولة لدرء خطر اندلاع انتفاضة جديدة،[13] وأدّى خريجو كلية وجامعة صدام دورًا رئيسيًا فيها. أمر أيضًا ببناء الجوامع والمَعالِم الدينية، وأضاف عبارة "الله أكبر" على العلم العراقي، ووضع شجرة نَسَب ادعى فيها أنه يتحدر من سلالة النبي. كذلك، منح صدام الحزب الإسلامي العراقي، الذي تألف حصرًا من المسلمين السنة، حريات شكلية، مُمهِّدًا الطريق أمام تشكيل هوية سياسية سنية.[14]

إنَّ السياسة التي اتبعتها الدولة تحت حكم صدام تجاه العراقيين الذين اعتُبروا متحدرين من أصول إيرانية، أي الشيعة، المنتمين إلى عائلات مقيمة في العراق منذ سنين طويلة، قد أشعلت فتيل التوترات الطائفية السياسية التي ما لبثت أن تحولت إلى نزاع طائفي خلال انتفاضة العام 1991. تم ترحيل آلاف العراقيين الذين عُرفوا بإيرانيي العراق، إلى الحدود العراقية-الإيرانية في الأشهر الأولى من الحرب بين العراق وإيران، بحُجّة أن وجودهم يهدد الأمن القومي، كما تمت مصادرة ممتلكاتهم وبيعها في المزادات (خوري 2013). وتحدثت سلام، وهي أستاذة جامعية، في مقابلة معها، عن ترحيل جديها لوالدتها وعما سبَّبَه ذلك من معاناة لوالدتها:

في العام 1980، أتوا [رجال الأمن] وأخذوا جدي لوالدتي الذي كان يبلغ من العمر في ذلك الوقت 95 سنة، وجدتي التي كانت في التسعين... كانت عائلتاهما مقيمتين في العراق منذ أن كان تحت حكم الدولة العثمانية... تم ترحيلهما في اليوم نفسه ورُميا في مخيم للاجئين في الصحراء على الحدود العراقية-الإيرانية، وذلك لأنهم [أي الإيرانيون] لم يعثروا على اسميهما في قائمة العراقيين ذوي الأصول الإيرانية المقيمين في العراق؛ فرفضوا دخولهما... وبعد مرور أسابيع، تمكن أحد معارف عائلتنا ... من تأكيد أصولهما الإيرانية، فسُمح لهما بالدخول. وبعد أربع سنوات، بَلَغَنا أن جدتي توفيت في مأوى للعجزة، فيما توفي جدي في أحد المستشفيات. كان الأمر مؤلمًا جدًا؛ شخصان طاعنان في السن، متروكان في الصحراء ومرميان في سجن... صادروا منزلهما... وتم بيع المنزل وكل ما بداخله في المزاد... تم بيع كل قطعة من ممتلكاتهما تحت أنظار والدتي التي شعرت بألم كبير، لكنها لم تقل أي شيء... نساء عائلتنا قويات جدًا... وقد كان والدي داعمًا لها.

إضافةً إلى كل ذلك، صدر قرار رئاسي في العام 1981 طالِبًا من الرجال العراقيين، وخصوصًا أفراد الجيش، المتزوجين من نساء من التبعية الإيرانية، الطلاق مقابل مبلغ 4,000 دينار عراقي إذا كانوا من العسكريين و2,000 دينار إذا كانوا من المدنيين (خوري 2013)، بحيث لا يتم تلقين العقيدة الشيعية للأولاد أو تشجيعهم على اعتناق الشيعية من قِبَل أمهاتهم أو عائلاتهن بعد وفاة الأب. ويمكن القول إن قرار صدام الصادر في العام 1981 كانَ يهدف، على غرار القانون العثماني الصادر في العام 1874، إلى تنظيم الزواج بين السنة والشيعة. فقد أثار "اعتناق عدد كبير من العراقيين السنة المذهب الشيعي" وتزايُد عدد الشيعة الذين يخدمون في صفوف الجيش قلقَ السلطات، فأصدرت قانونًا يمنع زواج النساء العثمانيات برجال من أصول إيرانية. وفي حال حصول هذا الزواج، يُعتبر أبناء المرأة السنية من العثمانيين (كيرن 2007: ص. 8-10).

وأدى تفجير حرم الإمامين العسكريين في سامراء، وهو مَعلَم له أهمية دينية خاصة لدى الطائفة الشيعية،[15] على يد مسلحين في شباط/فبراير 2006، إلى انزلاق البلاد إلى حرب أهلية أدت إلى تهجيرٍ طائفي، فانقسمت بغداد تقريبًا إلى مدينتين طائفيتين (الربيعي 2007). وأشار ح. الصقر (انظر أعلاه) الذي كان مقيمًا في الحورية حيث عاشت بعض العائلات السنية إلى ما يلي:

العائلات السنية القليلة التي كانت تقيم في الحورية طُردت نتيجة طرد الشيعة من الأحياء السنية. شعر رجل سني كان متزوجًا من امرأة شيعية بالخوف، فغادر تاركًا زوجته وأولاده. عاد بعد عدة أسابيع لقضاء بعض الوقت مع أولاده، فاصطحبهم معه خارج المنطقة ولم يعودوا منذ ذلك اليوم. يبدو أنه فضل أن تتولى عائلته تربيتهم بدلًا من أن يتم تلقينهم العقيدة الشيعية على يد والدتهم أو أهلها.

حاولت الميليشيات السنية والشيعية، طيلة سنوات النزاع الطائفي في بغداد (2006-2008)، تغيير الخارطة الديمغرافية للمناطق المختلطة؛ فعمدت الطائفة التي تشكل الأغلبية في كل حي إلى طرد العائلات أو الأفراد المنتمين إلى الطائفة الأخرى (الخالدي وتانر 2006). وفي المناطق ذات اللون الواحد، بات يُنظر إلى النساء المتزوجات المنتميات إلى الطائفة الأخرى على أنهن رموز لطائفتهن، وغالبًا ما واجهن خطر الطلاق (الهاشمي 2010). كانت تُترك عند أبواب منازل هؤلاء النساء رسائل تهديد بالقتل في حال عدم مغادرتهن في غضون ثلاثة أيام. كن يخترن بشكل عام المغادرة والإقامة مع أهاليهن الذين كانوا يشجّعونهنّ على الطلاق، وهذا ما كانَ يحصل في غالبية الأحيان. أما النساء المتزوجات من رجال من غير طائفتهن والمقيمات مع عائلة الزوج، فقد كُنَّ يتعرضن للإيذاء والعنف على يد أهله بسبب انتمائهن إلى الطائفة الأخرى. وغالبًا ما كانت زيجاتهن تنتهي بالطلاق ويؤخذ الأولاد من قِبَل عائلة الزوج خوفًا من قيام الوالدة أو أهلها بـ "تلقينهم عقيدة أخرى" (الربيعي، 2007).[16]

ومع انتشار الخطاب الطائفي المشحون في البلدان العربية والمجتمعات المسلمة في بلدان الاغتراب عقب إعدام صدام شنقًا في أول أيام عيد الأضحى،[17] وقع زوجان من الطائفتين الشيعية والسنية، مقيمان خارج العراق، تحت ضغوط أدت إلى انتهاء زواجهما بالطلاق:

فر زوجان من الطائفتين الشيعية والسنية إلى الأردن حيث تسجلا كلاجئين لدى مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، وتقدما بطلب لإعادة التوطين، وهو إجراء يستغرق عادةً بين سنة واحدة وسنتين. في هذه الفترة، حصل الزوج على وظيفة في إحدى الجامعات في عمّان. تبلغت العائلة بقبول طلبها وبوجوب السفر إلى هولندا في غضون بضعة أشهر، إلا أن انضمام الزوج إلى عائلته لم يكن ممكنًا قبل انتهاء السنة الدراسية. غادرت الزوجة مع ابنتيهما، على أن ينضم إليها الزوج في نهاية السنة الدراسية. وبينما كان يستعد للمغادرة، تلقى اتصالًا من زوجته أبلغته فيه بأن الشيخ في الجامع قال لها إن الشيعة كفار، وإن زواج المسلمة بكافر هو زواج باطل، وإنه يتعين عليها الطلاق؛ فقامت بذلك بالفعل.[18]

حملت النساء كل أوزار الحرب. فعند سؤال بائعة متجولة عما إذا كانت ترغب في إجراء مقابلة، قالت: "يذهبون إلى الحرب ويُقتلون، ونعيش نحن كأرامل، ونعاني الأمرّين. ليس لدي شيء آخر لأضيفه في المقابلة". ترملت ملايين النساء وأصبحن مسؤولات عن أُسَر كبيرة، وتعرض عدد كبير للتهجير أو القتل. وبحسب سجلات وزارة الدولة لشؤون المرأة، فقد فاق عدد الأرامل في العراق الأربعة ملايين، منهم 300,000 في بغداد وحدها، ومن هنا، أُطلق على بغداد اسم "مدينة الأرامل" (زنكنة 2009؛ شبكة النبأ 2018). فرّت آلاف النساء الأرامل اللواتي كُنّ أصبحن المسؤولات عن إعالة أُسَرهنّ إلى الأردن، وعملت الفقيرات من بينهن كبائعات متجولات أو كعاملات في المنازل. وغالبًا ما تختار النساء في عمر الزواج العزوبة خوفًا من الترمل. فقد اختارت امرأة عازبة في الأربعين من العمر التقيتها في الكنيسة، عدم الزواج لتفادي ويلات الحرب والمأساة التي مرت بها شقيقتها وصديقتها المتزوجتان.

تم استدعاء زوج شقيقتي للالتحاق بالخدمة العسكرية بعد شهر من زواجهما. اعتُقل وسُجن في إيران لمدة اثنتي عشرة سنة... ولم يفارقه المرض واليأس طيلة الوقت... ترملت صديقتي ووقعت عليها مسؤولية تربية طفلين... ليس للزواج أي معنى في هذه الحالة. عاشتا حالة من البؤس؛ أما أنا فأعيش في حالٍ أفضل كامرأة عزباء.[19]

قضيتُ بعض الوقت مع ثلاث عائلات تعيش جنبًا إلى جنب، وكانت الرغبة في إعادة التوطين في أوروبا أو الولايات المتحدة الأمريكية الشغل الشاغل لأفرادها. وعندما رُفض طلب إعادة توطين إحدى العائلات، قرروا العثور على زوج مناسب لابنتهم البالغة من العمر 25 سنة: "إنه صديق لأحد أقاربي في كاليفورنيا؛ في الواقع هو قريب لصِهري... حدَّثَه عن الموضوع [للزوج العتيد]، ووافق. إنه شاب عراقي عازب". سُمح للفتاة بالتواصل مع عريسها المستقبلي عبر الإنترنت للتعرف إليه. "لقد حدثني ووافقت. لم ألتقِ به بعد، ولكننا نتواصل عبر الإنترنت، وقد تبادلنا الصور وأصبحتُ أعرف شكله". ظهرت على شفتَي شقيقتها ابتسامة تدل على الرضا، "نأمل أن تحصل على الجنسية وتتمكن من أخذنا نحن أيضًا". وتُعتبر الزيجات المدبرة بين الشابات من جهة وشبان مقيمين في الخارج من الجهة الأخرى، حَبْلَ النجاة الأخير للعائلة كلها.

القبَلية وعودة الزواج بالإكراه

لطالما ارتبط نفوذ العشائر في المناطق القبَلية في العراق بعلاقات القوة التي تجمعها بالدولة وبسياسة الدولة القاضية بتوظيف العشائر لمصالحها السياسية. اعترفت سلطات الانتداب البريطاني بالعشائر وبأعرافها لتسوية المنازعات حفاظًا على القانون والنظام في مناطقها. وقد تم تدوين الأعراف وتوثيقها، وطُبقت في حالات النزاع والزواج على مستوى العشائر. وفي الوقت نفسه، أُصدرت قوانين جنائية ومدنية ليتم تطبيقها في المناطق الحضرية (بطاطو 2004، ص. 93؛ الجبوري 2019، ص. 8).

وعقب ثورة العام 1958، بدأت السلطة القانونية للعشائر بالانحسار، وذلك نتيجة إبطال أعراف الزواج القبَلية وإصدار قانون الأحوال الشخصية الجديد لسنة 1959. حدد القانون سن الزواج بثماني عشرة سنة للذكور والإناث كحد أدنى، ومنعَ الزواج من دون موافقة المرأة أو الرجل، بالإضافة إلى تجريم الزواج بالإكراه وفرض عقوبة بالسجن لمدة ثلاث سنوات لمَن ينتهكون الأحكام المتعلقة بالزواج بالإكراه.[20]

عمل صدام، في ظل الضعف الذي أصاب مؤسسات الدولة وتدهور الأوضاع الاقتصادية بعد العام 1991، على كسب دعم العشائر من خلال إدخالها في عالم السياسة، مُطلِقًا على حزب البعث اسم "قبيلة القبائل" وعلى نفسه لقب "شيخ المشايخ"، وبنى مضافات عشائرية في المناطق القبَلية حيث كان يجتمع بالعشائر للإصغاء إلى شكاويهم ومعالجة مشاكلهم (يافي 2000).[21] وبالمثل، حشدت القوات الأمريكية في العام 2006 العشائر السنية لمواجهة التمرد في محافظة الأنبار. إلا أن العشائر المقيمة في المناطق التي تخضع لسيطرة المتمردين أعلنت مبايعتها لهم وأصبحت حاضنة اجتماعية لهم (فواز 2016، ص. 47-50؛ طاهر 2014). ومع انتهاء التمرد، انحسر الدور السياسي للعشائر، إلا أنها لا تزال تلعب دورًا ناشطًا في تطبيق الأعراف القبَلية، بما في ذلك الزواج بالإكراه: أي النهوة والفصلية.

1.زواج النهوة

تُشير النهوة، أو النهي، إلى حق الرجل بمنع زواج ابنة عمه من رجل من غير أبناء أعمامها، أي كافة الأفراد الذكور في نَسَب أبيها. ولا يُسمح للمرأة بالزواج من رجل غير أبناء أعمامها إلا في حال قام هؤلاء بالتنازل عن حقوقهم، وإلا فقد تختار الزواج على طريقة "الخطيفة"، وهو فِعل يُلحِق العار بعائلتها وعشيرتها ويُشكِّل دافعًا لقتلها هي وزوجها معًا (صالح 2017، ص. 311؛ عبد 2019).

كان حق نهي زواج المرأة من قِبل ابن عمها شائعًا أيضًا بين العشائر في قرى بلدان المشرق، وهو حق يُعبَّر عنه بمقولة "ابن العم بِنَزِّل بنت العم عن الفرس"، أي بما معناه أنه يحق لابن العم من الدرجة الأولى إنزال ابنة عمه عن ظهر الفرس بينما تكون في طريقها إلى منزل عريسها؛ أي قبل أن يتم الزواج. ومع ذلك، فلا تتم كل الزيجات من أبناء العموم بالإكراه، فهي تكون شائعة في العادة بين العشائر التي يتشابك فيها النَسَب والموقع (أبو لغد، 1986، ص. 50) والتي تتيح الفرصة لنشوء الحميمية مع الوقت بين المرأة وأحد أبناء أعمامها واختيارها الزواج منه.

تقول "فيرنيا" في دراستها الإثنوغرافية لقرية قبَلية في جنوب العراق إنَّ العشائر تفتخر عادةً بمنع نسائها من الزواج من خارج مجموعة الأقارب أو الدائرة الأوسع للعشيرة، وغالبًا ما تمتثل لهذه القاعدة النساءُ اللواتي يتبنين عادةً الروح العشائرية. وقد برّرت إحدى الشابات النهوة العشائرية بأنها طريقة للحفاظ على النَسَب: "الأمر مماثل لما تقوم به العائلة المالكة البريطانية... فهي لا تلوث نسبها. لماذا؟ لأنه مصدر فخر لها. وهذا ما نشعر به تمامًا". (فيرنيا 1989، ص. 252).

قد تكون الشابات المثقفات في العشائر في الوقت الراهن فخورات بأنسابهن، ولكنهن يرفضن إكراههن على الزواج من أبناء أعمامهن. وفي حال عدم حصولهن على الدعم من عائلاتهن، فقد يخترن الانتحار بدلًا من الهروب والتعرض للقتل دفاعًا عن شرف العشيرة. وهذا ما حدث في حالة مريم، طالبة جامعية في الثانية والعشرين من العمر مخطوبة إلى شاب من عشيرة أخرى. طالب ابن عمها، وهو رجل جاهل، ومتزوج ولديه أطفال، بحقه في الزواج منها بموجب النهوة، فقابلته بالرفض، فما كان منه إلا أن هددها بالإكراه على الزواج. رفضت عائلتها دعمها؛ وبعد أن فقدت الأمل، اختارت الانتحار بدلًا من الزواج من ابن عمها وعيش حياة بائسة (المدى 2014).

غالبًا ما تنشأ المنافسة بين قريبَين لجهة الأب على مَن له الأفضلية في الزواج من قريبتهما؛ وقد ينتهي الأمر بأن يقتل أحدهما الآخر. أرادَ طالب جامعي شاب الزواج بإحدى قريباته لجهة أبيه، إلا أن خلافًا نشب بينه وبين قريب آخر لها ادعى أنه صاحب الأفضلية لأنه ابن عمها من الدرجة الأولى. فأطلق أحدهما النار على الآخر وقتله (عيد 2019). أعرب مجلس القضاء الأعلى في العراق عن قلقه إزاء استخدام الأسلحة لمنع زواج امرأة برجل من غير أبناء أعمامها، وذلك في بيان حذر فيه من أن "النهوة اتخذت منعطفًا خطيرًا لأنها لم تعد تقتصر على التهديد، بل أصبح السلاح يُستخدم فيها أيضًا في غالب الأحيان"، ومن أن استخدام القوة لم يعد محدودًا بالمناطق الريفية والقبَلية، بل امتدَّ إلى محافظات عراقية أخرى (عبد الواحد، 2014).

2. زواج الفصلية

ينشأ الثأر للدم بين القبائل في العادة عن المسائل المرتبطة بالشرف و/أو الخصومة التاريخية والتي قد تؤدي إلى دائرة من أعمال القتل الثأرية إلى أن يتم التعويض عن طريق عُرف قبَلي يُعرف "بالفصل"، ويُشير إلى دفع دية بقيمة محددة. وفي حال عجزت قبيلة القاتل عن تسديد المبلغ المتفق عليه، يُفرَض عليها تقديم امرأة يتزوجها رجل من قبيلة الضحية؛ ويعتمد عدد النساء على القيمة التي ينبغي تسديدها.

كان زواج الفصلية شائعًا بين العشائر في المحافظات الوسطى والجنوبية قبل وقت طويل من تشريعه من جانب إدارة الانتداب البريطاني عن طريق إصدار نظام دعاوى العشائر لسنة 1916 الذي كان المفتشون البريطانيون يرأسون بموجبه الجلسات.[22] وكانَ هذا القانون ينصّ على "تقديم النساء على شكل "دية" بالتقسيط، مع بلوغهن سن النضج"، وذلك في الحالات التي لا يتوفر فيها عدد كافٍ من النساء في سن الزواج. في العام 1930، أفاد المفتش البريطاني في العمارة (منطقة جنوبية) إلى أن 125 امرأة قُدمن كفصلية لتسوية 62 قضية قبَلية (بطاطو 2004، ص. 145-146).

وثَّقَ المُستكشِف البريطاني "ثيسيغر" الذي عاش في الأهوار الجنوبية لحوالى سبع سنوات (1951-1957) قواعد الدفع للدم في هذه المنطقة. يعود لعائلة الضحية اتخاذ القرار في العادة حول ما إذا كانت ترغب في قبض الدية بالنساء أو بالمال. وفي حال اختارت قبض الدية بالنساء، يعود لها أن تُحدِّد عدد النساء الواجب تقديمهن، على أن تكون المرأة الأولى عذراء في سن الزواج وأن تنتمي إلى عائلة القاتل أو إلى عائلة أقرب أقاربه في حال لم يكن لديه ابنة أو أخت بهذه المواصفات (صالح 2017، 1965، ص. 73).

تُجرد المرأة الفصلية عادةً من كامل حقوقها، بما في ذلك حق طلب الطلاق، ولا يُسمح لها برؤية عائلتها إلا في حال إنجابها صبيًا للتعويض عن الرجل التي تم قتله. تحمل المرأة طيلة حياتها وصمة الفصلية التي تنتقل منها إلى أولادها. ترمز المرأة في المجتمع القبَلي إلى شرف القبيلة التي يقع عليها واجب حمايتها، أما عجزها عن حماية النساء فيحط من قدرها، فتتعرض المرأة الفصلية عامةً للإساءة والإهانة كدلالة على الاحتقار لقبيلتها التي عجزت عن حمايتها.

دعت أطراف عديدة إلى وضع حد للزواج بالإكراه الذي ينتشر في المناطق القبَلية. ودعا خبراء قانونيون عراقيون إلى وقف الزواج بالإكراه لانتهاكه الشريعة الإسلامية التي تعتبر الزواج بمثابة "عقد رضائي يفترض تمتع الطرفين بالحرية وبالأهلية للموافقة" وتعطي المرأة الحق في الموافقة على عرض زواج أو رفضه.[23] وهو ينتهك أيضًا قانون الأحوال الشخصية لسنة 1959 الذي ينص على أن الأقارب لا يحق لهم إجبار المرأة على الزواج بغير موافقتها (عباس وآخرون، 2016).[24] من ناحية أخرى، قام الوجهاء والنخب العراقية بدعوة القبائل إلى توقيع ميثاق شرف يُجرِّم الفصلية، كما دعا حقوقي وخبير قانوني إلى اعتبار زواج الفصلية إتجارًا بالبشر يُعاقَب بالسجن مدى الحياة عملًا بأحكام المادة 6 من قانون مكافحة الإتجار بالبشر (عاصي وحكمت، 2018). وردًا على هذه الدعوات، تم إبطال الأعراف القبَلية المرتبطة بالزواج بالإكراه. إلا أن الأعراف القبَلية لا تزال نافذة نظرًا إلى ضعف الدولة، ولا تزال المحاكم العشائرية مستمرة في العمل في المناطق التي تمتلك فيها العشائر نفوذًا سياسيًا واسعًا.

الخاتمة: تسييس الزواج، تسليع المرأة

تُظهِر المنشورات والمؤلفات التي تعالج موضوع الزواج في زمن النزاع الطائفي أن الزواج الخارجي يُعتبر "زواجًا من العدو". وقد بينت دراسة حول الزواج في ايرلندا الشمالية التي شهدت نزاعًا طائفيًا على مدى عشرات السنين، أن الزواج الخارجي كان يُعتبر انتهاكًا للحدود الفاصلة بين الأحياء الكاثوليكية والبروتستانتية. وكان الرجل الذي يختار الزواج الخارجي يجلب العار لنفسه ولعائلته وغالبًا ما كان يُعتبر خائنًا ويُطرد من الحي، حتى أنه قد يتعرض للاغتيال أحيانًا (دونان، 2000).

وبالمثل، مع انتشار الطائفية السياسية في بغداد بعد أحداث العام 2006، وقيام كل طائفة بتحديد المساحة الاجتماعية الخاصة بها، من خلال علاقات المصاهرة التي تسهم في توسيع الشبكة الاجتماعية وتوليد قواعد الالتزامات والتبادل والاختلاط الاجتماعي، شكلت الزيجات المختلطة بين السنة والشيعة انتهاكًا للحدود الطائفية. أصبحت النساء في الزيجات المختلطة بين الطوائف رموزًا لطوائفهن وحارسات لحدودها، فأُجبرن على الطلاق، وسُلِبن أطفالهن من قبل عائلات أزواجهن لحمايتهم من محاولة تلقينهم عقيدة الطائفة التي تنتمي إليها الأم، سواء من قِبلها و/أو من قِبل عائلتها.

يُسهِم زواج الدم الذي يقوم على تزويج النساء بأفراد من عائلة القتيل بهدف تسوية ثأر الدم، في تسليع المرأة. ويشير كوبيتوف (1986، ص. 64-65) إلى أن الأشخاص قد يقعون ضحية التسليع، وتم تسليعهم بالفعل، نتيجة انتشار ممارسات الاستعباد. يتم بيع الرقيق، وتجريدهم من هويتهم الاجتماعية السابقة، ويُصبحون سلعًا يتم تبادلها. كذلك، تؤدي الآلية القبَلية لتسوية قضايا ثأر الدم إلى تسليع المرأة التي يتم تزويجها. وتُلصَق بها، تمامًا كالرقيق، هوية اجتماعية جديدة، فتصبح معروفة بالمرأة الفصلية، وهي وصمة تحملها مدى الحياة، على عكس الرقيق الذين يستعيدون إنسانيتهم في العادة ويكتسبون هوية اجتماعية جديدة. السلعة هي "غرض له قيمة للاستخدام ويمكن استبداله بغرض آخر له قيمة مساوية". أما قيمة استخدام المرأة الفصلية فهي قدرتها على الإنجاب وإمكانية إنجابها أكبر عدد من الذكور لتعويض عائلة ونسب الضحية عن ابنهم الذي قُتل. وتتمثل قيمة الاستخدام لعائلة الضحية في تخليها عن حقها في قتل القاتل. وبالفعل، واجهت امرأة فصلية تبلغ من العمر خمسين سنة، تم تزويجها قبل خمسٍ وعشرين سنة، أسوأ أشكال سوء المعاملة. وعندما كانت تشكو لأهلها، كانوا يقولون لها: "عليك التحلي بالصبر، فأنت امرأة فصلية...". وصفَت حياتها كالآتي: "كانت حياتي جحيمًا... كنت أتعرض للضرب والشتيمة... كما لو كنت أنا مَن قتل ابنهم... سُلمتُ كتقدمة... حتى يبقى أخي، مُرتكب جريمة القتل، على قيد الحياة". (الجنابي 2020).

 

المراجع:

العربية:

Abbas, Bakir A., Ahmad F. Husein, Abedel-Basit A. Abbas, “al-A`raf al-`Ashaeriya wa al-Qawaneen al-`Iraqiya.” Dafatir al-Siyasa wa al-Qanon, No. 11, 2016.

Abed, Ahmad, “al-Nahwa al-`Ashaeriya … Jarimat Qatil Shae`a fi Iraq.” https://www.alaraby.co.uk, Nov. 11th, 2020.

Abed, al-Wahad, “al-Nahwa al-`Ashaeriya Sijn al-Mar’a Mada al-Haya.” http://sunniaffairs.gov.iq/ar/ Sept. 9th, 2014.

Ahmad, M. Jamil. “al-Taghur al-Bina’i lil-`Ashira li-Marhalat ma ba`da Da`ish: Dirasa Anthropologia fi Madinat Baghdad.” Al-`ulum al-Insaniya wa al-Igtima`ya, vol 47 (20, 2020.

Al-`Alaf, Ibrahim Dalal, “Tarikh Dar al-Mu`alimeen al-`ulya fi Baghdad: 1923-1958.” al-Kardinya: A Cultural Magazine, 2019.

`Asi, Rayya and Iman Hikmat, “al-fasil al-`ashari… Araf Aqwa mn al-Qanun” al-Shabkat al-`Iraqiya, https://magazine.imn.iq/ April 17th, 2018.

Bishara, Azmi, “al-Ta`ifa, al-Ta`ifya, al-Tawa’if al-Mutakhayla. The Arab Center for Research and Policy Studies, 2019.

Darat al-Sada Al-Ashraf, “Nasab al-Sharif al-Shahid al-Batal Saddam Husein al-Majid Tayaba Allahu Tharahu” alashraf.ahlamonda.net, N.D.

`Eid, Ahmad, “al-Nahwa al-`asha’riya Jarimat Qatil Sha’`e`a fir al-Iraq.” https://www.alaraby.co.uk/, 2019.

Fawaz, A. Abedel-Hafidh, “al-Tawdhif al-Siyasi lil-Qabila fi al-`Iraq: mn al-Malakiy ala ma ba`d Saddam” al-Mustakbal al-`Arabi, Vol. 39, No. 450, 2016.

Hasan, Harith, “al-Hawiya al-Shi`iya al-fawq Wataniya wa al-Dawla al-Wataniya fi al-`Iraq.” Sa`ed (ed.), al-Shi`a al-`Arab: al-Hawiya wa al-Muwatanah, Arab Center for Research and Policy Studies, 2019.

al-Haydari, Ibrahim, Hal hya Dawlat “`Asha’ir am Dawlat Mua’sasat.” al-Hiwar al-Mutamadin, 4836. www.albadeeliraq.com, 2015.

Al-Himyari, A. Khamis, “Tatawur al-Ta`lim fi al-Iraq wa Atharuhu `al al-Hayat al `Ijtima`ya: 1912-1958.” Majalat Kuliyat al-`ulum al-‘jtima`ya al-‘asasiya, vol.    43, 2019.

al-Janabi, Omar, “Zawaj al-Fasliya: `urf `Ashari fi al-`Iraq Dahiyatuhu al-Mar’a” https://www.dw.com/ar/ 29. December, 2020.

Jirian, Z. Hashim, “Awal Nadi Nisawi fi al-Iraq ma` ma`rkit al-Sufur.” almadasupplements, December, 2012.

al-Joubouri A. and al-Hadi. “Nidham Da`awi al-`Asha’ir fi al-`Araq lisant 1916: Dirasa Tarikhiya Watha’qiya fi Hash’aruhu wa Tadawrhu.” Northern Europe Academy for Science and Research, Vol. 1, No. 3, 2019.

al-Mada, “Al-Nahwa Jarima Yunafdha Ibn al-`Am ma` Sibq al-Israr.” https://almadapaper.net/view.php?cat=104438, April, 4th, 2014.

Al-Musawi, Nasir `Omran, “al-Maqif al-Qanuni mn al-`Araf al-`Asha’riya: Dhahirat al-Fasliyya aw al-Zawaj bil-Ekrah.” Mawqi`al-Hiwar al-Mutamadin, n.d.

Al-Rubay`i, Fadil, “Ma`rakat Baghdad Bada’at mn Shari` Haifa.” https://www.alhazeera.net/opinions/2007/2/4.

Sa`id, Haideer, “Hafriya fi Ma`na al-Hawya al-`Iraqiya.” Sa`ed (ed.), al-Shi`a al-`Arab: al-Hawiya wa al-Muwatanah, Arab Center for Research and Policy Studies, 2019.

Salah, Afrah T. “al-Tha’ir al-`Asha’ri fi al-Iraq wa al-Diyya fi al-Nisa’ (al-Fasliyya)” Journal of International Studies, 2017, Vol. 70.

Shabkat Annaba’ al-ma`lumatiya fi al-Iraq, “Bil-arqam ta`araf `ala `adad al’aramil wa al-mutalqat fi al-Iraq.” www.annabaa.org, 2018.

Tahir, Qahtan Husein, “Dawr al-`Ashira fi Tashkil al-Dawla al-`Iraqiya al-Haditha” Markiz al-Dirasat al-Istratijiya, http://mcsr.net/news13, February, 24, 2014.

Umari, Khayri, “Min Ayam Baghdad al-Madwiya”: Nadi al-Nahda al-Nisa’y fi al-`shrinat.” Malahiq Jaridat al-Mada al-Yawmiya, https;//almadasupplements.com, 2017.

Zaki, Sanha Ameen, Mudakarat Dabiba `Iraqiya, Dar al-Hikma, 2005.

Zankana, Haifat, Madinat al-‘Aramil: al-Mar’a al-Iraqiya fi Masirat al-Tahrir. Markiz Dirasat al-Wihida al-`Arabiya, 2009.

الانكليزية:

Abed al-Jabbar, “Why the Intifada Failed,” in Hazelton (ed.) Iraq since the            Gulf War: Prospects for Democracy. Zed Books, 1994.

Abu-Lughod, Janet, “Islamic City: Historic Myth, Islamic Essence and Contemporary Relevance.” International Journal of Middle Eastern Studies, 1987.

Abu-Lughod, Lila, Veiled Sentiment: Honor and Poetry in a Bedouin Society. University of California Press, 1986.

Al-Ali, Nadje, “Reconstructing Gender: Women between Dictatorship, War, Sanctions and Occupation.” Third World Quarterly, vol. nos. 4 and 5.

Ali, Kecia, “Muslim Sexual Ethics: Consent and Forced Marriage.” Brandeis University, https://www.brandeis.edu/projects/fse/muslim/consent.html, 2003.

Batatu, Hanna, The Old Social Classes and the Revolutionary Movement in Iraq, SAQI, 2004.

Dawod, Hashim, “The Sunni Tribes in Iraq: Between Local Power; the International Coalition and the Islamic State.” NOREF, https//reliefweb.int.2015.

Donnan, Hastings, “Private Acts and Public Violence: Interfaith Marriages in Northern Ireland.” Bulletin of the Royal Institute for Inter-Faith Studies, Vol. No. 2 Amman, 2000.

Fernea, E. Warnock, Guests of the Sheikh: An Ethnography of an Iraqi Village, Anchor books, New York, 1989.

Haddad, Fanar, “Sectarian Relations Before “Sectarianization: in Pre-2003 Iraq.” Hashemi Nader and Danny Poste (eds.) Sectarianization: Mapping the New Politics of the Middle East, London: New York: Oxford University Press, 2017.

Haddad, Fanar, “A Sectarian Awakening: Reinventing Sunni Identity in Iraq after 2003.” Current Trends in Islamist Ideology, Vol. 17, 2014.

Helfont, Samuel. War, Bureaucracy and Controlling Religion in Saddam’s Iraq. POMEPS Studies 35: Religion, Violence, and the State in Iraq, POMEPS Blog.

Isotalo, Riina, Many Routes to Palestine: The Palestinian Return, Forged Transnationalism and Gender, Institute of Development Studies, University of Helsinki, 2005.

Ker, Karen M. “Rethinking Ottoman Frontiers Policy: Marriage and Citizenship in the Province of Iraq.” Arab Studies Journal, vol. 5 (1), 2007.

al-Khalidi, Ashraf & Tanner, Victor. Sectarian Violence Radical Group Drive Internal Displacement in Iraq, University of Bern, 2006.

Khoury, D. Rizk, Iraq in Wartime, Cambridge University Press, 2013.

Khoury, D. Rizk, “The Security State and the Practices and Rhetoric of Secularism in Iraq.” The International Journal of Contemporary Iraqi Studies, Vol. 3, 2010.

Kopytoff, Igor, “The Cultural Biography of Things: Commoditization as a Process.” In A. Appadurai, The Social life of things: Commodities in Cultural Perspective. Cambridge University Press, 2000.

al-Hashimi, Hameedi, "The Iraqi identity: Fragmentation or exploring sub-identities." Paper submitted to the 2010 Exeter Gulf Studies Conference (The 21st-Century Gulf: The Challenge of Identity), Institute of Arab & Islamic Studies, Exeter University. 30 June-3 July 2010.

Mako, Shamiran “Institutionalising, Exclusion, De-Ba`thification in post-2003 Iraq.” POMEPS Studies 35: Religion, Violence, and the State in Iraq. 2019.

Mundy, Martha, Domestic Government: Kinship, Community and Polity in North Yemen, I.B. Taurus, London, New York, 1995.

Al-Thahab, Ali A. and Mohammad J. Abdelraman, Changing Socio-Spatial System of Urban Living in Twentieth Century of Iraq, Archnet, IJAR, 201.

Theisiger, Wilfred, The Marsh Arabs, Penguin Books, 1964.

Yaphi, Judith, “Tribalism in Iraq, the Old and the New.” V11 (3). 2000.

Zangana, Haifa, City of Widows: An Iraqi Woman’s Account of War and Resistance. Penguin Random House, 2009.


[1] أُدرجت أقسام من هذه الدراسة في تقرير قُدم إلى "معهد الدوحة الدولي للأسرة"، ونُشرت مقتطفات من القسم الذي يتناول الزواج بالإكراه وزواج الدم الواحد في "حالة الزواج في العالم العربي". معهد الدوحة الدولي للأسرة، 2019. كلمة شكر: أشكر العراقيين، رجالًا ونساءً، لمشاركتهم قصص عائلاتهم وتجاربهم الشخصية؛ كما أشكر كلًا من نجوى عدرا، وخزامى الرشيد، ونوال زيناتية لما قدمنه من دعم لإجراء المقابلات.

[2] كان يُطلق على الأراضي والآبار أسماء الحامولات التي تملكها، مثلًا: أرض الإرشيدات، بئر التلول، إلخ. الإرشيدات والتلول هما اسما حامولتين.

[3] للاطلاع على وصفٍ للمدن الإسلامية القديمة، انظر أبو لغد، جانيت، 1987.

[4] من مقابلة امتدت على ثماني جلسات مع سعاد في بيروت في حزيران/يونيو وآب/أغسطس 2007.

[5] في العراق، يُعتبر الذكور العازبون "فتيانًا" بغض النظر عن سنّهم.

[6]  أُجريت المقابلة معها في بيروت، في آب/أغسطس 2007.

[7] الصريفة (في المفرد) هي عبارة عن كوخ مؤلف من غرفة واحدة، يُبنى من القصب والحصائر ويُغطى بالطين في الشتاء.

[8] العباية أو العباءة هي كساء أسود اللون يغطي الجسم بالكامل ويترك الوجه مكشوفًا تمامًا.

[9] من المقابلة التي امتدت على ثلاث جلسات مع هشام المدفعي، وهو متخصص معروف في التخطيط المدني. أُجريت المقابلة معه في عمّان في حزيران/يونيو 2008. انظر أيضًا: الذهب، علي ومحمد ج. عبد الرحمن، 2014.

[10] من مقابلة مع سعاد، انظر أعلاه. شارع المتنبي الذي يحمل اسم الشاعر العراقي الذي عاش في القرن العاشر، هو مركز تاريخي للمكتبات وأكشاك الكتب.

[11] من مقابلة مع الزوجين في إربد، الأردن، في كانون الثاني/يناير 2006.

[12] بعد ثلاثة أيام على سقوطه أسيرًا، استبعدته نقابة الأشراف من ذرية السادة الأشراف المتحدرين من سلالة النبي محمد، ما استدعى ردًا من دارة الأشراف لتأكيد نسبه، انظر: www.daratalashraf.com

[13] اندلعت الانتفاضة في البصرة في الأول من آذار/مارس 1991، بعد يوم واحد من وقف إطلاق النار في حرب الخليج، مع إعلان الثورة من جانب الجنود المحبطين في الجيش العراقي، الذي كان يضم عددًا كبيرًا من المجندين الشيعة والكثير من العناصر المناهضين للنظام. انتشرت الانتفاضة سريعًا إلى مدن أخرى في جنوب العراق، ووقع عدد كبير منها في أيدي الثوار الذين دعوا إلى قيام حكومة شيعية (فالح عبد الجبار، 1994).

[14]  الحزب الإسلامي العراقي هو امتداد لجماعة الإخوان المسلمين. تأسس في العام 1960 وتم حظره بعد وقت قصير من نشأته.

[15] سامراء هي مدينة ذات غالبية سنية؛ كانت إدارة الحَرَم وحمايته من مسؤولية ديوان الوقف السني المسؤول عن المساجد والمقامات الدينية السنية في العراق.

[16] تتحدث العلي في مقالها عن أثر الحروب، والعقوبات، والاحتلالات على المرأة؛ وتعتبر أن المرأة "هي الخاسر الأكبر في الخريطة السياسية والاجتماعية للعراق في الحاضر والمستقبل". (2005، ص. 739).

[17] عيد الأضحى هو تذكار لقصة إبراهيم عندما قَبِلَ بالتضحية بابنه طاعةً لله.

[18] من مقابلة أُجريت مع الزوجين في عمّان في أيلول/سبتمبر 2009، قبل مغادرة الزوجة، ومع الزوج بعد مغادرتها.

[19] من ملاحظاتي الميدانية؛ لم تكن ترغب في إجراء المقابلة. كانت نساء كثيرات يجتمعن قبل القداس لتبادل الأخبار عن طلبات إعادة التوطين، والزواج، والنزاع السياسي في العراق، وما إلى ذلك.

[20] قانون الأحوال الشخصية رقم 188 لسنة 1959 المعدل، https://www.peacewomen.org/sites/default/files/lawref_iraqpersonalstatuslaw1959.

[21] يُعرِّف داود (2015) العشائر "كواقع ثقافي واجتماعي يبرز في السياسة أحيانًا عندما تحتاج إليه الدولة أو عند تمكينه من قِبَل الدولة".

[22] عارضت إدارة الانتداب البريطاني في البداية زواج الدم، وغالبًا ما نقضت الحُكم العشائري في هذه الحالات، وهو ما كان يسبب تشنجات بين العشائر. إلا أنها عادت فشرعته منعًا لثورة العشائر، وكانت تحكم بموجبه في قضايا الثأر للدم (جبوري، 2019، ص. 8).

[23] يتفق الحقوقيون من كافة المدارس الأربع على "وجوب الحصول على موافقة الفتاة العذراء التي بلغت سن النضج إضافةً إلى موافقة والدها من أجل تزويجها" (علي 2003)

[24] ينص قانون الأحوال الشخصية لسنة 1959 على أنه لا يحق لأي من الأقارب إكراه أي شخص، ذكرًا كان أم أنثى، على الزواج دون رضاه، ويُعتبَر عقد الزواج بالإكراه باطلًا، إذا لم يتم الدخول، كما لا يحق لأي من الأقارب منع من بلغ 18 سنة أو أكثر من الزواج. يحق للمرأة، في حال إجبارها على الزواج وتمكنها من إثبات ذلك، محاكمة الرجل الذي أجبرها، والذي يُعاقب بالحبس مدة لا تزيد عن ثلاث سنوات.

About the author(s):
Lucine Taminian:

Lucine Taminian received her Ph.D. in Cultural Anthropology in 2001 from the University of Michigan—Ann Arbor. Her Ph.D. dissertation focused on the ethnographic history of three Yemeni poetic genres. She is interested in expressive cultures, oral history, politics of identity, urbanity and food production. Lucine has taught anthropology, expressive cultures, social thought and methodology at universities in Jordan, the USA, and Yemen. She edited three books on Yemen and translated numerous scholarly articles from English to Arabic. She was the reviewer for several refereed journals, including Cultural Anthropology, Feminist Economics and Refuge. She has carried out field research in Jordan, Yemen, and Lebanon and was the consultant and/or senior researcher for a number of research projects, including the Oral Histories of Iraqis Living Outside Iraq, Ifpo-Goethe Institute oral history projects and currently The Arab Council for Social Sciences project on Social Sciences in Iraq. She was a board member of The Arab Council for Social Sciences and a member of WOCMES advisory committee.