التسلسل الزمني لأهمّ مراحل قطاع الحماية الاجتماعية في تونس | فبراير 1959 إلى يناير 2019

تاريخ النشر:حزيران 2022
آخر تحديث:حزيران 2022

يعرض هذا التسلسل الزمني المراحل الرئيسية لإنشاء نظام الحماية الاجتماعية وتطوُّره في تونس. ويهدف إلى تسليط الضوء على التطوُّر التدريجي لهذا النظام وثغراته في ظلِّ واقعٍ اجتماعي واقتصادي حافل بالتغييرات، وذلك عبر سرد أبرز محطّات السياسات العامّة في هذا المجال بالترتيب الزمني.

عمومًا، يُعتبَر نظام الحماية الاجتماعية في تونس من النماذج الأكثر تقدُّمًا وحمايةً في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. فتُؤكِّد الدراسات العالمية أنَّ تونس تتمتّع بوضعٍ أفضل مقارنةً مع البلدان الأخرى في المنطقة، حيث أنَّ ٥٠،٢% من الشعب التونسي يستفيد من ميزة واحدة على الأقلّ من تقديمات الحماية الاجتماعية (منظّمة العمل الدولية ٢٠٢١، ١٥). يرتكز نظام الحماية الاجتماعية التونسي على نموذجٍ مختلط مُكوَّن من برامج قائمة على الاشتراكات وأخرى غير قائمة على الاشتراكات، بالإضافة إلى بعض الخدمات الظرفية. ووفقًا للبرامج القائمة على الاشتراكات، يُنظَّم الضمان الاجتماعي للقطاع الخاصّ من خلال الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي (Caisse Nationale de Sécurité Sociale-CNSS) الذي تأسَّس في عام ١٩٦٠، في حين أنَّ الصندوق الوطني للتقاعد والحيطة الاجتماعية (Caisse Nationale de Retraite et de Prévoyance Sociale - CNRPS)، الذي تأسَّسَ في عام ١٩٨٥، يؤمّن التغطية للقطاع العام. يُقدِّم هذان النموذجان التغطية للعاملين/ات النظاميّين/ات فحسب، ويُوفِّران المعاشات كالمعاشات التقاعدية ومعاشات الوفاة، فضلًا عن التأمين الصحّي وإجازة الأمومة والإجازة المدفوعة الأجر وغيرها. أمّا بالنسبة للبرامج غير القائمة على الاشتراكات، فهي تتمثّل بالتقديمات الشاملة والظرفية على حدٍّ سواء. من ناحية، تُقدِّم الدولة الدعم الشامل للسلع الأساسية (لا سيّما الغذاء والوقود والغاز) عبر الصندوق العام للتعويض (Caisse Générale de Compensation-CGC) الذي تأسَّسَ في أيّار/مايو عام ١٩٧٠. ومن ناحية أخرى، هناك عدد من البرامج التي تستهدف الفئات الأكثر فقرًا في مجالات اجتماعية واقتصادية متنوّعة (كالصحّة والإسكان والتعليم والحدّ الأدنى للأجور، بالإضافة إلى مَنْح إمكانية التوظيف). يتمثّل برنامج المساعدة الاجتماعية الأبرز  بالمساعدات النقدية المستمرّة للأُسَر الأكثر حاجةً (البرنامج الوطني لإعانة العائلات المعوزة Programme National Aux Familles Nécessiteuses-PNAFN)، إلى جانب الرعاية الصحّية المجانية التي تندرج ضمن إطار برنامج الأمان الاجتماعي (Amen Social Programme) الذي أُنشئ عام ٢٠١٩. يهدف البرنامج الوطني لإعانة العائلات المعوزة، الذي تأسَّس في عام ١٩٨٦، إلى التخفيف من تداعيات الإصلاحات التقشّفية المرتبطة بتطبيق برامج التكييف الهيكلي، وتحديدًا غلاء أسعار السلع الأساسية بسبب إصلاحات الصندوق العام للتعويض ورفع الدعم. وجاءَ تنفيذه بعد فترة من الاضطرابات الاجتماعية التي بلغت ذروتها مع قيام ما سُمِّيَ بـ"انتفاضة الخبز" في العامَيْن ١٩٨٣ و١٩٨٤.

سلّطت انتفاضة عام ٢٠١١ الضوءَ على القضايا والمَطالِب الاجتماعية الطويلة الأمد المتعلّقة بالعدالة الاجتماعية والتي كانت مخفيّة و/أو مقموعة في ظلّ نظام بن علي. منذ ذلك الوقت، أشارَت دراساتٌ عدّة إلى الثغرات الخطيرة في نظام الحماية الاجتماعية التونسي. من ناحية، يُظهر البحث في إطار الحماية الاجتماعية التونسية  العوائق العملية التي تحدّ من إمكانيّة استفادة السكّان المُستهدَفين ا الفعليّة من النظام (البنك الدولي ٢٠١٦). ومن ناحيةٍ أخرى، تُشكِّك الدراسات في قدرة النظام على الحدّ من الفروقات الاجتماعية-الاقتصادية (منظّمة العمل الدولية ٢٠١٧). في هذا السياق،  تشكّل التغطية الصحيّة والبطالة التحدّيَين الأبرز. فالبيانات المتاحة  تشير إلى أنَّ نظام الحماية الاجتماعية قد تركَ ١٤% من الشعب التونسي من دون أيّ تغطية صحّية في عام ٢٠٢٠، أيْ ما يُساوي ١،٧ مليون فرد (منتدى البحوث الاقتصادية ٢٠٢٢أ). فضلًا عن ذلك، وفي ظلّ أنّ معدّلات البطالة قد سجّلت تاريخيًّا نسبًا مرتفعة - حتّى لو تمّ إخفاؤها جيّدًا في ظلّ نظام بن علي (هيبو ٢٠١٥، ٢٠١١)- فإنّه لا وجود لآليّات حماية اجتماعية مناسبة للتصدّي لفقدان الوظائف والبطالة.. في عام ٢٠٢١، بلغَ معدّل البطالة ١٨،٤% وفقًا للمعهد الوطني للإحصاء (Institut National de Statistiques-INS)، وقد برزت هذه الظاهرة بالدرجة الأولى لدى  الشبّان (بنسبة ٤٢،٨%) والشابّات (بنسبة ٤١،٧%) ضمن الفئة العمريّة المتراوحة  بين ١٥ و٢٤ عامًا. وتطال أشكال العمالة غير النظامية أيضًا  العاملين/ات من فئة الشباب. في عام ٢٠١٩، بلغت نسبة القوى العاملة التونسية غير النظامية ٤٤،٨%، بنسبة ٦٠% من الرجال و٨٣% من النساء دون سنّ الـ٤٠ (المعهد الوطني للإحصاء ٢٠١٩). وتجدرُ الإشارة في هذا المناخ، إلى أنَّ الحدّ من البطالة وتوفير فُرَص عمل آمنة – خصوصًا للشباب - هما مطلبان من المطالب الأساسية للثورة التونسية،  بالإضافة إلى النزاعات الاجتماعية التي سبقت وأحيانًا ترافقت مع انتفاضة ٢٠١١. وخيرُ مثالٍ على ذلك، سلسلةُ التحرُّكات التي نُظِّمَت حول شركة فوسفاط قفصة (Compagnie des Phosphates de Gafsa-CPG) ابتداءً من عام ٢٠٠٨. تُعتبَر شركة فوسفاط قفصة (وهي شركة عامّة) بمثابة المُزوِّد الوحيد لسُبُل العيش في منطقة قفصة الجنوبية-الغربية المحرومة ، وذلك سواء عن طريق تأمين فُرَص العمل أو من خلال سلسلتها الإنتاجية. وبالتالي، فإنّ شركة فوسفاط قفصة "مترسّخة في المخيّلة على أنَّها البديل الوحيد عن الفقر" (علّال ٢٠١٢، ٨٢٥). وبدءًا من عام ٢٠٠٨، طالبَ شباب المنطقة العاطلون عن العمل بالاندماج الكامل، مُستنكِرين المحسوبيات  في عمليّات التوظيف والزبائنيّة والفساد في نظام بن علي. 

تُغطّي البرامج الحالية للضمان الاجتماعي الإلزامي قطاعاتٍ وفئات مهنية وشرائح اجتماعية معيّنة. فتكشف المعلومات التقديرية مثلًا أنَّ النساء في القطاع الزراعي لا يتمتّعن بتغطيةٍ كافية. في عام ٢٠١٢، بلغَ عدد النساء العاملات المُنتسِبات إلى نظام الضمان الاجتماعي ١.١٤٨% فقط من أصل ٥٠٩،٢٠٨ امرأة، أيْ ما يساوي ١٠،٧% من المُنتسِبين في هذا القطاع (وزارة الدولة لشؤون المرأة والأسرة، هيئة الأمم المتّحدة للمرأة، مفوّضية الأمم المتّحدة السامية لحقوق الإنسان، ٢٠١٤، ٣).

يتمحور النظام القائم على الاشتراكات عمومًا حول العمل المأجور، تاركًا وراءه العاملين/ات في القطاع غير النظامي الذين يُشكِّلون حوالي ٥٠% من السكّان العاملين. وعلى نحوٍ مشابه، غالبًا ما تتّسم الأعمال الحرّة في القطاع الخاصّ، وكذلك العمل الموسميّ أو الظرفيّ والعقود المحدّدة المدّة ، بممارساتٍ متعدّدة الأنشطة ومدخولٍ غير منتظم،  ولا تزال غير مشمولة بتغطيةٍ كافيةٍ من برامج الضمان الاجتماعي المتنوّعة. أمّا بالنسبة للنظام غير القائم على الاشتراكات، فإنَّ برامج المساعدة التي تستهدف المجموعات الأكثر فقرًا تطال عددًا محدودًا جدًا من الأُسَر. على سبيل المثال، قد وفّر  البرنامج الوطني لإعانة العائلات المعوزة الاستفادة إلى ٢٦٧،٠٠٠ منتفع(ـة) في عام ٢٠١٧ (أيْ ٨% تقريبًا من الشعب التونسي)، تاركًا وراءه الفئات السكّانية الهشّة  المتزايدة  والواقعة فريسة  الاقتصاد المتعثّر (منتدى البحوث الاقتصادية ٢٠٢٢ب). في هذا السياق، على الرغم من أنَّ سياسات الدعم رجعية و"قديمة وخاطئة" (البنك الدولي ٢٠٢١)، إلّا أنَّها لا تزال تلعب دورًا أساسيًا في تعويض القدرة الشرائية للفئة الأكثر هشاشةً، والحفاظ على السلم الاجتماعي. 

النظام القائم على الاشتراكات
في العقود القليلة الأولى بعد الاستقلال عن الحكم الفرنسي (١٩٥٦)، استهدفت برامج الضمان الاجتماعي القائمة على الاشتراكات  مرتّبات القطاع العام. وفي تونس، كما في بلدان عربية أخرى، يشمل العمل المدفوع الأجر ( المرتّبات) "وظائف القطاع العام أكثر من أيّ وقت مضى" (لونغوينيس ٢٠٠٥، ٢٠)، كما أنّه لم  يشكّل أبدًا النوع السائد لعلاقات العمل في القطاع الخاصّ. تمّ إنشاء أوّل صندوق  للمعاشات التقاعدية، الصندوق الوطني للتقاعد، (Caisse Nationale de Retraite-CNR) ومعه صندوق الحيطة الاجتماعية (Caisse de Prévoyance Sociale-CPS) في عام ١٩٥٩، وهما يعنيان موظّفي/ات الدولة فقط. في عام ١٩٧٥، تمّ دمج الصندوقَيْن في صندوقٍ واحدٍ أُطلِقَ عليه اسم الصندوق الوطني للتقاعد والحيطة الاجتماعية (Caisse Nationale de Retraite et de Prévoyance Sociale-CNRPS). لكنَّ  القاعدة التشريعيّة لهذا الصندوق  تمّ وضعها بموجب القانون ٨٥-١٢ الصادر في 5 آذار/مارس عام ١٩٨٥ (إسكوا ٢٠١٦، ١). وفي عام ١٩٦٠، توسَّعَ نطاق  التأمين الاجتماعي ليشمل العاملين/ات في القطاع الخاصّ وذلك مع إنشاء الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي (CNSS). ومع صدور قانون العمل في عام ١٩٦٦، الذي يُنظِّم كلّ الأعمال المأجورة في القطاعَيْن العام والخاصّ -  مدرِجًا المعاشات ونظام الإجازات وتعويضات الوفاة و الوصول إلى خدمات الرعاية الصحّية العامّة - تَعزَّزَ توسيع برامج الحماية الاجتماعية لتضمّ الموظّفين/ات في القطاع الخاصّ غير المشمولين/ات سابقًا. وكانت الدولة ملتزمةً في تلك المرحلة بتوفير الظروف اللازمة لنشوء فئة العاملين/ات بأجر بالإضافة إلى طبقة متوسّطة مستقرّة (مركز البحوث والدراسات الاجتماعية ٢٠١٦، ٢٨).

في مطلع السبعينيات، كانت استراتيجية التوظيف متأثّرة باعتماد نموذج إنمائي يستند إلى استراتيجية ترويج الصادرات والاندماج الناشط في التقسيم الدولي للعمل. وكانت الأجور آنذاك خاضعةً لاقتصادٍ مُوجَّهٍ نحو التنافسية في السوق الدولي. ومن أجل تهيئة مناخ اجتماعي يُفضي إلى التنمية الاقتصادية، مع تفادي معارضة النقابات العمّالية، أطلقت حكومة الهادي نويرة (١٩٧٠-١٩٨٠) مفاوضات مع النقابتَيْن الرئيسيتَيْن، وتحديدًا الاتّحاد العام التونسي للشغل (Union Générale des Travailleurs Tunisiens - UGTT) والاتّحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية (Union Tunisienne de l’Industrie, du Commerce et de l’Artisanat – UTICA). أدَّت هذه المفاوضات إلى وضع إطار اتّفاق جَمَاعي في القطاع الخاصّ في عام ١٩٧٣، تبعته سلسلةٌ من الاتّفاقات القطاعية. إلّا أنَّ التقدُّم الحاصل في حماية العاملين/ات في القطاع الخاصّ ضمن هذا الإطار، كتمديد الإجازات السنوية المدفوعة والتقديمات الاجتماعية الأخرى، قد اقترنَ بسياسةٍ قائمة على مرونة العمل وترشيد الرواتب. وفي سياق تحرير الاقتصاد، أسفرت هذه الاتّفاقات الجَمَاعية في النهاية عن تعزيز قدرة أرباب العمل على إدارة تكاليف رأس المال البشري، خصوصًا في القطاعَيْن الصناعي والتجاري. أمّا بالنسبة إلى تغطية الحماية الاجتماعية، فساهمَت هذه الاتّفاقات في تعميق التفاوتات الموجودة مسبقًا بين العاملين/ات في القطاع الخاصّ والعاملين/ات في القطاع العام. فحتّى اليوم، يتمتّع العاملون/ات في القطاع العام بظروف أفضل لناحية العمل والضمان الاجتماعي مقارنةً بالعاملين/ات في القطاع الخاصّ، وتبرز الفوارق بينهما في طريقة احتساب المعاش التقاعدي والحدّ الأدنى للمعاشات، بالإضافة إلى مدّة الإجازة المدفوعة الأجر أو إجازة الأمومة، ومستويات تعويض الراتب.

وفي التوجُّه ذاته، أُجرِيَت تعديلات متعاقبة على قانون الضمان الاجتماعي وقانون العمل لتوسيع فئات العمل التي يُغطّيها النظام القائم على الاشتراكات، ولضمّ القطاعات غير المشمولة سابقًا. على سبيل المثال، تمّ شمل العاملين/ات في القطاع الزراعي بموجب عقود قصيرة الأجل ضمن قانون الضمان الاجتماعي من خلال اعتماد برنامج حماية اجتماعية مُخصَّص للقطاع في عام ١٩٨١. إلّا أنَّ هذه الجهود أسفرت عننظام ضمان اجتماعي مفكّك يضمّ أنظمةً منفصلة ومستقلّة. كما لم ينجح نظام الضمان الاجتماعي حتّى الآن في إدماج العاملين/ات لحسابهم/هنّ، وخاصّةً المنتمين إلى  الفئات ذات الدخل المنخفض. مثلًا، كانَ القانون ٢٠٠٢-٣٢ المتعلّق بتغطية العاملين/ات لحسابهم/هنّ بمثابة محاولة لاستهداف صغار المزارعين/ات وصيّادي الأسماك والعاملين/ات في الخدمة المنزلية وصانعي/ات القطع الحرفية وفئات أخرى غير مشمولة في أنظمة الحماية الاجتماعية القائمة. لكنَّ هذه المبادرة لم تلقَ استحسان العمّال لعدم قدرتهم/هنّ على تحمُّل كلفة الاشتراكات التي حدَّدها القانون ٢٠٠٢-٣٢. وكما ذكرت بعض الدراسات، تُعتبَر أحكام القانون ٢٠٠٢-٣٢ "مناسبةً للعاملين/ات ذوي الأجور المنخفضة" (مركز البحوث والدراسات الاجتماعية ٢٠١٦، ٣١) أكثر من العاملين/ات لحسابهم/هنّ. وفي عام ٢٠١٢، سلّطت منظّمة العمل الدولية الضوء على ثغرات التغطية في تشريعات الضمان الاجتماعي، حيث أنَّ "الفئات غير المشمولة بعد في تشريعات الضمان الاجتماعي تشمل العاملين/ات المؤقّتين/ات والموسميّين/ات في القطاع الزراعي، والموظّفين/ات في الخدمة المنزلية، والمساعدين/ات المنزليين/ات، ورجال الدين، والعاطلين/ات عن العمل" (هاغرمان ٢٠١٥، ٧).

بالإضافة إلى ذلك، لا يزال مستوى المعاشات الممنوحة بموجب برامج الضمان الاجتماعي الإلزامي منخفضًا، ويُعَدّ بعض المنتسبين/ات له تحت خطّ الفقر. وفقًا لاختبار البنك الدولي للفقر، يندرج ثلث المنتسبين/ات إلى برنامج الضمان الاجتماعي في تونس عام ٢٠١٧ تحت خطّ الفقر (مستيري ٢٠١٧). وفي العام نفسه، تلقّى ٧٦,٦ % من المتقاعدين/ات في تونس معاشاتٍ أقلّ من الحدّ الأدنى للأجر الوطني (الحدّ الأدنى المضمون للأجور بين المهنيّين -SMIG) (مستيري ٢٠١٧).

علاوةً على ذلك، تجدرُ الإشارة إلى أنَّ قانون العمل بالكاد يُوفِّر تغطيةً للبطالة. يتّصف قانون الحماية الاجتماعية للعاملين/ات المفصولين/ات (١٩٩٦) بنطاقٍ محدود جدًا حيث يقتصر على العمّال المفصولين لأسباب تكنولوجية أو اقتصادية (مثلًا، عندما تواجه الشركات ضائقةً مالية). ويُعَدّ هذا القانون الإجراء التشريعي الوحيد الذي يحمي العاملين/ات من الفصل من العمل حتّى اليوم.

يمكن تقييم التفاوت في الحصول على تقديمات وخدمات الحماية الاجتماعية أيضًا من خلال تحليل إمكانية الحصول على خدمات الرعاية الصحّية. فمنذ الثمانينات، كانَ تطوير النظام الطبّي المؤلّف من درجتَيْن فاضحًا بالفعل. فكانت تُتاح خدمات الرعاية الصحّية الخاصّة فقط للفئات ذات الامتيازات، كموظّفي/ات القطاع العام الذين/اللواتي يستفيدون من برنامج سداد التكاليف الاختياري التابع للصندوق الوطني للتقاعد والحيطة الاجتماعية، أو الأقلّية من العاملين/ات في القطاع الخاصّ الذين يستطيعون تحمُّل تكاليف البرامج التكميلية (الاختيارية) القائمة على الاشتراكات. كذلك، تمّ إقصاء قطاع الرعاية الصحّية الخاصّ من تغطية الرعاية الصحّية الإلزامية (شياتا ٢٠١٣، ١٦). وبالتالي، فقد أجرت الحكومة في النهاية إصلاحاتٍ هيكلية لنظام الحماية الصحّية تضمّنت مناقشات مع النقابات العمّالية، تحت مُسمّى "التضامن الوطني" الذي زعمه الخطاب الرئاسي. وأدّت عملية الإصلاح إلى تأسيس الصندوق الوطني للتأمين على المرض (CNAM) في عام ٢٠٠٤. وكانَ الهدف من هذا الصندوق تكييف التغطية الصحّية لمجموعة متنوّعة من الحالات في القطاعَيْن العام والخاصّ،  بالإضافة إلى تأمين الحصول على خدمات صحّية بصورةٍ مستقلّة عن أيّ انتساب لبرامج الضمان الاجتماعي. إلّا أنّ هذه الجهود التشريعية والمؤسّساتيّة لإنشاء تغطية صحّية شاملة أدّت إلى نشوء نظام لا يزال مرتبطًا بشكلٍ كبير بالعمل النظامي والانتساب للضمان الاجتماعي. في عام ٢٠١٩، بلغت نسبة الشعب التونسي غير المستفيد من أيّ شكل من أشكال الحماية الاجتماعية المتعلّقة بالصحّة ١٧% (مركز البحوث والدراسات الاجتماعية ووزارة الشؤون الاجتماعية ٢٠١٩). وتتألّف هذه النسبة من أشخاص خاضعين للضرائب وغير منتسبين للصندوق الوطني للضمان الاجتماعي (٨،٩%)؛ والعاطلين/ات عن العمل (٥،٦%)؛ والأُسَر الفقيرة التي لا تستفيد من المساعدة الطبّية؛ والعاملين/ات في القطاع غير النظامي (٢،٦%). 

النظام غير القائم على الاشتراكات
تمّ وضع النظام غير القائم على الاشتراكات أوّلًا للتعويض عن الأثر الناجم عن الاقتصاد النيوليبرالي، وفي نهاية المطاف لمعالجة الثغرات في برامج الضمان الاجتماعي القائمة على الاشتراكات.
 
في العقدَيْن الأوّلَيْن بعد استقلال تونس عن الحُكم الفرنسي، شكَّلَ الفكر التنموي الاقتصادي الموجّه  نحو الدولة المخطّط الأوّلي للحزب الاشتراكي الدستوري (Parti Socialiste Desturien-PSD) بقيادة بورقيبة (روف ١٩٧٥). ومن أبرز السياسات الاجتماعية التي طُبِّقَت خلال تلك الفترة، توفير الدعم على مجموعة واسعة من السلع الأساسية عبر إنشاء الصندوق العام للتعويض (Caisse Générale de Compensation-CGC) في عام ١٩٧٠. ففي تونس كما في العديد من البلدان الأخرى في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، كانَ هذا الدعم، وما زال، يُشكِّل السياسة الاجتماعية الشاملة الوحيدة غير التعليم الابتدائي - والثانوي في حالة تونس - (هاريس ٢٠١٩، ١٩٥). ولكنْ بدءًا من منتصف السبعينات، التزمت تونس بنهجٍ قائم على السوق، مُطبِّقةً سياسات التكييف الهيكلي (١٩٨٦) التي بلغت ذروتها في الإصلاح الأوّل للصندوق العام للتعويض، وتحديدًا عند رفع الدعم عن السلع الأساسية. وبعيدًا عن "ثورات لقمة العيش" (طومسون ١٩٦٣)، عكست أحداث الخبز (١٩٨٣-١٩٨٤) تدهور عقد اجتماعي أوسع نطاقًا، حيث كانَ من المفترض أن تضمن الدولة "القيمة العادلة للخبز" (دخلي وبونكاز ٢٠٢١) وللاحتياجات الأساسية، في ظلّ الضائقة الاجتماعية والاقتصادية التي ارتبطت بتطبيق الإصلاحات النيوليبرالية. فكما أشارَ ك. هاريس، " أصبحت الأسعار المنخفضة للسلع الأساسية تُعتبَر حقًّا من حقوق المواطنة وليست امتيازات ممنوحة من الدولة" (٢٠١٩، ١٩٧).

وتحديدًا في هذا السياق الذي يتّصف بالضغط الاقتصادي والاضطرابات الاجتماعية، أنشأت الحكومة  عام ١٩٨٦، البرنامج الوطني لإعانة العائلات المعوزة (PNAFN) كأوّل برنامج وطني للمساعدة الاجتماعية يهدف إلى موازنة الأثر الاجتماعي-الاقتصاديّ لتوجّه الاقتصاد السياسي التونسي نحو النيوليبرالية فيما يتعلّق بالقدرة الشرائية للأُسَر. وفي عام ١٩٩١، تَبِعَه برنامج المساعدة الطبّية المجانية (Assistance Médicale Gratuite-AMG) الذي استهدفَ الفئات الأشدّ حرمانًا أيضًا. إلّا أنَّه، وكما قد جادل البعض،  إنّ الاستفادة من هذه البرامج وإجراءاتها الإدارية لطالما كانت رهنًا للمنطق الزبائني في نظامَيْ بورقيبة وبن علي (هيبو ٢٠١٥)، بدلًا من التطبيق الصارم لمعايير الأهلية التقنية. واستمرّ هذان البرنامجان في كونهما الآليتَيْن التنفيذيتَيْن الأساسيتَيْن لنظام الحماية الاجتماعية غير القائم على الاشتراكات،  وتمّ دمجهما لاحقًا ضمن برنامج الأمان الاجتماعي (Amen Social Programme) بموجب القانون التنظيمي رقم ١٠ الصادر في تاريخ ٣٠ كانون الثاني/يناير ٢٠١٩. يهدف البرنامج إلى توسيع نطاق المساعدة الاجتماعية لتَصِل إلى عدد أكبر من الأُسَر المؤهّلة، وليحلّ في نهاية المطاف محلّ البرنامج الوطني لإعانة العائلات المعوزة (PNAFN). كما وأنَّ تأسيس برامج المساعدة الاجتماعية يعتمد على توفُّر الميزانيات المصمّمة على أساس حصص سكّانية وطنية محدّدة سابقًا (٣٠% في حالة برنامج الأمان الاجتماعي). بالتالي، هناك احتمالٌ أن تترك برامج المساعدة الاجتماعية وراءها نسبةً كبيرة من الفئات المسمّاة بـ"الفئات الهشّة"، أي الفئات ذاتها التي من المقرّر أن تستهدفها تلك البرامج في الأساس. 

ارتكزت الحملة الدعائية لنظام بن علي (١٩٨٧-٢٠١١) إلى حدّ كبير على تطوير برامج جديدة للمساعدة، مُوَجَّهة نحو الفئة الأشدّ فقرًا من السكّان. وُضِعَت هذه البرامج رسميًا بهدف الحدّ من  التفاوتات الاجتماعية-الاقتصادية، وتحديدًا في المناطق الداخلية التي لطالما كانت أقلّ نموًا، و في المناطق الحضرية الأشدّ حرمانًا في البلد. ويُعَدّ الصندوق الوطني للتضامن (Fond de Solidarité Nationale -FSN)، الذي أُنشئ في عام ١٩٩٢، خيرَ دليلٍ على أنَّ نظام بن علي سلَّطَ الضوء على الحاجة إلى برنامج إعادة التوزيع من أجل رفع الضرائب على كلّ الفئات الاجتماعية في المجتمع والاستمرار في سياسة التضييق عبر الممارسات الزبائنية. من ناحية، تمّ تمويل صندوق التضامن الوطني عبر التبرُّعات التي كانت "اختيارية" ظاهريًا لكنْ إلزاميةً في الواقع، حيث مارس النظام الضغط بأشكال عدّة لدفع المتبرّعين المتردّدين إلى التقيُّد بسياسات بن علي التضامنية (هيبو ٢٠٠٦). ومن ناحية أخرى، استُخدِمَ صندوق التضامن الوطني في المناطق الأشدّ فقرًا لإمداد السلطات المحلّية بالموارد من أجل دفع المال للمستفيدين/ات وتزويدهم/هنّ بالمساعدة الاجتماعية (هيبو ٢٠١٥، ١٠٦). وفقًا لهيبو، كانَ صندوق التضامن الوطني "في المقام الأوّل تعبيرًا عن منطق سياسي تحكَّمَ بالشعب وساهمَ في تنميط بعض الممارسات أكثر من تصحيحه للاختلالات [...] كما عاقبَ المتمرّدين المُحتمَلين". وبدءًا من العام ٢٠٠٠، استحدثت الحكومة برامج سوق العمل النشطة (Programmes Actifs du Marché du Travail -PAMT) تحت إدارة الصندوق الوطني للتشغيل (Fonds National de l’Emploi-FNE)، وذلك على خلفية تدهور فُرَص العمل طوال فترة التسعينات، وخصوصًا لدى الشبّان /الشابّات الجامعيين/ات على سبيل المثال لا الحصر. لكنْ، يبدو أنَّ هذه البرامج لم تُحدث سوى تأثير ضئيل على سوق العمل في تونس، وتجلّى هذا التأثير في معدّلات الإدماج المنخفضة (الوكالة الدنماركية لتطوير النقابات العمّالية ٢٠٢٠، ٤). وترى بعض الدراسات أنَّ ما حدّ من هذا التأثير هو عدم وجود نهج متكامل للطلب ضمن سلسلة العرض والطلب،  بالإضافة إلى تدخُّلات العرض المستقلّة  التي لم تكن لتؤدّي على الأرجح إلى زيادة معدّلات التوظيف لو لم تكن الشركات توفّر المزيد من فُرَص العمل (الوكالة الدنماركية لتطوير النقابات العمّالية ٢٠٢٠).

انفجرت القضايا الاجتماعية والسياسية والاقتصادية المتراكمة خلال انتفاضة ٢٠١٠-٢٠١١ التي بلغت ذروتها مع سقوط نظام بن علي في ١٤ كانون الثاني/يناير من عام ٢٠١١. وإلى جانب استنكار الفساد والزبائنية ووحشية أجهزة إنفاذ القانون التابعة للنظام، جمعت المطالبات بالعدالة الاجتماعية والكرامة مجموعةً كبيرة من الجهات الفاعلة كما شكَّلَت قاسمًا مشتركًا مركزيًا في الانتفاضة التونسية. وعلى الساحة الاجتماعية-الاقتصادية، برزَت أرضيةٌ مشتركة في شتاء ٢٠١٠-٢٠١١ فضمّت في كنفها المَطالِب والاحتياجات المادّية التي كانت مُقسَّمة سابقًا والتي كانَ يتمّ التعبير عنها من خلال مجموعة واسعة من التحرُّكات (علّال ٢٠١٢). وكانت حادثة البائع المتجوّل محمّد بوعزيزي، الذي أضرمَ النار في نفسه بعد أن تعرّضت له الشرطة بالإهانة والمضايقة ومصادرة بضاعته، الشرارة التي أطلقت تحرُّكات شاملة لقطاعاتٍ عدّة (دوبري ١٩٨٧). وأدّت هذه التحرُّكات إلى بدء سلسلة طويلة من الانتفاضات والتحرُّكات الاجتماعية غير المسبوقة في المنطقة العربية.

في الفترة الممتدّة بين الثورة التونسية عام ٢٠١١ والانتخابات عام ٢٠١٤، برزت على مسرح الأحداث العامّة والسياسيّة، نزاعاتٌ وصراعاتٌ سياسيةٌ على السلطة. وفي هذا السياق، تمّ التخلّي إلى حدّ كبير عن ما يُسمّى بــالعقد الاجتماعي لعام ٢٠١٣ الذي وقّعته المجموعة الرباعية من منظّمات المجتمع المدني (بما في ذلك الاتّحادات العمّالية الرئيسية). وقد اشتملَ هذا العقد، بالتحديد، على تعهّد بمراجعة نظام الضمان الاجتماعي وتأسيس حوكمة أفضل في إدارة الصناديق الاجتماعية والتوازنات المالية. أدّى عدم الاستقرار الحكومي والتدهور الاقتصادي (ركود اقتصادي وانخفاض في قيمة الدينار التونسي)، اللذان يصفان مرحلة ما بعد الثورة، إلى تدخّل صندوق النقد الدولي في البلد بدءًا من عام ٢٠١١. كما أنَّ سياسات التكييف الهيكلي وما يُسمّى بالإجراءات السابقة التي فرضها صندوق النقد الدولي قد أسفرت عن تطبيق إصلاحات تقشّفية وتقليص الإنفاق العام. وتمّ إعطاء الأولوية لإصلاح الاقتصاد المثقل بالديون، ممّا عرقلَ الإصلاحات الهيكلية في السياسة الاجتماعية. وفي إطار الحماية الاجتماعية، أدّى هذا الأمر إلى تفضيل النهج القائم على التدخّلات الطارئة وتطوير برامج شبكة الأمان الموجّهة، تماشيًا مع توصيات صندوق النقد الدولي والبنك الدولي. وطبّقت الحكومات اللاحقة برامج شبكة أمان محدّدة ضمن إطار زمني كبرنامج أمل لعام ٢٠١١، أو برامج المساعدة الاجتماعية كالبرنامج المسمّى بالأمان الاجتماعي لعام ٢٠١٩. واستُتبع هذا الأخير بتدابير اجتماعية-اقتصادية استثنائية خلال جائحة كوفيد-١٩ مُخصَّصة للشباب/الشابّات الخرّيجين/ات العاطلين/ات عن العمل وكبار السنّ والأطفال. ولكنْ، في سياق  تصاعد تأثير المؤسّسات الدولية والمالية كصندوق النقد الدولي والبنك الدولي، أصبحت آراء الخبراء والحلول المالية هي التي تُحرِّك سياسة الرعاية الاجتماعية أكثر فأكثر، بدلًا من السياسات الاجتماعية الهيكلية المبنيّة على مبادئ حقوق الإنسان. في هذا الصدد، ينظر النهج المتّبع من قِبَل البنك الدولي أو مركز البحوث والدراسات الاجتماعية (Centre des Recherches et des Etudes Sociales-CRES)، من بين آخرين، إلى النظام غير القائم على الاشتراكات من حيث الأداء وتحسين الفعّالية والتغطية، كما يرتكز على مفهوم الحدّ من الفقر الذي يندرج ضمن المعايير الدولية لوكالات التمويل. مع ذلك، تبحث الحكومة التونسية في إصلاحٍ أقرب إلى الطابع الهيكلي لبرامج الحماية الاجتماعية من أجل سدّ الفجوات في نظام الحماية الاجتماعية الحالي. واعتبارًا من عام ٢٠١٩، انتقلت وزارة الشؤون الاجتماعية (MoSA) إلى إنشاء برنامج الحدّ الأدنى للحماية الاجتماعية (لم يُطبَّق بعد) لتوسيع تغطية الحماية الاجتماعية لتضمّ الفئات غير المشمولة حتّى اليوم. وينظر هذا البرنامج في الحدّ الأدنى من الدخل للسكّان غير العاملين والكبار في السنّ والأطفال (مركز البحوث والدراسات الاجتماعية ووزارة الشؤون الاجتماعية ٢٠١٩، ٥).

تكثّفت مناقشات الخبراء المتعلّقة بإصلاح الصندوق العام للتعويض (CGC) المتوجّهة نحو إلغاء هذه أداة الحماية الشاملة هذه على الأمد المتوسّط. يُنتقَد الصندوق العام للتعويض لاعتباره آليةً رجعيةً وغير مستدامة ماليًا تؤثّر بشكلٍ متفاوت على الأُسَر ذات الدخل المنخفض ورتلك ذات الدخل المرتفع (البنك الدولي ٢٠١٥). لكنَّ البعض رأى أنَّ هذا الصندوق لا يزال يُحقّق تأثيرًا إيجابيًا لناحية الحدّ من خطر وقوع الطبقة الوسطى في الفقر (مخلوف ٢٠١٧). فضلًا عن ذلك، ووفقًا لبعض الخبراء الاقتصاديين (بدوي ودربالي ٢٠٢١)، يتّضح أنَّ دعم الدولة على السلع الأساسية هو أمرٌ أساسيً لتعزيز استمرارية الطبقات المتوسّطة والعاملة، أي غالبية القوى العاملة. في العموم، تدور مسألة إصلاح الصندوق العام للتعويض حول اعتبارات مالية وتقنية، بينما يتمّ تجاهل التداعيات السياسية والاجتماعية لإلغائه إلى حدٍّ كبير (جويلي ٢٠٢١). منذ عام ٢٠١٣، تضمّنت الإجراءات السابقة لصندوق النقد الدولي إصلاحًا للصندوق العام للتعويض من أجل منح القروض لتونس. وفي موازاة الإصلاح المتعلّق بالصندوق العام للتعويض، الذي يُفضي إلى إلغائه تدريجيًا، يوصي صندوق النقد الدولي بتطبيق برامج هادفة تتوجّه إلى الأُسَر الأكثر فقرًا، تماشيًا مع النهج المناصر للفقراء الذي تدعمه المؤسّسات المالية الدولية. ووفقًا لمقرّر اللجنة المالية البرلمانية، فإنَّ المبلغ المُخصَّص لصندوق التعويض لعام ٢٠٢١ يبلغ ٣١٠٠ مليون دينار (مقابل ٧٥٠ مليون دينار في عام ٢٠١٠): ٢،٢٠٠ مليون دينار مُخصَّصة للسلع الأساسية؛ و٥٠٠ مليون دينار للنقل؛ و٤٠٠ مليون دينار للوقود. 

ملاحظات ختامية
لطالما عبّرت عملية هيكلة نظام الحماية الاجتماعية في تونس عن تجاذبات بين سياسةٍ اقتصادية موجّهة نحو المنافسة في الأسواق الدولية وضرورة الحفاظ على السلم الاجتماعي داخل البلد. وكانت النتيجة، من جهة، إنشاء برامج معقّدة ومفكّكة قائمة على الاشتراكات وتُعزِّز الفروقات بين مختلف فئات العاملين/ات المؤهّلين/المؤهّلات؛ ومن جهة أخرى، تطبيق برامج المساعدة الموجّهة للفئة الأشدّ فقرًا التي تكثّفت منذ التسعينات فصاعدًا، ممّا كشفَ عن تأثير الاقتصاد المتعثّر على السكّان الفقراء. كما ينعكس الوضع الحرج تحديدًا للشباب/الشابّات العاطلين/ات عن العمل في سلسلةٍ من برامج التوظيف التي تحسّنت بعد ثورة ٢٠١١، لكنْ بتأثيرٍ ضئيل. 

في ظلّ ارتفاع معدّلات البطالة (١٨% [المعهد الوطني للإحصاء ٢٠٢١]) والطابع غير النظامي (٤٥% [المعهد الوطني للإحصاء ٢٠٢٠])، يميل نظام الضمان الاجتماعي القائم على الوظيفة والاشتراكات إلى استبعاد فئات واسعة من المواطنين/ات غير المشمولين/ات في النظام القائم على الاشتراكات. وتؤثّر معدّلات البطالة المرتفعة والطابع غير النظامي في البلد على "نظام الدفع أوّلًا بأوّل" الذي يعاني نقصًا في التمويل؛ كما تنعكس أيضًا في إقصاء شرائح واسعة من السكّان العاملين من تغطية الضمان الاجتماعي،  الأمر الذي يدفع هؤلاء للاتّجاه نحو برامج المساعدة الاجتماعية غير القائمة على الاشتراكات. علاوةً على ذلك، فإنَّ البطالة والافتقار إلى الحماية الاجتماعية يقفان عائقًا أمام إبرام عقد اجتماعي متين في حقبة ما بعد الثورة في تونس.  

قائمة المراجع

Allal, Amin. 2012. “Trajectoires ‘révolutionnaires’ en Tunisie, processus de radicalisations politiques 2007-2011.” Revue Française de Science Politique 5-6/62: 821-841.
Belhaj, Ferid. January 2021. “MENA Unbound: Ten Years after the Arab Spring, Avoiding Another Lost Decade.” https://www.worldbank.org/en/news/opinion/2021/01/14/mena-unbound-ten-ye... [last consulted March 16, 2022].
Ben Cheikh, Nidhal. May 2013. “L’extension de la protection sociale à l’économie informelle à l’épreuve de la transition en Tunisie.” Centre des Recherches et des Études Sociales (CRES).
Chaabane, Mohamed. 2003. “Towards the universalization of social security: The experience of Tunisia.” ESS Paper no. 4, International Labour Organization. 
Chayata, Karim. 2013. “La prise en charge des dépenses de santé par la solidarité nationale : l’exemple tunisien du système d’assurance maladie.” PhD diss., Université de Rennes 1.
Centre de Recherches Économiques et Sociales (CRES). May 2016. “Protection sociale et économie informelle en Tunisie, Défis de la transition vers l’économie formelle.”
CRES and MoSA (Tunisian Ministry of Social Affairs). May 2019. “Étude de faisabilité des garanties du Socle National de Protection Sociale – Résumé exécutif.”
_______ May 2017. “Évaluation de la performance des programmes d’assistance sociale en Tunisie : pour optimiser le ciblage des pauvres et freiner l’avancée de l’informalité.” Rapport de l’enquête d’évaluation.
Dakhli, Leyla. 2011. “The Fair Value of Bread: Tunisia, 28 December 1983-6 January 1984.” International Review of Social History. 66 (S29): 41-68. 

Dakhli, Leyla and Vincent Bonnecase. 2021, “Introduction: Interpreting the Global Economy through Local Anger”, International Review of Social History. 66 (S29): 1-21.
Derbali, Manel. 14 July 2021. “La caisse de compensation, un casse-tête tunisien.” Nawaat. https://nawaat.org/2021/07/14/caisse-de-compensation-un-casse-tete-tunis...
Dobry, Michel. 1987. Sociologie des crises politiques : La dynamique des mobilisations multisectorielles. Paris: Presses de la fondation nationale de sciences politiques.
DTUDA (Danish Trade Union Development Agency, “Labour Market Profile Tunisia – 2020.” Denmark.
ECSWA (Economic and Social Commission for Western Asia). 2021, “Targeted social protection in Arab countries before and during the Covid-19 crisis.” ECSWA, Beirut.
_______ 2016. Social Protection Country Profile: Tunisia. ESCWA, Beirut.
ERF (Economic Research Forum). 2022, Conference: “National Dialogue on The Social Protection System in Tunisia.” Tunis, 24-25 January 2022.
_______ 2022a. Minh, Phuong Le, Marouani, Mohamed Ali, and Ben Cheikh, Nidhal, “Health Insurance and Health Outcomes in Tunisia.”
_______ 2022b, Nasri, Khaled, Amara, Mohamed and Helmy, Imane, “The landscape of Social Protection in Tunisia.”
Hagerman, Katharine. 2015. “Social Protection and Safety Nets in Tunisia.” Institute of Development Studies, Centre for Social Protection, World Food Programme (WFP).
Hammami, Med Dhia. 29 May 2014. “Les B.A.BA de la Caisse Générale de Compensation.” (https://nawaat.org/2014/05/29/tunisie-les-b-a-ba-de-la-caisse-generale-d...
Harris, Kevan. 2019. “The Social Question in the Middle East. Past and Present.” In The Social Question in the Twenty-First Century. A global View edited by Jan Breman, Kevan Harris, Ching Kwan Lee, and Marcel van der Linden, 188-207. Oakland: University of California Press.
Hibou, Béatrice. 2015. “La formation asymétrique de l’Etat en Tunisie.” In L'État d’injustice sociale au Maghreb edited by Bono, Irene, Béatrice Hibou, Hamza Meddeb, and Mohamed Tozy, 100-149. Paris: Éditions Karthala.
______ 2011. “Macroéconomie et domination politique en Tunisie : du ‘miracle économique’ benaliste aux enjeux socio-économiques du moment révolutionnaire.” Politique africaine, Vol. 4, no. 124, p. 127-154. 
______ 2006. La force de l'obéissance. Économie politique de la répression en Tunisie. Paris: La Découverte.
ILO (International Labour Organisation). 2011. “Tunisia: a new social contract for fair and equitable growth.” Studies on growth with equity. International Institute for Labour Studies.
_______ 2017. “World Social Protection Report, 2017-2019.”
_______ 2019. “Étude de Faisabilité d’un fonds perte d’emploi (options et coûts).” International Labour Organization.
_______ 2021. “World Social Protection Report 2020-2022: Regional companion report for the Middle East and North Africa (MENA) Region.” International Labour Organization.
INS (Tunisian National Institute of Statistics). 2021. “Indicateurs de l’emploi et du chômage du troisième trimestre 2021.” 
http://www.ins.tn/publication/indicateurs-de-lemploi-et-du-chomage-trois... [last consulted 23 March 2022].
_______ 2020. “Indicateurs du travail informel pour l’année 2019” (in Arabic):
http://ins.tn/sites/default/files/publication/pdf/Note%2520emploi%2520in... [last consulted 23 March 2022].
 Jouili, Moustapha. 2021. “La Caisse Générale de Compensation en Tunisie: impasse d’un mécanisme de régulation artificiel.” Mondes en développement. Vol. 4, no. 196, p. 123-140.
Longuenesse, Elisabeth, Catusse, Myriam and Destremau Blandine. January 2005. “Le travail et la question sociale au Maghreb et au Moyen-Orient.” Revue des mondes musulmans et de la Méditerranée (REMMM), no. 105-106, p. 15-43.
Mansuy, Michèle and Werquin, Patrick. 2015. “Labour Market Entry in Tunisia: The gender gap.” International Labour Office, Geneva. 
Makhlouf, Slaheddine. May 2017. “La Caisse Générale de Compensation.” Institut Tunisien des Etudes Stratégiques (ITES).
Mestiri, Mhamed. 14 April 2017. “Système de Protection sociale : la Fabrique des Inégalités.” Nawaat. https://nawaat.org/2017/04/14/systeme-de-protection-sociale-la-fabrique-...
MoSA (Ministry of Social Affairs). Unicef, CRES. 2019. “La garantie d’une allocation pour enfants en Tunisie, faisabilité, coût, impact et financement.”
Ruf, Werner K. 1975, XVII. “Le socialisme tunisien : conséquences d’une expérience avortée” In Introduction à l’Afrique du Nord contemporaine. Institut de recherches et d’études sur les mondes arabes et musulmans (IREMAM), Aix-en-Provence.
SEFF (Secrétariat d’Etat aux Affaires de la Femme et de la Famille). UN Women (United Nations Entity for Gender Equality and the Empowerment of Women). OHCHR (Office of the United Nations High Commissioner for Human Rights). 2014. “Étude sur le travail des femmes en milieu rural et leur accès à la protection sociale.”
Walton, John K. and Seddon, David. 1994. Free Markets and Food Riots: The Politics of Global Adjustment. London: Wiley-Blackwell.
World Bank. May 2016. “Tunisia Moves to Modernize its Social Protection and Labor Policies.”
______ December 2015. “Consolidating social protection and labor policy in Tunisia: Building systems, connecting to jobs.” Policy Note, Maghreb Department MENA, World Bank Group.
______ May 2014. “La révolution inachevée, Créer des opportunités, des emplois de qualité et de la richesse pour tous les Tunisiens.” Revue des Politiques de Développement, Poverty Reduction and Economic Management Department Middle East and North Africa Region.