لجنة عائلات المخطوفين والمفقودين في لبنان
لجنة عائلات المخطوفين والمفقودين في لبنان
الإيديولوجيا والأهداف:
لجنة أهالي المخطوفين والمفقودين تجمّعٌ لعائلات المخطوفين والمفقودين أثناء الحرب الأهلية اللبنانية. بعد انتهاء الحرب، لم تُشر اتفاقيات الطائف إلى مصير آلاف المفقودين. وفي العام 1991، تمّ حلّ الميليشيات من دون إرغامها على تقديم أي معلوماتٍ عن الأشخاص الذين اختطفتهم أو من دون إطلاق سراح أي سجناء من المحتمل أنّها احتجزتهم.
بدأت اللجنة العمل في العام 1982، وهي تغطّي المدة الزمنية الممتدة بين العام 1975 والعام 1990. ترغب العائلات في العثور على الأشخاص الذين لا يزالون محتجزين في سوريا وإسرائيل وإطلاق سراحهم، والحصول على رفات الموتى لدفنها[1]. يتمثّل الهدف الرئيس في دفع السياسيين لأن يأخذوا بالحسبان موضوع المفقودين ويعترفوا به رسمياً.
وعلى الرغم من أنّ اللجنة تقول بأنّها تغطي كافة حالات الاختفاء، غير أنّ كل جمعية تناضل في واقع الأمر من أجل قضية المفقودين (لجنة دعم المعتقلين والمنفيين اللبنانيين (سوليد Solide)، العمل من أجل المفقودين، المركز الدولي للعدالة الانتقالية ICTJ...) تميل إلى التركيز على نوعٍ معيّنٍ من المفقودين. يشرح إيف ميرمان قائلاً: ‘‘على سبيل المثال، سوليد أكثر تخصصاً بالمفقودين المعتقلين في سوريا في حين تأسست اللجنة في العام 1982 بصورةٍ رئيسيةٍ من أجل المفقودين أثناء الحرب الأهلية في لبنان. لكن بطبيعة الحال، وبما أنّ القضايا متشابكة، فإننا نجد على قوائمهم المفقودين في سوريا وإسرائيل’’.
أساليب الفعل:
بنت اللجنة نشاطاتها بصورةٍ أساسية على التواصل مع السلطات السياسية والضغط عليها: حملات إعلامية، رسائل إلى رئيس الجمهورية، اعتصامات أسبوعية مقابل مجلس الوزراء والبرلمان، مؤتمرات، اجتماعات، وتأسيس صندوقٍ للدعم. تشرح وداد حلواني قائلةً: ‘‘لقد تواصلنا مع جميع المسؤولين منذ العام 1982، رؤساء وزارة، رؤساء جمهورية، وزراء العدل، لجنة حقوق الإنسان في البرلمان"[2]. كذلك، تبنّت اللجنة منذ العام 2009 أسلوب نشاطٍ يعتمد على استخدام القانون. ومع المحاكمات التي بدأت تدعمها، ولاسيما منذ العام 2012 مع مشروع مسودة قانون، بدأت اللجنة بترجمة التزامها عبر مسردٍ لغويٍّ قانوني.
التاريخ:
تمثّلت إحدى أولى المهام التي تولّتها حلواني وزملاؤها بعد تأسيس اللجنة في تسجيل أسماء المخطوفين. وقد ركّزت اللجنة بصورةٍ أساسية على الضغط على الحكومة[3].
فمنذ ثمانينيات القرن العشرين، نظّمت اجتماعاتٌ مع السلطات السياسية بهدف الاعتراف رسمياً بقضية المفقودين. بقيت تقارير لجنة التحقيق الحكومية غير منشورة طيلة الثمانينيات، حتى بعد أن وضعت الحرب أوزارها. كانت السلطات تمانع بشدّةٍ التعامل مع مثل هذه المشكلة الحساسة وتمثّل موقف الدولة في تشجيع شكلٍ من نسيان سنوات الحرب. في العام 1995، صوّتت حكومة رفيق الحريري على قانونٍ يسمح للأهالي بإعلان وفاة المفقودين الذين يخصّونهم، غير أنّ اللجن رفضت ذلك القرار وطالبت بتأسيس لجنةٍ رسمية للتحقيق، يمكن أن تنظر في كلّ حالةٍ على حدة، لكنّ طلبها رُفض. لم تتحسّن الأمور في عهد حكومة سليم الحصّ، على الرغم من أنّ العائلات توقّعت بأنّ هذه الحكومة ربما تستجيب لمطالبها. وحتى الرئيس إميل لحود أجّل اللقاء مع العائلات. بعد هذا الفشل، قرّرت اللجنة تغيير طريقة عملها، فحوّلت نفسها إلى جمعية وبدأت التعاون في العام 1999 مع جمعياتٍ أخرى بهدف شنّ حملةٍ من أجل المفقودين. استند نشاطهم الرئيس إلى التوعية بقضيتهم ونشرها إعلامياً بهدف الضغط على السلطة السياسية.
تؤكّد اللجنة على مطالب ثلاثة: 1) تأسيس لجنة تحقيق؛ 2) تبني نظام حماية اجتماعية لأهالي المفقودين؛ و3) إعلان يوم وطني من أجل ‘‘التذكر’’. بعد ثلاثة أشهر من إطلاق الحملة وفي 21 كانون الثاني/يناير 2000، تأسست لجنة تحقيق رسمية، قرّرت اللجنة دعمها وتزويدها بالمعلومات عن المفقودين. وقد قبلت بنتائج التقرير الصادر عنها، لكنّها واصلت الكفاح من أجل المطلبين الآخرين بعد نشره.
توقفت الحملة من أجل المفقودين بتاريخ 28 تموز/يوليو 2000، لكنّ الحركة عادت إلى الظهور بعد بضعة أشهر، في كانون الأول/ديسمبر 2000 عندما أطلقت سوريا سراح 54 سجيناً لبنانياً، كان قد سبق أن أعلنت لجنة التحقيق موت بعضهم. أطلقت اللجنة ومختلف منظمات حقوق الإنسان حملة احتجاجيةً أخرى ضد السلطات اللبنانية والسورية. وفي 24 كانون الأول/ديسمبر 2009، أرسلت عريضةً إلى مجلس الدولة تطلب فيها الاعتراف بحقّها في معرفة الحقيقة، وفي الاطّلاع على التقرير الكامل. بتاريخ 24 و25 شباط/فبراير 2012، اقترحت العائلات مسودة قانون من أجل المخطوفين والمفقودين، بدعمٍ من منظماتٍ أخرى لحقوق الإنسان مثل المركز الدولي للعدالة الانتقالية[4]. قدّم النائبان غسان مخيبر وزياد قادري مسودة القانون إلى البرلمان، ودرسته اللجنة البرلمانية على نحوٍ متكرّر[5].
في نيسان/أبريل 2015 وبمناسبة الذكرى الأربعين للحرب الأهلية، أطلقت اللجنة حملةً دامت أربعين يوماً في كافة أرجاء لبنان. وقد تلقت دعماً من شركة بيكاسو الإعلانية لعرض 4 لوحات إعلانية كبيرة في كلّ المناطق اللبنانية. تشرح وداد حلواني: ‘‘تمثّل هدف الحملة في إظهار أنّنا لا نزال بعد أربعين عاماً نعيش الحرب الأهلية، على الرغم من عدم وجود قصفٍ أو ميليشيات. ثمة أمورٌ كثيرة على المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية لا تزال من دون حلّ، وهي لا تقتصر على مسألة المفقودين’’[6].
اليوم، يتمثّل المطلب الأولّ للجنة في جمع الحمض النووي للعائلات بهدف المساعدة في التعرّف على الجثث. وتشرح وداد حلواني قائلةً: ‘‘سيكون اعتراف السلطات اللبنانية الكامل عبر جمع الحمض النووي من العائلات. يتحدّث التقرير عن ثلاثة مقابر جماعية. نحن نحتاج إلى مثل هذا الجمع قبل أن تموت العائلات، ونحتاج أيضاً إلى التعرّف على العظام البشرية وتمييزها عن العظام الحيوانية عندما تجدها السلطات في مواقع البناء’’[7]. أمّا الهدف الرئيس الثاني للّجنة، فيتمثّل في تصديق البرلمان لمشروع القانون.
تعمل اللجنة اليوم بالتعاون مع جمعية ‘‘البحث عن أرضية مشتركة’’ من أجل وضع ‘‘جرد وطني’’ للبنان في نيسان/أبريل 2016، يمكن أن يساعد في مراجعة وضع لبنان الاجتماعي والاقتصادي منذ نهاية الحرب الأهلية. توضّح وداد حلواني قائلةً: ‘‘يقوم كلّ متجرٍ صغيرٍ أو منظمة صغيرة بجردٍ كل سنة لمعرفة الربح من الخسارة. لم يقم لبنان بمثل هذا الجرد طيلة 40 سنة. ثمة حاجة لإجراء ذلك الجرد في كافة المجالات، كالتعليم والصحة والسياحة وحقوق الإنسان... مع تقارير باحثين وصحافيين وكتّاب"[8]. كما أنّ اللجنة سوف تطلق عريضةً وطنية تخص مسألة المفقودين في الثلاثين من شهر آب/أغسطس 2015.
الاستراتيجية:
تعتمد اللجنة استراتيجيتين رئيسيتين من أجل التحرّك: البناء الاجتماعي لوضع الضحية من جانب، واستخدام القانون واللجوء إليه من جانبٍ آخر.
النضال من أجل الاعتراف بوضع الضحايا
بدايةً، جعل وضع الضحية معترفاً به اجتماعياً ليس أمراً بديهياً بحدّ ذاته[9]. بالنسبة إلى ستيفان لاتيه في "هل قوة الحدث مصطنعة؟"، الحدث (العنفي، الرضي، العرَضي...) ليس هو ما ينتج ضحايا، بل إنّ الضحايا هم الذين ينتجون أنفسهم[10]. يهدف تحرّك العائلات في اللجنة إلى صياغة وإثارة هذا الموضوع في النقاش السياسي، باستخدام أدواتٍ نوعية للتوعية ومفرداتٍ أخلاقية وقانونية. في سياق ما بعد الحرب الأهلية اللبنانية، يتمثّل الهدف في جعل وضع الضحية معترفاً به اجتماعياً بصرف النظر عن التورط الشخصي لهؤلاء الأشخاص في النزاع. في المخيلة الجماعية، من المفترض أنّ الضحايا منفعلون[11]، في حين أنّ كثيراً منهم في حالة المفقودين كانوا مناضلين، وأحياناً مقاتلين. يتمثّل هدف اللجنة في نزع التسييس عن صورة المفقودين وعائلاتهم بهدف نيل الاعتراف بهم كضحايا، لا كفاعلين في النزاع. بالنسبة إلى الباحث إيف ميرمان، مسألة نزع التسييس هذه أساسيةٌ في استراتيجية الحركة. ‘‘تقدّم الحركة نفسها بوصفها غير طائفية وغير سياسية. موضوع الانتماء الطائفي والسياسي للمفقودين أمرٌ محرّم، بما أنّ الحجة الرسمية المستخدمة ضد الحملة كانت على الدوام الخوف من حربٍ أهليةٍ جديدة. وهذا هو السبب في أنّ اللجنة تعمل على جعل هذه الانقسامات المذهبية تختفي. كما أنّ التعارض بين الضحايا الأبرياء والضحايا المدانين لا يمكن أن يكون فعّالاً في الحالة اللبنانية’’[12].
الدور الملتبس للهيئة في إثبات الحقيقة
بناء وضع الضحية جزءٌ أساسي في تحرّك العائلات، وللعلاقة بالجسد دورٌ ملتبسٌ في هذه العملية. في كتاب ‘العقل الإنسانوي’[13]، يظهِر ديدييه فاسان كيف يكون على ضحايا العنف أن يثبتوا في بعض الأحيان شهاداتهم عبر علامات العنف الظاهرة على أجسادهم. ‘‘لقد أصبح الجسد شهادةً على الحقيقة’’. لكن كيف يمكن فعل ذلك في حالة المفقودين، عندما لا يكون هنالك جسدٌ لإظهار الوقائع؟ في حالة المفقودين في الحرب الأهلية الإسبانية، يظهِر سليم صماوي أنّ نبش الجثث قد لعب دوراً أساسياً في إثبات الحقيقة والاعتراف بها رسمياً[14]. غير أنّ نبش الجثث فعلٌ سياسي في الحالة الإسبانية، في حين أنّ الفاعلين في الحالة اللبنانية يحاولون قدر الإمكان نزع التسييس عن المفقودين وعائلاتهم. وبسبب ممانعة الدولة اللبنانية لنبش المقابر الجماعية، كان على اللجنة تطوير أشكال أخرى من التعبئة لا تعتمد على الإثبات المادي، بل على الخطابات. ومثلما يشرح إيف ميرمان: ‘‘أحياناً، يكون تحويل العائلات إلى ضحايا شديد الأهمية في خطاب اللجنة. وقد لعبت حكاية يوم الاختطاف دوراً أساسياً في هذه العملية. تشرح تلك العائلات بتفاصيل كثيرة، كما لو أنّ إثبات الأمر لا يزال مهماً، كما لو أنّهم يريدون الإقناع بسرد الحكاية’’[15].
لكن هنا أيضاً، تقف حالات الاختفاء في طريق الاعتراف الرسمي بتلك الحالات كضحايا، كما لو أنّه ليس هنالك إثباتٌ على ما حدث بدقةٍ للمفقود ويصعب إعلان وفاته أو أنّه سجينٌ سياسي. يؤكد إيف ميرمان بأنّه ‘‘في حال كان شخصٌ ما معتقلاً سرّاً، فهو مفقودٌ بالنسبة إلى عائلته. أطلق سراح بعض الأشخاص في سوريا بعد إعلان الحكومة اللبنانية لوفاتهم. كيف نتعامل مع هذه الحالات؟ سُجن بعض الأشخاص في إسرائيل لكن لم يعتبروا مفقودين، لأنّ الرمزية السياسية الكامنة خلف هذا الأمر شديدة الاختلاف[16].
استخدام الحقوق والقانون
تبنّت اللجنة أيضاً منذ العام 2009 أسلوب نشاطٍ يستند إلى استخدام القانون. تشرح وداد حلواني: ‘‘لقد شجّعتنا حالة السيدة حشيشو على استخدام القانون من أجل قضيتنا. فقد فقدت هذه المرأة زوجها في العام 1982 ورفعت قضيةً في العام 1991 لأنّها عرفت هوية المسؤولين عن اختفائه. تمّ تأجيل القضية باستمرار لمدةٍ فاقت عشرين عاماً. حذونا حذو السيدة حشيشو وبدأنا الضغط على مجلس الدولة، لكن أيضاً من أجل المقابر الجماعية’’[17]. بالنسبة إلى إيف ميرمان، مثّلت محكمة حاطوم في العام 2006، وهي أول محاكمة تؤدي إلى إدانةٍ حقيقية، خطوةً عظيمةً بالنسبة إلى اللجنة في لجوئها إلى القانون. مع هذه المحاكمات، ولاسيما في العام 2012 مع مشروع مسودة القانون، بدأت اللجنة ترجمة مبادئها عبر مصطلحاتٍ قانونية: حق العائلات في معرفة الحقيقة، الحق في العدالة الوطنية، حقوق الإنسان في مواجهة جريمة الاختفاء القسري المستمرة. بعد العام 2015، باتت الحركة مرتبطة بشدة في خطابها بمبادئ العدالة الانتقالية، ولاسيما أثناء تأسيس المحكمة الخاصة من أجل لبنان في العام 2007. وقد تبنّت مصطلحات المحكمة لكنّها حافظت على مسافةٍ حاسمةٍ معها، منتقدةً على سبيل المثال واقع أنّ المحكمة تركّز بصورةٍ أساسية على مقتل رفيق الحريري، ولا تركّز على الإطلاق على كافة الجرائم التي حدثت في وقت الحرب. يمكن النظر إلى استخدام القانون في التعبئة الاجتماعية بوصفه وسيلةً لتقوية وشرعنة القضية عبر مصطلحاتٍ قانونية تظهر بوصفها حياديةً وشاملة، ويصعب الوقوف في وجهها[18]. يبدو أنّ استخدام القانون بوصفه ‘‘صياغةً للمشاعر’’[19]، يجعلها أكثر شرعيةً في المجال السياسي.
عبر البدء باستخدام مصطلحات قانونية، ساهمت اللجنة أيضاً في الدفاع عن حكم القانون في لبنان وأدمجت قضيتها ضمن قضيةٍ أوسع. بالنسبة إلى الباحث إيف ميرمان، يسهم نشاط اللجنة في ‘‘إضفاء طابع قانوني على السياسي’’[20]. ‘‘إنهم يعتبرون التزامهم التزاماً أوسع من أجل الحقوق والعدالة في لبنان. هم يطالبون بالحق في المعرفة، لكن أيضاً بالحق في المواطنة في لبنان’[21].
التأثير في السياسة العامة:
تبنى البرلمان بتاريخ 26 آب/أغسطس 1991 قانوناً للعفو يغطي العنف السياسي المرتكب حتى 28 آذار/مارس 1991، لكنّه يتجاهل موضوع المخطوفين والمفقودين. أوّل مبادرةٍ رسمية بخصوص هذه المسألة هي قانون العام 1995 الذي يسمح للأهالي بإعلان وفاة ذويهم المفقودين[22]. لكنّ اللجنة رفضت هذا القرار وطالبت بإنشاء لجنة تحقيق رسمية. حتى ذلك الحين، صدرت عدة تقارير تمّ تجاهلها لأنّ معظم الزعماء السياسيين كانوا هم أنفسهم في الماضي قادة ميليشيات متورطين مباشرةً في حوادث الخطف[23]. بعد ثلاثة أشهر من إطلاق حملة المفقودين بتاريخ 21 كانون الثاني/يناير 2000، قرّر رئيس الوزراء تأسيس لجنة تحقيق بهدف تبيان مصير المفقودين. وبتاريخ 26 تموز/يوليو 2000، بعد ستة أشهرٍ من التحقيق، أعلنت اللجنة وفاة كافة المفقودين الذين مضى على اختفائهم أكثر من أربع سنوات والذين لم يتم العثور على جثثهم[24]. أعلنت اللجنة بأنّها أحصت 2046 مفقوداً في حين أعلنت الحملة من أجل المفقودين عن 17 ألف مفقود[25]. من أصل 216 مفقوداً تم اعتبارهم سجناء في إسرائيل، أكّدت السلطات الإسرائيلية للصليب الأحمر بأنّها لا تحتجز إلا 17 منهم. أمّا بالنسبة إلى المعتقلين في سوريا والذين يبلغ عددهم 167 شخصاً، فقد أنكرت السلطات السورية تماماً وجودهم في سجونها. كما أقرّ التقرير بوجود عديدٍ من المقابر الجماعية في أرجاء لبنان. بل إنّه سمّى ثلاثةً منها. لكنّ الدولة اللبنانية لم تتخذ يوماً إجراءاتٍ لحماية تلك المواقع، ولا لنبش بقايا المدفونين فيها.
بعد إطلاق سراح 54 معتقلاً من السجون السورية في كانون الأول/ديسمبر 2000 واستئناف الحركة الاحتجاجية، أنشأت الحكومة اللبنانية لجنة تحقيق أخرى، لكنّ إجراءاتها تعرّضت لانتقاداتٍ شديدة من منظمات حقوق الإنسان. وبعد انسحاب الجيش السوري من لبنان في العام 2005، أسست الحكومة اللبنانية لجنة وزارية جديدة بهدف متابعة الموضوع مع السلطات السورية[26].
حتى العام 2014، رفضت الدولة إعطاء التقرير لعائلات المفقودين. وتشرح وداد حلواني قائلةً: ‘‘هم يجادلون على الدوام في أنّ هذا التقرير سيؤدي إلى نشوب الحرب الأهلية مجدداً’’[27]. غير أنّ مجلس الدولة اللبناني قام بخطوةٍ عظيمةٍ بتاريخ 4 آذار/مارس 2014 عندما قرّر بأنّه يحقّ للعائلات معرفة حقيقة ما حدث لأقاربها المفقودين (الحق في المعرفة)[28]. بالنسبة إلى وداد حلواني، ‘‘إنها خطوة صغيرة، لكنها ليست اعترافاً كاملاً’’[29]. علاوةً على ذلك ووفقاً لدراسةٍ حول هذا التقرير أجرتها الجمعيات، فإنّ كافة التحقيقات التي أجرتها اللجان الحكومية المختلفة لم تصل إلا إلى مرحلة جمع البيانات والتصنيف، ولم يتم تحليل البيانات الإجمالية بهدف الوصول إلى الحقيقة. بالنسبة إلى ناشطي اللجنة، كانت التحقيقات سطحية ومجزأة.
الداعمون:
تلقّت الحملة من أجل المفقودين والتي انطلقت في العام 1999 دعم حوالي 100 جمعية، لكنّ قليلاً من تلك الجمعيات فقط شارك بفاعلية. في بداية نشاطات اللجنة، تلقت دعماً من أعضاء في الجمعية اللبنانية من أجل انتخابات ديمقراطية وجمعية الدفاع عن الحقوق والحريات والجمعية اللبنانية لحقوق الإنسان، وكذلك من ناشطين يساريين، شارك بعضهم في الحركات الاجتماعية أثناء التسعينيات[30] وفي العقد الأول من القرن الواحد والعشرين[31].
تتعاون اللجنة اليوم مع عددٍ كبيرٍ من منظمات حقوق الإنسان مثل لجنة الدفاع عن الحريات العامة والديمقراطية[32] ودعم المعتقلين والمنفيين اللبنانيين (سوليد) والمركز الدولي للعدالة الانتقالية.
على سبيل المثال، يقدّم المركز الدولي للعدالة الانتقالية دعماً تقنياً وقانونياً مهماً للجنة، وقد ساعدها بصورةٍ خاصة في وضع مسودة للقانون المقترح في العام 2012. ظهرت فكرة هذه المسودة بعد أن نظّم المركز رحلةً إلى ساراييفو في العام 2011، شارك فيها ممثلون عن العائلات وعن الدولة اللبنانية وصحافيون ومحامون بهدف الاستفادة من خبرة ذلك البلد في مجال تعامله وتعامل جمعياته مع موضوع المفقودين فيه[33].
في اتفاقٍ عُقد في العام 2012، اقترح الصليب الأحمر أيضاً تقديم المساعدة بخصوص جمع الحمض النووي والتعرّف على الأشخاص.
المشاركون:
تتكون اللجنة بصورةٍ أساسيةٍ من نساء ينتمين إلى خلفياتٍ اجتماعية متباينة. في البداية، كان معظم الأعضاء مسلمين، بما أنّ اللجنة تأسست في القسم الغربي المسلم من المدينة. تأسس تجمّعٌ مشابهٌ في المناطق المسيحية في ثمانينيات القرن العشرين. وفي العام 1985-86، بدأت المجموعتان تلتقيان في الخط الأخضر وعندما انتهت الحرب، اتحدتا في منظمةٍ واحدة. ‘‘اللجنة ليست جمعيةً تضمّ انتماءاتٍ مذهبية، وهذه هي نقطة قوتنا الرئيسية ونحن فخورون بها أشد الفخر’’، هذا ما أوضحته وداد حلواني[34]. حاولت الحركات السياسية عدة مرات استغلال اللجنة، لكنّ هذه الأخيرة تمكنت من الإبقاء على حيادها السياسي[35]. ‘‘لا يستطيع السياسيون استغلال حركتنا لأنّها بقيت على الدوام بعيدةً عن الانقسامات المذهبية والسياسية’’[36].
بالنسبة إلى إيف ميرمان، التأكيد على هذا الوضع غير المذهبي أمرٌ مركزي في خطاب اللجنة: ‘‘تقدّم اللجنة نفسها بوصفها غير مذهبية وغير مسيسة، وهذا أمرٌ حقيقي طالما أنّ كافة المذاهب ممثّلةٌ فيها. ذكر انتماء المفقودين المذهبي والسياسي أمرٌ محظور، بما أنّ الخوف من حربٍ أهليةٍ جديدة هو الحجّة الرسمية المستخدمة ضد قضيتهم. وهذا هو السبب في أنّ الحركة تشتغل إلى هذا الحد على خطابها لجعل الانقسامات المذهبية تختفي[37].
علاوةً على التركيب المذهبي للحركة، من الممكن إظهار بعض خصائص أعضائها الاجتماعية. إذ على الرغم من أنّ عائلات المفقودين تغطّي خلفياتٍ اجتماعية شديدة التباين، فإنّ زعماء الحركة مقرّبون في كثيرٍ من الأحيان من الحركات اليسارية وأجواء المثقفين. بالنسبة إلى إيف ميرمان، هذه سمةٌ شائعة جداً في التحركات الاجتماعية: ‘‘علينا أن نسأل أنفسنا من هم أكثر الناس قدرةً على التحشيد والتحدث علناً والتواصل مع وسائل الإعلام؟ نحتاج إلى شبكة وتجربة في التحشيدات من أجل ذلك. على سبيل المثال، كانت وداد حلواني عضواً في حركاتٍ يسارية قبل الحرب. كان زوجها ناشطاً شيوعياً. كانت أصلاً قريبةً من تلك الأجواء وكلّ ما فعلته هو تعبئة شبكتها’’[38]. بالنسبة إلى الباحث كرم كرم في الحركة المدنية في لبنان (2006)، معظم فاعلي الحركات الاجتماعية في التسعينيات كانوا أعضاءً في شبكات الناشطين ذات الصلة.
الوضع:
نشيط
الموقع الإلكتروني:
لا يوجد موقع متاح
لا توجد صفحة فيسبوك
الأحداث البارزة:
حملة من أجل المفقودين (1999-2000). اقتراح من أجل مشروع قانون للمخطوفين والمفقودين بتاريخ 24-25 شباط/فبراير 2012. اعتراف مجلس الدولة بتاريخ 4 آذار/مارس 2014 بحق العائلات في الاطلاع على الحقيقة. حملة "الذكرى الأربعين للحرب" بمناسبة الذكرى الأربعين للحرب الأهلية في نيسان/أبريل 2015.
[1] انظر: Michael Young, “Civil society and governance, moving forward. Resurrecting Lebanon’s Disappeared”, The Lebanese Center for Policy Studies, p.6: www.ids.ac.uk/ids/civsoc/final/lebanon/leb2.doc [تاريخ الزيارة: 19/8/2015].
[2] مقابلة أجراها فريق ‘دعم لبنان’ مع وداد حلواني بتاريخ 14/7/2015، بيروت.
[3] Karam Karam, Le mouvement civil au Liban. Revendications, protestations et mobilisations associatives dans l’après-guerre, Editions Karthala, 2006, p.188-192.
[4] انظر:“Families propose draft law for the missing and forcibly disappeared persons”, article of the ICTJ website: https://www.ictj.org/news/lebanon-families-propose-draft-law-missing-and-forcibly-disappeared-persons [تاريخ الزيارة: 19/8/2015].
[5] مقابلة أجراها فريق دعم لبنان مع وداد حلواني بتاريخ 14 تموز/يوليو 2015، بيروت.
[6] مقابلة أجراها فريق دعم لبنان مع وداد حلواني بتاريخ 14 تموز/يوليو 2015، بيروت.
[7] مقابلة أجراها فريق دعم لبنان مع وداد حلواني بتاريخ 14 تموز/يوليو 2015، بيروت.
[8]مقابلة أجراها فريق دعم لبنان مع وداد حلواني بتاريخ 14 تموز/يوليو 2015، بيروت.
[9]حول البناء الاجتماعي لوضع الضحية، انظر: Sandrine Lefranc, Lilian Mathieu (dir.), Mobilisations des victimes,Presses universitaires de Rennes, coll. « ResPublica », 2009, 220 p.; Sandrine Lefranc et al., « Les victimes écrivent leur Histoire. Introduction », Raisons politiques 2008/2 (n° 30), p. 5-19.
[10]Stéphane Latté, « La « force de l'événement » est-elle un artefact ? Les mobilisations victimes au prisme des théories événementielles de l'action collective », Revue française de science politique 2012/3 (Vol. 62), p. 409-432.
[11] يعتبر بعض الباحثين بأنّ تعريف الضحية محدودٌ إلى درجة كبيرة، باستثناء أولئك الذين يشاركون في النزاعات: Didier Fassin et Richard Rechtman, L'Empire du traumatisme. Enquêtesur la condition de victime, Paris, Flammarion, 2007
[12] مقابلة أجراها فريق دعم لبنان مع إيف ميرمان بتاريخ 24 تموز/يوليو 2015، بيروت.
[13] Didier Fassin, “Une épreuve de vérité”, La Raison humanitaire. Une histoire morale du temps présent, Paris, collection « Hautes Études », Gallimard/Seuil, 2010.
[14] Sélim Smaoui, « Sortir du conflit ou asseoir la lutte ? Exhumer et produire des «victimes républicaines» en Espagne », Revue française de science politique 2014/3 (Vol. 64), p. 435-458.
[15]مقابلة أجراها فريق دعم لبنان مع إيف ميرمان بتاريخ 24 تموز/يوليو 2015، بيروت.
[16]مقابلة أجراها فريق دعم لبنان مع إيف ميرمان بتاريخ 24 تموز/يوليو 2015، بيروت.
[17]مقابلة أجراها فريق دعم لبنان مع وداد حلواني بتاريخ 14 تموز/يوليو 2015، بيروت.
[18] Eric Agrikoliansky, “Les usages protestataires du droit”, in Penser les mouvements sociaux, Olivier Fillieule, Eric Agrikoliansky, Isabelle Sommier, Paris, La Découverte, 2010; Israël Liora, L’arme du droit, Paris, Presses de Sciences Po (P.F.N.S.P.) « Contester », 2009.
[19] Christophe Traini, « Les protecteurs des animaux et le droit. Refoulement ou formalisation des émotions ? », Droit et société 2014/2 (n° 87), p. 465-482.
[20] انظر: Yves Mirman, « Se mobiliser au nom du droit au Liban : la cause des disparus », Les Carnets de l’Ifpo. La recherche en train de se faire à l’Institut français du Proche-Orient (Hypothèses.org), 13 novembre 2012. على الإنترنت: http://ifpo.hypotheses.org/4515 [آخر زيارة بتاريخ 19/8/2915].
[21] مقابلة أجراها فريق دعم لبنان مع إيف ميرمان بتاريخ 24/7/2015، بيروت.
[22] Karam Karam, Le mouvement civil au Liban. Revendications, protestations et mobilisations associatives dans l’après-guerre, Editions Karthala, 2006, p.188-192.
[23] Marie-Noëlle Abiyaghi, “Civil mobilisation and peace in Lebanon. Beyond the reach of the ‘Arab Spring’?”, in Accord, issue 24, Reconciliation, reform and resilience. Positive peace for Lebanon, Elisabeth Picard and Alexander Ramsbotham, 2012, p.20.
[24] انظر مقتطفات من القانون في: Bassam Al kantar, “Lebanon: Journey for thruth begins for families of the disappeared”, Al Akhbar English, 26th September 2014, http://english.al-akhbar.com/content/lebanon-journey-truth-begins-famili... [تاريخ الزيارة 19/8/2015].
[25] الصفحة الإلكترونية للحملة من أجل المفقودين: http://www.actforthedisappeared.com/our-cause/17000-disappeared-lebanon [تاريخ الزيارة: 19/8/2015]
[26] Karam Karam, Le mouvement civil au Liban. Revendications, protestations et mobilisations associatives dans l’après-guerre, Editions Karthala, 2006, p.188-192.
[27] مقابلة أجراها فريق دعم لبنان مع وداد حلواني بتاريخ 14 تموز/يوليو 2015، بيروت.
[28] انظر: “Lebanon’s Disappeared: Ruling Consecrates Right to the Truth”, The Legal Agenda, 3 April 2013, http://english.legal-agenda.com/document.php?id=5&folder=documents&lang=en [تاريخ الزيارة 19/8/2015].
[29] مقابلة أجراها فريق دعم لبنان مع وداد حلواني بتاريخ 14 تموز/يوليو 2015، بيروت.
[30] Karam Karam, Le mouvement civil au Liban. Revendications, protestations et mobilisations associatives dans l’après-guerre, Editions Karthala, 2006, p.188-192
[31] Marie-Noëlle AbiYaghi, L’altermondialisme au Liban : un militantisme de passage. Logiques d’engagement et reconfiguration de l’espace militant (de gauche) au Liban, Université de Paris1-La Sorbonne, doctorat de science politique, 2013.
[32] انظر: Michael Young, “Civil society and governance, moving forward. Resurrecting Lebanon’s Disappeared”, The Lebanese Center for Politic Studies, p.7: www.ids.ac.uk/ids/civsoc/final/lebanon/leb2.doc [تاريخ الزيارة 19/8/2015].
[33] مقابلة أجراها فريق دعم لبنان مع كارمن أبو جودة، رئيسة مكتب المركز الدولي للعدالة الانتقالية في بيروت، بتاريخ 7 تموز/يوليو 2015، بيروت.
[34] مقابلة أجراها فريق دعم لبنان مع وداد حلواني بتاريخ 14 تموز/يوليو 2015، بيروت.
[35] مقابلة أجراها فريق دعم لبنان مع كارمن أبو جودة، رئيسة مكتب المركز الدولي للعدالة الانتقالية في بيروت، بتاريخ 7 تموز/يوليو 2015، بيروت.
[36] مقابلة أجراها فريق دعم لبنان مع وداد حلواني بتاريخ 14 تموز/يوليو 2015، بيروت.
[37] مقابلة أجراها فريق دعم لبنان مع إيف ميرمان بتاريخ 24 تموز/يوليو 2015، بيروت.
[38] مقابلة أجراها فريق دعم لبنان مع إيف ميرمان بتاريخ 24 تموز/يوليو 2015، بيروت.